الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: عُقوبةُ الرَّجمِ للزَّاني المُحْصَنِ


يُعاقَبُ الزَّاني المُحْصَنُ [279] المَقصودُ بالمُحصَنِ: غَيرُ البِكرِ، ولا يُقالُ: إنَّه مُحْصَنٌ، إلَّا باجتِماعِ شُروطٍ سيَأتي ذِكرُها. بالرَّجمِ حتَّى الموتِ.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهما قالا: ((إنَّ رَجُلًا مِنَ الأعرابِ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنشُدُك اللَّهَ إلَّا قَضَيتَ لي بكِتابِ اللهِ. فقال الخَصمُ الآخَرُ -وهو أفقَهُ مِنه-: نَعَمْ، فاقضِ بَينَنا بكِتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: قُلْ، قال: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا، فزَنى بامرَأتِه، وإنِّي أُخبِرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ، فافتَدَيتُ مِنه بمِائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسَألتُ أهلَ العِلمِ فأخبَروني أنَّما على ابني جَلْدُ مِائةٍ، وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرَأةِ هذا الرَّجمَ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نَفسي بيَدِه لأقضيَنَّ بَينَكُما بكِتابِ اللهِ، الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ، وعلى ابنِك جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرَأةِ هذا، فإنِ اعتَرَفت فارجُمْها، قال: فغَدا عليها فاعتَرَفَت، فأمَر بها رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فرُجِمَت)) [280] أخرجه البخاري (6827، 6828)، ومسلم (1697، 1698) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فإنِ اعتَرَفت فارجُمها)) دَليلٌ على أنَّ حَدَّ المُحصَنِ الرَّجمُ [281] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 478).  .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتى رَجُلٌ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المَسجِدِ، فناداه فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي زَنَيتُ، فأعرَضَ عنه، حتَّى رَدَّدَ عليه أربَعَ مَرَّاتٍ، فلمَّا شَهِدَ على نَفسِه أربَعَ شَهاداتٍ دَعاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أبكِ جُنونٌ؟ قال: لا، قال: فهل أحصَنتَ؟ قال: نَعَم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اذهَبوا به فارجُموهـ)) [282] أخرجه البخاري (6815) واللفظ له، ومسلم (1691). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحَديثُ فيه دَلالةٌ على أنَّ المُحصَنَ إذا زَنى يُرجَمُ [283] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 192).  .
3- قِصَّةُ الغامِديَّةِ التي جاءَت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: ((يا رسولَ اللهِ، إنِّي قد زنَيتُ فطهِّرْني، وإنَّه ردَّها، فلمَّا كان الغَدُ قالت: يا رسولَ اللهِ، لِمَ ترَدُّني؟ لعلَّك أن ترُدَّني كما رددْتَ ماعِزًا! فواللهِ إنِّي لحُبلى، قال: إمَّا لا فاذهَبي حتَّى تَلدي، فلمَّا ولَدَت أتَته بالصَّبيِّ في خِرقةٍ، قالت: هذا قد ولَدْتُه، قال: اذهَبي فأرضِعيه حتَّى تفطِميه، فلمَّا فطمَتْه أتَته بالصَّبيِّ في يدِه كِسرةُ خُبزٍ، فقالت: هذا يا نَبيَّ اللهِ قد فطَمْتُه، وقد أكَل الطَّعامَ، فدفَع الصَّبيَّ إلى رجُلٍ مِن المُسلِمينَ، ثُمَّ أمَر بها، فحُفِر لها إلى صَدرِها، وأمَر النَّاسَ فرجَموها...)) الحَديث [284] أخرجه مسلم (1695). .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وهو جالسٌ على مِنبَرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ قد بَعَثَ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحَقِّ، وأنزَل عليه الكِتابَ، فكان مِمَّا أنزَل عليه آيةُ الرَّجمِ، قَرَأناها ووعَيناها وعَقَلناها. فرَجَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَجَمنا بَعدَه، فأخشى إن طال بالنَّاسِ زَمانٌ أن يَقولَ قائِلٌ: ما نَجِدُ الرَّجمَ في كِتابِ اللهِ، فيَضِلُّوا بتَركِ فريضةٍ أنزَلها اللهُ، وإنَّ الرَّجمَ في كِتابِ اللهِ حَقٌّ على مَن زَنى إذا أحصَنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إذا قامَتِ البَيِّنةُ، أو كان الحَبَلُ أوِ الاعتِرافُ)) [285] أخرجه البخاري (6830)، ومسلم (1691) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في إعلانِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه بالرَّجمِ وهو على المِنبَرِ وسُكوتِ الصَّحابةِ وغَيرِهم مِنَ الحاضِرينَ عن مُخالفتِه بالإنكارِ دَليلٌ على ثُبوتِ الرَّجمِ [286] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 191). .
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [287] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ الحُرَّ إذا تَزَوَّجَ تَزويجًا صحيحًا ووَطِئَها في الفَرجِ، أنَّه مُحْصَنٌ، يَجِبُ عليهما الرَّجمُ إذا زَنَيا). ((الإجماع)) (112). ، والماوَرْديُّ [288] قال الماوَرْديُّ: (الدَّليلُ على وُجوبِ الرَّجمِ... انعِقادُ الإجماعِ عليه حتَّى صارَ حُكمُه مُتَواتِرًا). ((الحاوي الكَبير)) (13/ 192). ، وابنُ حَزمٍ [289] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفقوا كُلُّهم -حاشا مَن لا يُعتَدُّ به بلا خِلافٍ، وليسَ هم عِندَنا مِنَ المُسلِمينَ- فقالوا: إنَّ على الحُرِّ والحُرَّةِ إذا زَنَيا وهما مُحْصَنانِ الرَّجمَ حتَّى يَموتا). ((المحلى)) (12/ 169). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [290] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ فُقَهاءُ المُسلمينَ وعُلماؤُهم مِن أهلِ الفِقهِ والأثَرِ مِن لدُنِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم إلى يَومِنا هذا أنَّ المُحصَنَ حَدُّه الرَّجمُ). ((التمهيد)) (9/ 79).  وقال: (أجمَعَ الجُمهورُ مِن فُقَهاءِ المُسلمينَ أهلِ الفِقهِ والأثَرِ مِن لدُنِ الصَّحابةِ إلى يَومِنا هذا أنَّ المُحصَنَ مِنَ الزُّناةِ حَدُّه الرَّجمُ). ((الاستذكار)) (7/ 478). . والقاضي عِياضٌ [291] قال القاضيَ عياضٌ: (لا خِلافَ أنَّه لا يُرجَمُ غَيرُ المُحصَنِ). ((إكمال المعلم)) (5/ 270). ، وابنُ رُشدٍ [292] قال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (فأمَّا الثُّيَّبُ الأحرارُ المُحْصَنونَ، فإنَّ المُسلمينَ أجمَعوا على أنَّ حَدَّهمُ الرَّجمُ). ((بداية المجتهد)) (2/ 356).  وقال: (أمَّا الإحصانُ فإنَّهمُ اتَّفقوا على أنَّه مِن شَرطِ الرَّجمِ). ((بداية المجتهد)) (2/ 357). ، وابنُ قُدامةَ [293] قال ابنُ قُدامةَ: (الرَّجمُ لا يَجِبُ إلَّا على المُحصَنِ بإجماعِ أهلِ العِلمِ). ((المغني)) (9/ 41). وقال: (وُجوبُ الرَّجمِ على الزَّاني المُحْصَنِ رَجُلًا كان أوِ امرَأةً، وهذا قَولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، والتَّابعينَ ومَن بَعدَهم مِن عُلماءِ الأمصارِ في جَميعِ الأعصارِ، ولا نَعلمُ فيه مُخالفًا إلَّا الخَوارِجَ). ((المغني)) (9/ 39). ، والقُرطُبيُّ [294] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (إذا زَنى المُحْصَنُ وَجَب الرَّجمُ بإجماعِ المُسلمينَ). ((المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم)) (7/ 216). ، والنَّوَويُّ [295] قال النَّوَويُّ: (أجمَعَ العُلماءُ على وُجوبِ جَلدِ الزَّاني البِكرِ مِائةً، ورَجمِ المُحصَنِ وهو الثَّيِّبُ، ولم يُخالِفْ في هذا أحَدٌ مِن أهلِ القِبلةِ، إلَّا ما حَكى القاضي عياضٌ وغَيرُه عنِ الخَوارِجِ، وبَعضِ المُعتَزِلةِ، كالنَّظَّامِ وأصحابِه؛ فإنَّهم لم يَقولوا بالرَّجمِ). ((شرح صحيح مسلم)) (11/ 189). ، وابنُ تيميَّةَ [296] قال ابنُ تيميَّةَ: (ثَبَتَ الرَّجمُ بالسُّنَّةِ المُتَواتِرةِ، وإجماعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم). ((مجموع الفتاوى)) (20/ 399). ، والعَينيُّ [297] قال العَينيُّ: (استِحقاقُ الزَّاني المُحصَنِ للقَتلِ، وهو الرَّجمُ بالحِجارةِ، وأجمَعَ المُسلمونَ على ذلك). ((عمدة القاري)) (24/ 41). ، وابنُ الهُمامِ [298] قال ابنُ الهُمامِ: (عليه إجماعُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم ومَن تَقدَّم مِن عُلماءِ المُسلمينَ). ((فتح القدير)) (5/ 224). .

انظر أيضا: