الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: العَفوُ إذا كان التَّعزيرُ لحَقِّ اللهِ


للإمامِ العَفوُ في التَّعزيرِ إذا كان حَقًّا للهِ تعالى، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ [2323] اشتَرَطَ الحَنَفيَّةُ أنَّ الإمامَ لا يَعفو إلَّا فيما عَلِمَ أنَّ الفاعِلَ انزَجَرَ قَبلَ ذلك، كَما اشتَرَطَ بَقيَّةُ المَذاهبِ مُراعاةَ الإمامِ الأصلَحَ بَينَ العَفوِ أوِ التَّعزيرِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 49)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 320)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/181)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/124). : الحَنَفيَّةِ [2324] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 49)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/ 53،54). ، والمالِكيَّةِ [2325] ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/ 320)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (8/159). ، والشَّافِعيَّةِ [2326] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/181)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (5/526). ، والحَنابِلةِ [2327] عِندَ الحَنابِلةِ: إذا كان التَّعزيرُ مَنصوصًا عليه، فيَجِبُ امتِثالُ الأمرِ فيه، وما لم يَكُنْ ورَأى الإمامُ المَصلَحةَ في العَفوِ عَفا عنه. ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 424)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 241)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/124). .
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هرَيرةَ قال: ((خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ خَيبَرَ، فلم نَغنَمْ ذَهَبًا ولا فِضَّةً، إلَّا الأموالَ والثِّيابَ والمَتاعَ، فأهدى رَجُلٌ مِن بَني الضُّبَيبِ، يُقالُ له رِفاعةُ بنُ زَيدٍ، لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غُلامًا يُقالُ له مِدعَمٌ، فوجَّهَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى وادي القُرى، حتَّى إذا كان بوادي القُرى بَينَما مِدعَمٌ يَحُطُّ رَحلًا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا سَهمٌ عائِرٌ فقَتَله، فقال النَّاسُ: هَنيئًا له الجَنَّةُ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَلَّا، والذي نَفسي بيَدِه إنَّ الشَّملةَ التي أخَذَها يَومَ خَيبَرَ مِنَ المَغانِمِ، لم تُصِبها المَقاسِمُ، لتَشتَعِلُ عليه نارًا! فلمَّا سَمِعَ ذلك النَّاسُ جاءَ رَجُلٌ بشِراكٍ -أو شِراكَينِ- إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: شِراكٌ مِن نارٍ -أو: شِراكانِ مِن نارٍ )) [2328] أخرجه البخاري (6707) واللفظ له، ومسلم (115). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنصارِ خاصَمَ الزُّبَيرَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شِراجِ الحَرَّةِ، التي يَسقونَ بها النَّخلَ، فقال الأنصاريُّ: سَرِّحِ الماءَ يَمُرُّ، فأبى عليه، فاختَصَما عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للزُّبَيرِ: اسقِ يا زُبَيرُ، ثُمَّ أرسِلِ الماءَ إلى جارِك، فغَضِبَ الأنصاريُّ فقال: أن كان ابنَ عَمَّتِك؟ فتَلوَّنَ وَجهُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! ثُمَّ قال: اسقِ يا زُبَيرُ، ثُمَّ احبِسِ الماءَ حتَّى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ )) [2329] أخرجه البخاري (2359، 2360) واللفظ له، ومسلم (2357). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذانِ الحَديثانِ على جَوازِ عَفوِ الإمامِ عنِ التَّعزيرِ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعرَضَ عن جَماعةٍ استَحَقُّوه [2330] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (5/526). .

انظر أيضا: