الموسوعة الفقهية

الفرعُ الرابعُ: عددُ رَكَعاتِ صلاةِ الوترِ


المسألةُ الأُولى: الوِتْرُ بركعةٍ
يجوزُ الوترُ بركعةٍ واحدةٍ منفصلةٍ ممَّا قبلَها، وهذا مذهبُ الجمهور قال النوويُّ: (مذهبنا: أنَّ أقلَّه ركعة، وأكثره إحدى عشرة، وفي وجه ثلاث عشرة، وما بين ذلك جائز، وكلَّما قرب من أكثره كان أفضلَ، وبهذا قال جمهورُ العلماء من الصحابة والتابعين فمَن بعدهم). ((المجموع)) (4/21، 22). وقال العراقي: (مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور: جوازُ الوتر بركعة فردة) ((طرح التثريب)) (3/78). : المالِكيَّة يجوزُ الوتر بركعةٍ واحدة عند المالكيَّة غير أنه يُكره أن يُوتر بواحدة لا شفعَ قبلها. ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (1/501)، ويُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبدالبر (2/110)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/11). ، والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/21)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/202). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) (1/238)، ((مطالب أولي النهى)) (1/551)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/110)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/230، 331). ، وهو قول طائفةٍ من السلف قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجاز الوترَ بركعة منفصلة ممَّا قبلها جماعةٌ من السلف، منهم: عبد الله بن عمر، ومعاذ بن الحارث، والسائب بن خباب، وسعيد بن المسيَّب، وعطاء، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور؛ كلُّ هؤلاء يستحبُّ أن يسلِّم المصلِّي بين الشَّفع والوتر). ((الاستذكار)) (2/110). وقال ابنُ قُدامةَ: («والوتر ركعة» نصَّ على هذا أحمد رحمه الله، فقال: إنَّا نذهب في الوتر إلى ركعة، وممَّن رُوي عنه ذلك: عثمان بن عفَّان، وسعد بن أبي وقَّاص، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عُمر، وابن الزبير، وأبو موسى، ومعاوية، وعائشة رضي الله عنهم، وفعل ذلك معاذٌ القارئ، ومعه رجالٌ من أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُنكر ذلك منهم أحد، وقال ابنُ عمر: الوتر ركعة، كان ذلك وترَ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكر، وعمر. وبهذا قال سعيد بن المسيَّب، وعطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور. وقال هؤلاء: يُصلِّي ركعتين ثم يسلِّم، ثم يُوتِر بركعة). ((المغني)) (2/110). وقال العراقيُّ: (مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والجمهور: جوازُ الوتر بركعة فردة، ورواه البيهقيُّ في سُننه عن عثمان، وسعد بن أبي وقَّاص، وتَميمٍ الداريِّ، وأبي موسى الأشعريِّ، وابن عمر، وابن عباس، وأبي أيُّوب الأنصاري، ومعاوية، وأبي حليمة معاذ بن الحارث القارئ- قيل: إنَّ له صحبة. ورواه ابنُ أبي شيبة عن أكثر هؤلاء، وعن ابن مسعود، وحذيفة، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وحكاه ابنُ المنذر عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وزيد بن ثابت، وابن الزبير، وعائشة، وسعيد بن المسيَّب، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور). ((طرح التثريب)) (3/78)، وينظر: ((مختصر اختلاف العلماء)) للطحاوي (1/226).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثنَى، فإذا خشِي أحدُكم الصبحَ صَلَّى ركعةً واحدًة، تُوتِرُ له ما قدْ صلَّى )) رواه البخاري (990)، ومسلم (749).
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الوترُ ركعةٌ من آخِرِ اللَّيلِ )) رواه مسلم (752).
3- عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي فيما بين أن يَفرَغَ من صلاةِ العشاءِ- وهي التي يَدْعو الناسُ العَتَمَةَ- إلى الفجرِ إحْدَى عشرةَ ركعةً يُسلِّم بين كلِّ ركعتينِ، ويُوتِرُ بواحدةٍ )) رواه مسلم (736).
4- عن أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الوترُ حقٌّ، فمَن أحبَّ أن يُوتِرَ بخمسٍ فلْيفَعلْ، ومَن أحبَّ أن يُوتِرَ بثلاثٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يُوتِرَ بواحدةٍ فلْيفعلْ )) رواه أبو داود (1422)، والنسائي (1711)، وابن ماجه (1190) صحَّح إسناده النوويُّ في ((المجموع)) (4/17)، وصحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/294)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (107): صحَّحه ابن حبَّان، ورجَّح النسائيُّ وقْفَه، وقال الصنعانيُّ في ((سبل السلام)) (2/14): الأصحُّ وقفُه عليه، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1422)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (329) وقال: رجاله رجال الصحيح.
ثانيًا: مِن الآثار
1- عن أبى مِجْلَز: (أنَّ أبا موسى الأشعريَّ كان بين مَكَّةَ والمدينةِ فصلَّى العشاءَ ركعتينِ، ثم قام فصلَّى ركعةً أوترَ بها، فقرأ بمائةِ آيةٍ من النساءِ، ثم قال: ما ألوتُ أنْ أضَعَ قدَمِي حيثُ وضَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدَميه، وأنْ أقرأَ بما قرأَ به ) رواه النسائي (3/342)، وأحمد (4/419) (19775)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (4788) احتجَّ به ابنُ حزم في ((المحلى)) (3/51)، وصحَّح أسانيده أحمدُ شاكر في تحقيق ((المحلى)) (3/51)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3/342).
2- عن نافع: (أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ كان يُسلِّم بين الركعةِ والركعتينِ في الوترِ؛ حتى يأمُرَ ببعضِ حاجتِه ) رواه البخاري (991).
3- عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، قيل له: (هلْ لك في أميرِ المؤمنينَ معاويةَ أي: هل لك رغبةٌ في معاوية وهو مرتكبٌ هذا المنكر. ومن ثَم أجاب: دعْه؛ فإنه قد صحِب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يفعل إلَّا ما رآه منه، وهو فقيهٌ أصاب في اجتهاده. وقيل: أي: هل لك رغبة وميلٌ ومحبَّة لمعاوية مع صدور أمرٍ غير مشروع منه؟! يُنظر: ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (4/290). ؛ ما أَوْتر إلَّا بواحدةٍ؟! قال: أصاب؛ إنَّه فقيهٌ!)، وفي رواية: (دعْه؛ فإنَّه قد صحِب النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ) رواه البخاري (3766). والرواية رواها البخاري (3764).
المسألة الثَّانية: الوترُ بثلاثِ ركَعَاتٍ متصلةٍ بتشهُّدٍ واحدٍ
يجوزُ الوترُ بثلاثِ ركَعاتٍ متصلةٍ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/221)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/202)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (1/483). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/121)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/239). ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف ((فتح الباري)) لابن رجب (6/204). ، واختارَه ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (يُخيَّر في الوتر بين فصْلِه ووصله). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 427). ، وابنُ باز قال ابن باز: (يُصلِّيها بالتسليم من الثنتين، ثم يوتر بواحدة، أو يسردها سردًا ويصليها جميعًا بدون جلوس إلَّا في الأخيرة، هذا هو المشروع، ولكن الأفضل أن يُسلِّم من كلِّ ثنتين، وأن تكون الواحدة مفردةً مستقلة، سواء صلَّى ثلاثًا أو خمسًا، أو أكثر من ذلك) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/137). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (إذا أوتر الإنسانُ بثلاثِ ركعاتٍ، فإنه مخيَّرٌ بين أن يُصلِّيها بتسليمتين يعني: يُصلِّي ركعتين، ثم يُسلِّم، ثم يُصلِّي الثالثة وحدها، أو أن يَسرُدها جميعًا بتشهُّد واحد عند السلام). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/177).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الوترُ حقٌّ؛ فمَن أحبَّ أن يُوتِرَ بخمسٍ فلْيفَعلْ، ومَن أحبَّ أن يُوتِرَ بثلاثٍ فلْيَفعلْ، ومَن أحبَّ أن يُوتِرَ بواحدةٍ فلْيَفعلْ )) رواه أبو داود (1422)، والنسائي (1711)، وابن ماجه (1190) صحَّح إسناده النوويُّ في ((المجموع)) (4/17)، وصحَّحه ابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/294)، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (107): صحَّحه ابن حبَّان، ورجَّح النسائيُّ وقْفَه، وقال الصنعانيُّ في ((سبل السلام)) (2/14): الأصحُّ وقفُه عليه، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1422)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (329) وقال: رجاله رجال الصحيح.
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ في الأولى بـسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)) رواه النسائي (3/236) (1702)، وأحمد (1/299) (2720)، والدارمي (1/451) (1589). احتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (3/51)، وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تحقيق ((المسند)) (4/254)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1701).
المَسألةُ الثالثة: الوترُ بثلاثِ رَكَعاتٍ متصلةٍ بتشهُّدَينِ
لا يُشرَعُ الوترُ بثلاثِ ركَعاتٍ متصلَّةٍ بتشهُّدينِ كهيئةِ المغربِ، وهذا مذهبُ الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/121)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/239). ، ووجهٌ للشافعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (4/228)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/221). ، واختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (أمَّا كونه يُصلِّيها كالمغرب، فهذا مكروهٌ، ولا ينبغي؛ لأنَّه تشبيهٌ لها بالمغرب) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/137) ، وابنِ عُثَيمين قال ابنُ عُثيمين: (كيف يكون الوتر إذا أوتر الإنسان بثلاث؟ يكون على وجهين: الوجه الأوَّل: أن يُسلِّم من الركعتين الأوليين، ثم يأتي بالثالثة وحدها. الوجه الثاني: أن يسرُدَ الثلاث جميعًا بتشهُّد واحد، وهذا هو ظاهر حديث عائشةَ رضي الله عنها، حيث قالت: «كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهن، ثم يُصلِّي أربعًا فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن، ثم يُصلي ثلاثًا»، فظاهر قولها: «يصلي ثلاثًا» أنَّه يسردها، ولا يُصلِّي الثلاث بتشهدين؛ لأنَّه لو فعل ذلك لكانت شبيهةً بصلاة المغرب، وقد نهى أنْ تُشبه صلاة الوتر بصلاة المغرب). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/166، 167).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لا تُوتِروا بثلاثٍ، أَوْتِروا بخمسٍ أو سَبعٍ، ولا تَشبَّهوا بصلاةِ المغربِ)) رواه ابن حبان (6/185) (2429)، والدارقطني (2/24)، والحاكم في ((المستدرك))( 1138)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (4/72) (1474). وثَّق رجاله كلَّهم الدارقطنيُّ، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (274)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/496)، وقال: لا يضرُّه وقفُ مَن أوقفه. وقال العيني في ((نخب الأفكار)) (5/98): رجاله رجالُ الصحيح. وقوَّى إسنادَه الذهبيُّ في ((المهذب)) ( 2/963)، وقال ابن القيم ((إعلام الموقعين)) (2/272): له شاهد بإسناد صحيح.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أن الإيتار بثلاث يكون متصلًا بتشهد واحد؛ جمعًا بين الأحاديث التي فيها الإيتار بثلاث، وحديث النَّهي عن الإيتارِ بثلاثٍ كالمغربِ ((سبل السلام)) للصنعاني (1/340).  
المسألةُ الرابعة: الوترُ بخمسٍ وبسَبْعٍ وبتِسعٍ
يجوزُ الوترُ بخمسِ ركعاتٍ يَسرُدها فلا يجلسُ إلَّا في آخِرِها، وبسبعِ ركعاتٍ له أن يَسرُدَها فلا يجلسُ إلا في آخِرِها، وله أنْ يجلسَ في السادسةِ للتشهُّدِ، ثم يقومُ للسابعةِ، ويجلس للتشهُّد ثم يُسلِّم، وبتِسعٍ؛ يَسرُدُ ثمانيَ ركعاتٍ، ثم يجلسُ للثامنةِ، ثم يقومُ للتاسعةِ ويتشهَّدُ ويُسلِّمُ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة يجوزُ عند الشافعيَّة: الاقتصارُ على التشهد في الركعة الأخيرة، وهذا أفضل، ويجوز التشهدين في الركعتين الأخيرتين. قال النوويُّ: (وإذا أوتر بإحدى عشرة فما دونها، فالأفضل أن يُسلِّم من كل ركعتين؛ للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إنْ شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء، فإنْ أراد جمعها بتشهد واحد في آخرها كلِّها جاز، وإنْ أرادها بتشهدين وسلام واحد يجلس في الآخرة والتي قبلها، جاز) ((المجموع)) (4/12). ويُنظر: ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/227)، ((حاشية البجيرمي على شرح المنهج)) (1/277). ، ووجهٌ عند الحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/120). ومذهب الحنابلة هو القولُ بجواز جميع الصُّور المذكورة عدَا صورة الجلوس في السادسة للتشهُّد، ثم في السابعة أيضًا. قال ابنُ القيِّم: (قال أبو طالب: سألتُ أبا عبد الله: إلى أيِّ حديث تذهب في الوتر؟ قال: أذهبُ إليها كلها: من صلَّى خمسًا لا يجلس إلَّا في آخرهنَّ، ومَن صلَّى سبعًا لا يجلس إلَّا في آخرهن...). ((زاد المعاد)) (1/331). وقال المرداويُّ: (قوله "وإن أوتر بتِسع: سرَد ثمانيًا، وجلس ولم يسلِّمْ، ثم صلَّى التاسعة، وتشهَّد وسلَّم) وهذا المذهب، وعليه الجمهور، وجزم به في الوجيز، وغيره، وقدَّمه في المحرر والفروع، وابنُ تميم، وغيرهم، وهو من المفردات، وقيل: كإحدى عشرةَ فيُسلِّم من كلِّ ركعتين. قوله: "وكذلك السَّبع" هذا أحدُ الوجوه؛ اختاره المصنِّف هنا وجزم به في الكافي وقدَّمه في الشرح، والصحيح من المذهب: أنه يسرد السبع كالخمس؛ نصَّ عليه، وعليه الجمهور وجزم به في المحرر، والوجيز، والمنور، وغيرهم، وقدَّمه في الفروع، وابن تميم، والرِّعايتين، والحاويين، وغيرهم، وهو من المفردات، وقيل: كإحدى عشرة. قوله: "وإن أوتر بخمس لم يجلسْ إلَّا في آخرهن"، وهو المذهب نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحاب، وجزم به في المحرر، والوجيز، والمنور، وغيرهم، وقدَّمه في الفروع، وابن تميم، والرعايتين، والحاويين، وغيرهم، وهو من المفردات) ((الإنصاف)) (2/120). وهذا اختيارُ ابن عثيمين. قال ابنُ عثيمين: (يوتر بخمس، وإذا أوتر بخمس سرَدَها ولم يجلسْ إلَّا مرة واحدة ويسلم؛ فتكون الخمس بسلامٍ واحد وتشهُّد واحد، ويوتر كذلك بسبع ويسرُدها، وتكون بسلام واحدٍ وتشهُّد واحد، ويوتر بتِسع ويسردها، لكن بتشهد بعد الثامنة، ولا يسلم، ثم يُصلِّي التاسعةَ ويسلم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/164). ، واختيارُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (تقول عائشةُ رضي الله عنها: «كان عليه الصَّلاة والسَّلام يُصلِّي من الليل إحدى عشرةَ ركعة، يسلم من كلِّ ثِنتين ويوتر بواحدة»، وجاء عنها، وعن أمِّ سلمةَ، وعن غيرهما: «أنَّه ربما أوتر بسبع يسردها جميعًا، وربما جلس في السادسة، ويتشهَّد التشهُّد الأول، ثم يقوم ولا يُسلِّم ويأتي بالسابعة»، «وربما سرَد خمسًا لا يجلس إلَّا في آخرها، وربما صلَّى ثماني ركعات يسلِّم من كل ثنتين، ثم يوتر بخمس يسردها جميعًا، فيكون الجميع ثلاثَ عشرة»، «وربَّما أوتر بتسع سردها جميعًا، ليجلس في الثامنة ويتشهد التشهُّد الأول، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويُسلِّم»، كل هذا ثبَت عنه عليه الصلاة والسلام؛ «صلاة اللَّيل مَثْنَى مثنى» يعني ثِنتين ثنتين، هذا هو الأفضلُ، يُسلِّم من كلِّ ثنتين، ثم يوتر) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/22).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الوترُ حقٌّ، فمَن أحبَّ أنْ يُوتِرَ بخمسٍ فليفعلْ، ومَن أحبَّ أن يوتِرَ بثلاثٍ فليفعلْ، ومن أحبَّ أن يُوتِرَ بواحدةٍ فليفعلْ )) [3611] رواه أبو داود (1422)، والبيهقي (3/23) (4970). صحَّح إسناده النووي في ((المجموع)) (4/17)، وصحَّحه ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (4/294)، وقال ابنُ حجر في ((بلوغ المرام)) (107): صحَّحه ابن حبان، ورجَّح النسائي وقْفَه. وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (2/14): الأصحُّ وقفه عليه. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1422)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (329) وقال: رجاله رجال الصحيح.
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي من الليلِ ثَلاثَ عَشرةَ ركعةً، يُوتِرُ من ذلك بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ إلَّا في آخِرِها )) رواه مسلم (737).
3- عن سَعدِ بنِ هِشامِ بنِ عامرٍ، أنَّه قال لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: يا أمَّ المؤمنين، أَنبئِينى عن وِتْرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: ((كنَّا نُعِدُّ له سواكَه وطَهورَه، فيبعثُه اللهُ ما شاءَ أنْ يبعثَه مِن اللَّيلِ، فيتسوَّك، ويتوضَّأ، ويُصلِّي تِسعَ ركعاتٍ لا يجلسُ فيها إلَّا في الثامنةِ، فيذكُرُ اللهَ ويَحمَدُه ويَدعوه، ثم يَنهَضُ ولا يُسلِّم، ثم يقومُ فيَصِلُ التاسعةَ، ثم يقعُد فيذكُرُ اللهَ ويَحمَدُه ويدعوه، ثم يُسلِّم تسليمًا يُسمِعُنا، ثم يُصلِّي ركعتينِ بعدَما يُسلِّمُ وهو قاعدٌ، فتِلك إحدى عشرةَ ركعةً يا بُنيَّ، فلمَّا أسنَّ نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأخَذه اللحمُ أَوْترَ بسبعٍ، وصنَع في الركعتينِ مِثل صَنيعِه الأوَّل، فتلك تِسعٌ يا بُنيَّ )) رواه مسلم (746).
4- عن مسروقٍ، قال: سألتُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن صلاةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باللَّيل؟ فقالت: ((سبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عَشرةَ، سوى ركعتَيِ الفجرِ )) رواه البخاري (1139).
5- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا كَبر وضعُف أوترَ بسبعِ ركعات، لا يَقعُد إلَّا في السادسة، ثم ينهضُ ولا يُسلِّم فيُصلِّي السابعةَ، ثم يُسلِّم تسليمةً، ثم يُصلِّي ركعتينِ وهو جالسٌ )) أخرجه أبو داود (1342)، والنسائي (1719)، والدارمي (1516). صحَّحه ابنُ القيِّم في ((إعلام الموقعين)) ( 2/313)، والألباني في ((صحيح أبي داود)) (1342)، وصحح إسناده ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (1/424)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (4/54)
6- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((لَمَّا أسَنَّ رَسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأخَذَ اللَّحْمَ صلَّى سَبْعَ ركَعاتٍ لا يَقْعُدُ إلَّا في آخرِهِنَّ )) أخرجه النسائي (1718)، ومن طريقه ابن حزم في ((المحلى)) (3/45) احتجَّ به ابنُ حزم في ((المحلى)) (3/46)، وصحَّحه ابن القيِّم في ((إعلام الموقعين)) (2/313)، والألباني ((صحيح النسائي)) (1717).
7- عن أمِّ سلمةَ قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُوتِرُ بخمسٍ وبسبعٍ لا يَفصِلُ بينها، بسلامٍ ولا بكلامٍ )) رواه النسائي (3/239)، وابن ماجه (1192)، وأحمد (6/290) (26529). صحَّحه ابنُ القيِّم في ((إعلام الموقعين)) (2/313)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1713)، وصحح إسناده العيني في ((نخب الأفكار)) (5/90).
8- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه في صِفة وترِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثم صلَّى سبعًا أو خمسًا، أوترَ بهنَّ ولم يُسلِّم إلَّا في آخرهنَّ )) رواه أبو داود (1356). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1356).

انظر أيضا: