الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: العُقوبةُ بالتَّغريبِ للزَّاني البِكرِ


يُعاقَبُ الزَّاني البِكرُ بالتَّغريبِ [268] واختَلفوا في كَيفيَّةِ التَّغريبِ؛ فيَرى المالِكيَّةُ أنَّ التَّغريبَ هو إخراجُه إلى بَلدٍ آخَرَ غَيرِ البَلدِ الذي زَنى به مَسافةَ قَصرٍ، ويُحبَسُ في ذلك البَلدِ، وهو خاصٌّ بالذَّكَرِ، أمَّا الأُنثى فلا تُغَرَّبُ، وأمَّا الشَّافِعيَّةُ فقالوا: إخراجُه مِن بَلدِه الذي زَنى فيه إلى بَلدٍ آخَرَ مَسافةَ قَصرٍ دونَ حَبسِه في ذلك البَلَدِ، وهو عامٌّ في الذَّكَرِ والأُنثى، إلَّا أنَّ المَرأةَ يَكونُ مَعَها مَحرَمٌ لها، وأمَّا الحَنابِلةُ فلهم رِوايَتانِ؛ الأولى: مِثلُ قَولِ الشَّافِعيَّةِ، والثَّانيةُ: إخراجُه مِن بَلدِه إلى مَسافةِ القَصرِ في حَقِّ الرَّجُلِ، أمَّا المَرأةُ فتَغريبُها يَكونُ دونَ مَسافةِ القَصرِ. يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدرير)) (4/ 321 - 322)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 428)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 91). مَعَ الجَلْدِ باعتِبارِه حَدًّا، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [269] (التاج والإكليل)) للمواق (8/ 397)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/ 321 - 322). ، والشَّافِعيَّةِ [270] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/ 109)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 428). ، والحَنابِلةِ [271] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/ 384)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 91). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [272] قال التِّرمذيُّ: (صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّفيُ... والعَمَلُ على هذا عِندَ أهلِ العِلمِ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((سنن الترمذي)) (4/ 44).  وقال ابنُ حَزمٍ الظَّاهِريُّ بَعدَ أن ذَكَرَ بَعضَ الآثارِ عنِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم في الجَلدِ والتَّغريبِ، قال: (ولم يُروَ عن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم خِلافُ ذلك). ((المحلى)) (12/ 171).  وقال ابنُ قُدامةَ: (التَّغريبُ فَعَله الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ رَضِيَ اللهُ عنهم، ولا نَعرِفُ لهم في الصَّحابةِ مُخالفًا؛ فكان إجماعًا) ((المغني)) (9/ 45).  وقال ابنُ القَطَّانِ: (اتَّفقوا... إن غُرِّب غَيرُ المُحصَنِ عن بَلدِه وسُجِنَ حَيثُ يُغرَّبُ عامًا؛ أنَّه قد أُقيمَ عليه الحَدُّ كُلُّهـ). ((الإقناع)) (2/ 256).  وقال البُهوتيُّ: (وإذا زَنى الحُرُّ غَيرُ المُحصَنِ مِن رَجُلٍ أوِ امرَأةٍ جُلدَ مِائةً وغُرِّب عامًا... لأنَّ الخُلفاءَ الرَّاشِدينَ فعَلوا ذلك بالحُرِّ غَيرِ المُحصَنِ وانتَشَرَ، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ؛ فكان كالإجماعِ). ((كشاف القناع)) (6/ 91،92). .
الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خُذوا عنِّي، خُذوا عنِّي، قد جَعَل اللهُ لهنَّ سَبيلًا: البِكرُ بالبِكرِ جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ جَلدُ مِائةٍ والرَّجمُ)) [273] أخرجه مسلم (1690). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضى فيمَن زَنى ولم يُحصَنْ بنَفيِ عامٍ، وبإقامةِ الحَدِّ عليهـ)) [274] أخرجه البخاري (6833) واللفظ له. وأخرجه مسلم (1697، 1698) من حديثِ أبي هرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظ: ((... وعلى ابنِك جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ...)). .
3- عَن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهما قالا: ((إنَّ رَجُلًا مِنَ الأعرابِ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أنشُدُك اللَّهَ إلَّا قَضَيتَ لي بكِتابِ اللهِ. فقال الخَصمُ الآخَرُ -وهو أفقَهُ مِنه-: نَعَم، فاقضِ بَينَنا بكِتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: قُلْ، قال: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا، فزَنى بامرَأتِه، وإنِّي أُخبِرتُ أنَّ على ابني الرَّجمَ، فافتَدَيتُ مِنه بمِائةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسَألتُ أهلَ العِلمِ فأخبَروني أنَّما على ابني جَلْدُ مِائةٍ، وتَغريبُ عامٍ، وأنَّ على امرَأةِ هذا الرَّجمَ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نَفسي بيَدِه لأقضيَنَّ بَينَكُما بكِتابِ اللهِ، الوليدةُ والغَنَمُ رَدٌّ، وعلى ابنِك جَلدُ مِائةٍ وتَغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرَأةِ هذا، فإنِ اعتَرَفت فارجُمْها، قال: فغَدا عليها فاعتَرَفَت، فأمَر بها رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فرُجِمَت)) [275] أخرجه البخاري (6827، 6828)، ومسلم (1697، 1698) واللَّفظُ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَضى بالجَلدِ والتَّغريبِ على العَسيفِ [276] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 467)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 43). .

انظر أيضا: