الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: ضالَّةُ الإبِلِ إذا كان في زَمَنِ الفَسادِ


يَجوزُ التِقاطُ ضالَّةِ الإبِلِ إذا كان في زَمَنِ الفسادِ والنَّهبِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، وقَولٌ للحنابِلةِ .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَأله عنِ اللُّقَطةِ؟ فقال: ((اعرِفْ عِفاصَها ووِكاءَها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنةً، فإن جاءَ صاحِبُها، وإلَّا فشَأنَك بها. قال: فضالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: لك أو لأخيك أو للذِّئبِ. قال: فضالَّةُ الإبِلِ؟ قال: ما لك ولها؟ مَعَها سِقاؤُها وحِذاؤُها، تَرِدُ الماءَ وتَأكُلُ الشَّجَرَ، حتَّى يَلقاها رَبُّها)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((حتَّى يَلقاها رَبُّها)) إنَّما يُقالُ ذلك إذا كان قَريبًا أو كان رَجاءُ اللِّقاءِ ثابتًا، والدَّليلُ عليه أنَّه لمَّا سَأله عن ضالَّةِ الغَنَمِ قال: ((خُذها؛ فإنَّها لك أو لأخيك أو للذِّئبِ)) دَعاه إلى الأخذِ، ونَبَّهَ على المَعنى، وهو خَوفُ الضَّيعةِ، وأنَّه مَوجودٌ في الإبِلِ .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن سُلَيمانَ بنِ يَسارٍ أنَّ ثابِتَ بنَ الضَّحَّاكِ الأنصاريَّ أخبَرَه: (أنَّه وجَدَ بَعيرًا بالحَرَّةِ فعَقَله، ثُمَّ ذَكَرَه لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فأمره عُمَرُ أن يُعَرِّفَه ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فقال له ثابتٌ: إنَّه قَد شَغَلني عن ضَيعتي! فقال له عُمَرُ: أرسِلْه حيثُ وجَدْتَهـ) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه لم يُنكِرْه عليه، ولم يُعَنِّفْه في أخذِه إيَّاه؛ فدَلَّ ذلك على جَوازِه .
2- عنِ ابنِ شِهابٍ قال: (كانت ضَوالُّ الإبِلِ في زَمانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ إبِلًا مُؤَبَّلةً تَناتَجُ، لا يَمَسُّها أحَدٌ، حتَّى إذا كان زَمانُ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ أمَرَ بتَعريفِها، ثُمَّ تُباعُ، فإذا جاءَ صاحِبُها أُعطيَ ثَمَنَها) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه أمَرَ بالتِقاطِ الإبِلِ وتَعريفِها؛ فدَلَّ على جَوازِ التِقاطِها لمَصلحةِ أصحابِها .
ثالثًا: في أخذِها إحياؤُها وحِفظُها على صاحِبِها؛ فهو أَولى مِن تَضييعِها، كَما هو مُقَرَّرٌ في سائِرِ اللُّقَطاتِ .
رابعًا: لأنَّ الأخذَ حالَ خَوفِ الضَّيعةِ إحياءٌ لمالِ المُسلمِ، فيَكونُ مُستَحَبًّا، وحالُ عَدَمِ الخَوفِ ضَربُ إحرازٍ، فيَكونُ مُباحًا على أقَلِّ تَقديرٍ
خامِسًا: أنَّ الغَلَبةَ في ذلك الوَقتِ كانت لأهلِ الصَّلاحِ والخيرِ، لا تَصِلُ إليها يَدٌ خائِنةٌ إذا تَرَكَها واجِدُها، فأمَّا في زَمانِنا فلا يَأمَنُ واجِدُها وُصولَ يَدٍ خائِنةٍ إليها بَعدَه .

انظر أيضا:

  1. (1) ((المبسوط)) للسرخسي (11/10)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/167).
  2. (2) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/122)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/176).
  3. (3) ((روضة الطالبين)) للنووي (5/402 - 403).
  4. (4) ((الإنصاف)) للمرداوي (6/402).
  5. (5) أخرجه البخاري (91)، ومسلم (1722) واللفظ له.
  6. (6) يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/200).
  7. (7) أخرجه مالك (2/759) واللفظ له، وعبد الرزاق (18609)، والبيهقي (12438). ذكر العيني في ((نخب الأفكار)) (16/416) أنه ورد من ثلاثِ طُرُقٍ صِحاحٍ.
  8. (8) يُنظر: ((مشكل الآثار)) للطحاوي (12/160).
  9. (9) أخرجه مالك (2/759) واللفظ له، والبيهقي (12439).
  10. (10) يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/11).
  11. (11) يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/11).
  12. (12) يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/200).
  13. (13) يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/11).