الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: إثباتُ وُقوعِ الزِّنا بالفَحصِ الطِّبِّيِّ


لا يَثبُتُ الزِّنا ولا يُستَدَلُّ على وُقوعِه بالفَحصِ الطِّبِّيِّ، وبِه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ بالسُّعوديَّةِ [548] جاءَ في فتوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (لا يَصِحُّ إثباتُ جَريمةِ الزِّنا بما ذُكِرَ مِنَ التَّقريرِ الفاحِصِ الكيماويِّ، وتَقريرِ أخصائيٍّ في بَصَماتِ الأصابِعِ وشَهادةٍ ظَرفيَّةٍ، فإنَّ ذلك إنَّما يُفيدُ اجتِماعًا ومُخالَطةً، ويُثيرُ التُّهمةَ، ويَبعَثُ ريبةً في النُّفوسِ، ولا يَنهَضُ لإثباتِ الجَريمةِ الموجِبةِ للحَدِّ حتَّى يُقامَ الحَدُّ على مُرتَكِبيها، كَما لا تَنهَضُ لدَفعِ حَدِّ القَذفِ عَمَّن رَمى المُحصَنينَ والمُحصَناتِ بجَريمةِ الزِّنا، وإنَّ اللَّهَ تعالى أعلَمُ بعِبادِه، وأرحَمُ بهم مِنهم بأنفُسِهم، ومَعَ ذلك حَكَمَ بحَدِّ القَذفِ على مَن قَذَف المُحصَناتِ ولم يَأتِ بأربَعةِ شُهَداءَ، وهو سُبحانَه العَليمُ الحَكيمُ في تَشريعِه، ولَو كان هناكَ ما يَدفعُ حَدَّ القَذفِ سِوى ذلك لبَيَّنه سُبحانَه في كِتابِه، أو بالوحيِ إلى رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما كان رَبُّك نَسيًّا، ولا يَخفى على مَن له بَصيرةٌ بتَشريعِ اللهِ وحِكمَتِه ما في حَدِّ القَذفِ مِنَ القَضاءِ على إشاعةِ الفواحِشِ، وصيانةِ الأعراضِ، وإغلاقِ أبوابِ الشَّحناءِ، وإنَّه لعِظَمِ الخَطَرِ في ذلك لم يَكتَفِ سُبحانَه بأقَلَّ مِن أربَعةِ شُهودٍ عِيانٍ، وهو العَليمُ الحَكيمُ). ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (22/30، 31). ، ودارُ الإفتاءِ المِصريَّةُ [549] جاءَ في فتوى دارِ الإفتاءِ المِصريَّةِ: (لا يَجوزُ شَرعًا استِخدامُ الوسائِلِ العِلميَّةِ الحَديثةِ في إثباتِ جَريمةِ الزِّنا؛ لأنَّ الشَّرعَ قدِ احتاطَ احتياطًا شَديدًا في إثباتِ جَريمةِ الزِّنا -لِما لَها مِن خَطَرٍ، وما يَستَتبِعُها مِن آثارٍ عَظيمةٍ- فوضَعَ شُروطًا دَقيقةً لترَتُّبِ العُقوبةِ عليها، ولم يُثبِتْها إلَّا بأحَدِ أمرَينِ: الأوَّلُ: الاعتِرافُ، أي: الإقرارُ مِنَ الفاعِلِ بأنَّه ارتَكَبَ هذه الجَريمةَ. والثَّاني: البَيِّنةُ، بأن يَشهَدَ أربَعةُ شُهودٍ عُدولٍ بأنَّهم قد رَأوا ذلك الفِعلَ يَحصُلُ. ونَصَّ جُمهورُ العُلَماءِ على أنَّ غَيرَ هذين الطَّريقَينِ المُعتَبَرَينِ لا يُعَوَّلُ عليه في إثباتِ جَريمةِ الزِّنا، أمَّا الوسائِلُ الحَديثةُ فهيَ مُجَرَّدُ قَرائِنَ يُستَأنَسُ بها ولا ترقى لأن تَستَقِلَّ بالإثباتِ في هذا البابِ الخَطيرِ الذي ضَيَّقَه الشَّرعُ....الأُمورُ المُستَحدَثةُ والوسائِلُ العِلميَّةُ المُتَقدِّمةُ التي ظَهَرَت ويُمكِنُ الاستِعانةُ بها كَأدِلَّةِ إثباتٍ في هذا البابِ -كَتَحليلِ البَصمةِ الوِراثيَّةِ (DNA)، وكالتَّصويرِ المَرئيِّ، والتَّسجيلِ الصَّوتيِّ- لا تَعدو أن تَكونَ مُجَرَّدَ قَرائِنَ لا تَرقى لأن تَستَقِلَّ بالإثباتِ في هذا البابِ الذي ضَيَّقَه الشَّرعُ، بَل إنَّ تَحليلَ البَصمةِ الوِراثيَّةِ الذي هو أقوى هذه الوسائِلِ يَرى الخُبَراءُ القانونيُّونَ أنَّه دَليلٌ غَيرُ مُباشِرٍ على ارتِكابِ الجَريمةِ، وأنَّه قَرينةٌ تَقبَلُ إثباتَ العَكسِ، وهذا صَحيحٌ؛ لأنَّ هذه التَّحاليلَ يَعتَريها الخَطَأُ البَشَريُّ المُحتَمَلُ...). ((موقع دار الإفتاء المصرية)). ، وصَدَرَ به قَرارُ المَجمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ [550] جاءَ في القَرارِ السَّابِعِ في الدَّورةِ السَّادِسةَ عَشرةَ مِن قَراراتِ المَجمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ التَّابِعِ لرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ، ما يَأتي: (أوَّلًا: لا مانِعَ شَرعًا مِنَ الاعتِمادِ على البَصمةِ الوِراثيَّةِ في التَّحقيقِ الجِنائيِّ، واعتِبارِها وسيلةَ إثباتٍ في الجَرائِمِ التي ليس فيها حَدٌّ شَرعيٌّ ولا قِصاصٌ؛ لخَبَرِ: (ادرؤوا الحُدودَ بالشُّبُهاتِ)، وذلك يُحَقِّقُ العَدالةَ والأمنَ للمُجتَمَعِ، ويُؤَدِّي إلى نَيلِ المُجرِمِ عِقابَه وتَبرِئةِ المُتَّهَمِ، وهذا مَقصَدٌ مُهمٌّ مِن مَقاصِدِ الشَّريعةِ). ((قرارات المجمع الفقهي الإسلامي)) (ص: 390) الإصدار الثالث. .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الشَّرعَ قدِ احتاطَ احتياطًا شَديدًا في إثباتِ جَريمةِ الزِّنا؛ لِما لَها مِن خَطَرٍ، وما يَستَتبِعُها مِن آثارٍ عَظيمةٍ، فلا تَثبُتُ إلَّا بإقرارٍ أو بأن يَشهَدَ أربَعةُ شُهودٍ عُدولٍ بأنَّهم قد رَأوا ذلك الفِعلَ يَحصُلُ [551] يُنظر: ((موقع دار الإفتاء المصرية)). .
ثانيًا: أنَّ الفَحصَ الطِّبِّيَّ وغَيرَه مِنَ الوسائِلِ الحَديثةِ لا تَعدو أن تَكونَ مُجَرَّدَ قَرائِنَ لا تَرقى لأن تَستَقِلَّ بالإثباتِ في هذا البابِ الذي ضَيَّقَه الشَّرعُ [552] يُنظر: ((موقع دار الإفتاء المصرية)). .
ثالِثًا: أنَّ هذا الفَحصَ الطِّبِّيَّ يَعتَريه الخَطَأُ البَشَريُّ المُحتَمَلُ [553] يُنظر: ((موقع دار الإفتاء المصرية)). .

انظر أيضا: