الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الأوَّلُ: حِرمانُ القاتِلِ عَمدًا مِنَ الميراث


يُحرَمُ القاتِلُ عَمدًا مِنَ الميراثِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وهو قَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لا يَرِثُ القاتِلُ) .
ثانيًا: لأنَّه لو وَرِثَ القاتِلُ لم يُؤمَنْ أن يَستَعجِلَ الإرثَ بالقَتلِ؛ فاقتَضَتِ المُصلحةُ حِرمانَه ، ومَن استعجَلَ شَيئًا قَبلَ أوانِه عُوقِبَ بحِرمانِه .
ثالثًا: لأنَّ القَتلَ قَطعٌ للمُوالاةِ، وهيَ سَبَبُ الإرثِ .
رابعًا: أنَّ توريثَ ‌القاتِلِ ذريعةٌ إلى وُقوعِ هذا الفِعلِ؛ فسدَّ الشَّارعُ ‌الذَّريعةَ بالمنعِ .

انظر أيضا:

  1. (1) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/102)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/557).
  2. (2) ((التاج والإكليل)) للمواق (6/422)، ((منح الجليل)) لعليش (9/690).
  3. (3) ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/417)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/25).
  4. (4) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/242)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/274).    
  5. (5) قال ابنُ المُنذِرِ: (قالت طائِفةٌ: لا يَرِثُ القاتِلُ عَمدًا ولا خَطَأً شَيئًا، رُويَ جُملةُ هذا القَولِ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، وإبراهيمَ النَّخعيِّ، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ، والحَسَنِ البَصريِّ، وطاوسٍ: أنَّ القاتِلَ لا يَرِثُ شَيئًا، وبه قال سُفيانُ الثَّوريُّ). ((الأوسط)) (7/467).
  6. (6) قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ القاتِلَ عَمدًا لا يَرِثُ من مالِ مَن قَتَله ولا مِن ديَتِه شَيئًا). ((الأوسط)) (7/467). وقال الجَصَّاصُ: (لم يَختَلفِ الفُقَهاءُ في أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ المَقتولَ إذا كان بالغًا عاقِلًا بغَيرِ حَقٍّ). ((أحكام القرآن)) (1/44). وقال الماوَرديُّ: (لا اختِلافَ بَينَ الأُمَّةِ أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ عن مقتولِه شَيئًا مِنَ المالِ ولا مِنَ الدِّيةِ، وإن وَرَّثَ غَيرَه الخَوارِجُ وبَعضُ فُقَهاءِ البَصرةِ). ((الحاوي الكبير)) (8/84). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ القاتِلَ عَمدًا لا يَرِثُ شَيئًا مِن مالِ المَقتولِ ولا مِن ديَتِهـ). ((التمهيد)) (23/443). وقال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ قاتِلَ العَمدِ لا يَرِثُ مِنَ المَقتولِ شَيئًا، إلَّا ما حُكيَ عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ وابنِ جُبَيرٍ أنَّهما ورَّثاه، وهو رَأيُ الخَوارِجِ؛ لأنَّ آيةَ الميراثِ تَتَناوَلُه بعُمومِها، فيَجِبُ العَمَلُ بها فيه، ولا تَعويلَ على هذا القَولِ؛ لشُذوذِه، وقيامِ الدَّليلِ على خِلافِهـ). ((المغني)) (6/364). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (وأمَّا الوارِثُ كالأبِ وغَيرِه إذا قَتَل مُوَرِّثَه عَمدًا، فإنَّه لا يَرِثُ شَيئًا مِن مالِه ولا ديَتِه، باتِّفاقِ الأئِمَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (34/135). لكِن خالَف في ذلك الزُّهريُّ، وسَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ، وابنُ جُبَيرٍ، وابنُ حَزمٍ، قال ابنُ حَزمٍ: (قالوا: تَعَجَّل شَيئًا قَبلَ وَقتِه فواجِبٌ أن يُحرَّمَ عليه في الأبَدِ، كالقاتِلِ العامِدِ يُمنَعُ الميراثَ. قال أبو مُحَمَّدٍ: وهذا مِن أسخَفِ قَولٍ يُسمَعُ، قَبلَ كُلِّ شَيءٍ: من أينَ وضَحَ لهم تَحريمُ الميراثِ على القاتِلِ؟ ولا نَصَّ يَصِحُّ فيه ولا إجماعَ. قد أوجَبَ الميراثَ لقاتِلِ العَمدِ: الزُّهريُّ، وسَعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وغَيرُهما. ثُمَّ مِن أينَ لهم أنَّ مَن تَعَجَّل شَيئًا قَبلَ وَقتِه وجَبَ أن يُحرَّمَ عليه أبَدًا؟ وأيُّ نَصٍّ جاءَ بهذا؟ أو أيُّ عَقلٍ دَلَّ عليه؟ ثُمَّ لو صَحَّ لهم أنَّ القاتِلَ يُمنَعُ مِنَ الميراثِ، فمِن أينَ لهم أنَّ ذلك لتَعَجُّلِه إيَّاه قَبلَ وَقتِه؟ وكُلُّ هذا كَذِبٌ وظَنٌّ فاسِدٌ وتَخرُّصٌ بالباطِلِ، ويَلزَمُهم إن طَرَدوا هذا الدَّليلَ السَّخيفَ أن يَقولوا فيمَن غَصَبَ مالَ مُوَرِّثِه: أن يُحَرَّمَ عليه في الأبَدِ؛ لأنَّه استَعجَله قَبلَ وَقتِهـ). ((المحلى)) (9/70). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/364).
  7. (7) أخرجه الدارمي (3086)، وعبد الرزاق (17786). حَسَّن إسنادَه ابنُ حَجَرٍ في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/105).
  8. (8) يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/243).
  9. (9) يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) (ص: 152).
  10. (10) يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/243)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/25).
  11. (11) يُنظر: ((إعلام الموقِّعين)) لابن القيم (4/15).