الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّانيةُ: الحَفرُ للمَرجومِ إذا كانتِ امرَأةً


يُحفَرُ للمَرجومِ إذا كانتِ امرَأةً، سَواءٌ ثَبَتَ زِناها بالبَيِّنةِ أو بالإقرارِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [612] ((المبسوط)) للسرخسي (9/43)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/ 10). ، وقَولٌ للمالِكيَّةِ [613] ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير)) (4/ 320). ، ووَجهٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [614] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/197). ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ [615] قال النَّوويُّ: (قال قتادةُ وأبو ثَورٍ... يُحفَرُ لَهما). ((شرح صحيح مسلم)) (11/197). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِرِ [616] ابنُ المُنذِرِ يَرى أنَّ المَرجومَ يُحفَرُ له مُطلَقًا، ذَكَرًا كان أو أُنثى، قال ابنُ المُنذِرِ: (فإن حُفِر للمَرجومِ والمَرجومةِ فجائِزٌ، وإن لم يُحفَرْ ورُجِم في غَيرِ حُفرةٍ أجزَأ، والحَفرُ أحَبُّ إليَّ إن ثَبَتَ خَبَرُ بُرَيدةَ؛ لأنَّ ذلك أمكَنُ للرَّامي، فإذا ثَبَتَ خَبَرُ بُرَيدةَ فهو أولى، والذي يُثبِتُ أَولى مِمَّن يَنفي). ((الأوسط)) (12/442). ، وابنِ القَيِّمِ [617] قال ابنُ القَيِّمِ: (الحَدُّ لا يُقامُ على الحامِلِ، وأنَّها إذا وَلَدَتِ الصَّبيَّ أُمهِلَت حتَّى تُرضِعَه وتَفطِمَه، وأنَّ المَرأةَ يُحفَرُ لَها دونَ الرَّجُلِ، وأنَّ الإمامَ لا يَجِبُ عليه أن يَبدَأ بالرَّجمِ). ((زاد المعاد)) (5/30). ، والشَّوكانيِّ [618] الشَّوكانيُّ يَرى أنَّ المَرجومَ يُحفَرُ له مُطلَقًا، ذَكَرًا كان أو أُنثى، قال الشَّوكانيُّ: (أمَّا كَونُه يُحفَرُ للمَرجومِ إلى الصَّدرِ فلِكَونِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرَ أن يُحفَرَ للغامديَّةِ إلى صَدرِها، وهو في صحيحِ مسلمٍ رَحِمَه اللهُ وغَيرِه من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ بُرَيدةَ، وفي مُسلِمٍ وغَيرِه: أنَّه حَفَرَ لماعِزٍ حُفرةً ثُمَّ أمَرَ به فرُجِم، كَما في حَديثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ بُريدةَ في قِصَّةِ ماعِزٍ، وأخرَجَها أحمَدُ وزاد: حُفِر له حُفرةٌ، فجُعِلَ فيها إلى صَدرِه، وأخرَجَ أحمَدُ وأبو داودَ والنَّسائيُّ من حديثِ خالِدِ بنِ اللَّجلاجِ عن أبيه: أنَّه اعتَرَف رَجُلٌ بالزِّنا، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أحصَنتَ؟ قال: نَعَم، فأمَر برَجمِه، فذَهَبنا فحَفَرنا له حتَّى أمكَنَنا ورَمَيناه بالحِجارةِ حتَّى هَدَأ، وقد ثَبَتَ في مُسلِمٍ وغَيرِه من حديثِ أبي سَعيدٍ، قال: لمَّا أمَرَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن نَرجُمَ ماعِزَ بنَ مالِكٍ خَرَجنا به إلى البَقيعِ، فواللهِ ما حَفَرنا له ولا وثقناه، ويُؤَيِّدُ هذا ما وقَعَ في حَديثِ غَيرِه أنَّه هَرَبَ كَما تَقدَّمَ، ولَكِن تَركُ الحَفرِ له لا يُنافي مَشروعيَّةَ الحَفرِ). ((الدراري المضية)) (2/388). ، والشِّنقيطيِّ [619] الشِّنقيطيُّ يَرى أنَّ المَرجومَ يُحفَرُ له مُطلَقًا، ذَكَرًا كان أو أُنثى، قال الشِّنقيطيُّ: (أقوى الأقوالِ المَذكورةِ دَليلًا بحَسَبِ صِناعةِ أُصولِ الفِقهِ وعِلمِ الحَديثِ: أنَّ المَرجومَ يُحفَرُ له مُطلَقًا، ذَكَرًا كان أو أُنثى، ثَبَتَ زِناه ببَيِّنةٍ أو بإقرارٍ، ووجهُ ذلك أنَّ قَولَ أبي سَعيدٍ في صحيحِ مسلمٍ: "فما أوثَقناه ولا حَفَرنا له" يُقدَّمُ عليه ما رَواه مُسلِمٌ في صَحيحِه من حديثِ بُرَيدةَ، بلَفظِ: فلَمَّا كان الرَّابِعةَ حَفَر له حُفرةً، ثُمَّ أمَرَ به فرُجِم. اهـ، وهو نَصٌّ صَحيحٌ صَريحٌ في أنَّ ماعِزًا حُفِر لهـ). ((أضواء البيان)) (5/400). ، وابنِ بازٍ [620] سُئِلَ ابنُ بازٍ: هَل يُحفَرُ للمَرجومِ؟ فأجابَ: (المَرأةُ يُحفَرُ لَها.... الرَّجُلُ ما يَحتاجُ؛ لأنَّ المَرأةَ قد تَتَكَشَّفُ، فإذا كانت مَستورةً أحسَن، شُكَّت عليها ثيابُها ثُمَّ رُجِمَت). ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)). .
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن عامِرٍ، قال: (كان لشُراحةَ زَوجٌ غائِبٌ بالشَّامِ، وإنَّها حَمَلَت، فجاءَ بها مَولاها إلى عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، فقال: إنَّ هذه زَنَت، فاعتَرَفت، فجَلَدَها يَومَ الخَميسِ مِائةً، ورَجَمها يَومَ الجُمُعةِ، وحَفَر لَها إلى السُّرَّةِ وأنا شاهِدٌ، ثُمَّ قال: إنَّ الرَّجمَ سُنَّةٌ سَنَّها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَو كان شَهِد على هذه أحَدٌ لكان أوَّلَ مَن يَرمي، الشَّاهِدُ يَشهَدُ، ثُمَّ يُتبِعُ شَهادَتَه حَجَرَه، ولَكِنَّها أقَرَّت، فأنا أوَّلُ مَن رَماها، فرَماها بحَجَرٍ، ثُمَّ رَمى النَّاسُ، وأنا فيهم...) [621] أخرجه أحمد (978) واللفظ له، وعبد الرزاق (13350). صَحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (978)، وحَسَّن إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/207). وأخرجه من طريق آخر البيهقي (17044)، والخطيب في ((الأسماء المبهمة)) (2/139)، ولَفظُ البَيهَقيِّ: عنِ الأجلَحِ، عنِ الشَّعبيِّ، قال: جيءَ بشُراحةَ الهَمَدانيَّةِ إلى عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال لَها: وَيلَك، لَعَلَّ رَجُلًا وقَعَ عليك وأنتَ نائِمةٌ. قالت: لا. قال: لَعَلَّك استَكرَهَك. قالت: لا. قال: لَعَلَّ زَوجَك مِن عَدوِّنا هذا أتاك، فأنتَ تكرهين أن تدلي عليه. يُلَقِّنُها لَعَلَّها تَقولُ: نَعَم. قال: فأمَرَ بها فحُبِسَت، فلَمَّا وضَعَت ما في بَطنِها أخرَجَها يَومَ الخَميسِ فضَرَبَها مِائةً، وحَفرَ لَها يَومَ الجُمُعةِ في الرَّحبةِ، وأحاطَ النَّاسُ بها وأخَذوا الحِجارةَ، فقال: ليس هَكَذا الرَّجمُ؛ إذَن يُصيبُ بَعضُكُم بَعضًا، صُفُّوا كَصَفِّ الصَّلاةِ صَفًّا خَلفَ صَفٍّ. ثُمَّ قال: أيُّها النَّاسُ، أيُّما امرَأةٍ جيءَ بها، بها حَبَلٌ يَعني أوِ اعتَرَفت، فالإمامُ أوَّلُ مَن يَرجُمُ، ثُمَّ النَّاسُ، وأيُّما امرَأةٍ جيءَ بها أو رَجُلٌ زانٍ فشَهدَ عليه أربَعةٌ بالزِّنا، فالشُّهودُ أوَّلُ مَن يَرجُمُ، ثُمَّ الإمامُ ثُمَّ النَّاسُ. جَوَّد إسنادَه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (7/8) وقال: رِجالُه ثِقاتٌ، رِجالُ الصَّحيحِ، غَيرَ الأجلحِ، وهو صَدوقٌ. وأخرجه مِن طَريقٍ آخَرَ: عَبدُ الرَّزَّاق (13350) ولَفظُه: عن أبي جُحَيفةَ أنَّ الشَّعبيَّ أخبَرَه أنَّ عَليًّا أُتيَ بامرَأةٍ مِن هَمدانَ حُبلى، يُقالُ لَها شُراحةُ، قد زَنَت. فقال لَها عليٌّ: «لَعَلَّ الرَّجُلَ استَكرَهَك؟» قالت: لا. قال: «فلَعَلَّ الرَّجُلَ قد وقَعَ عليك، وأنتَ راقِدةٌ؟» قالت: لا. قال: «فلَعَلَّ لَك زَوجًا مِن عَدوِّنا هؤلاء وأنتِ تَكتُمينَه؟» قالت: لا. فحَبَسَها حتَّى إذا وضَعَت جَلَدها يَومَ الخَميسِ مِائةَ جَلدةٍ، ورَجمَها يَومَ الجُمعةِ، فأمَرَ فحُفِرَ لَها حُفرةٌ بالسُّوقِ، فدار النَّاسُ عليها -أو قال: بها- فضَرَبَهم بالدِّرَّةِ، ثُمَّ قال: «ليس هَكَذا الرَّجمُ، إنَّكُم إن تَفعَلوا هذا يَفتِكْ بَعضُكُم بَعضًا، ولَكِن صُفُّوا كَصُفوفِكُم للصَّلاةِ»، ثُمَّ قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يَرجُمُ الزَّانيَ: الإمامُ إذا كان الاعتِرافُ، وإذا شَهدَ أربَعةُ شُهَداءَ على الزِّنا أوَّلُ النَّاسِ يَرجُمُ الشُّهودُ بشَهادَتِهم عليه، ثُمَّ الإمامُ، ثُمَّ النَّاسُ، ثُمَّ رَماها بحَجَرٍ وكَبَّر،" ثُمَّ أمَرَ الصَّفَّ الأوَّلَ فقال: «ارموا»، ثُمَّ قال: انصَرِفوا، وكذلك صَفًّا صَفًّا حتَّى قَتَلوها. والأثَرُ أصلُه في صَحيح البخاري (6812) مُختَصَرًا، ليس فيه الحَفرُ. .
ثانيًا: أنَّ مَبنى حالِ المَرأةِ على السَّترِ، والحَفرُ أستَرُ لها؛ لأنَّها تَضطَرِبُ إذا مَسَّتها الحِجارةُ، فرُبَّما يَنكَشِفُ شَيءٌ مِن عَورَتِها [622] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/43).  .

انظر أيضا: