الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: ضالَّةُ الإبِلِ إذا كان في الصَّحراءِ


لا يَجوزُ التِقاطُ ضالَّةِ الإبِلِ إذا كان في الصَّحراءِ ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحنابِلةِ ، وقال به بعضُ السَّلَفِ ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَأله عنِ اللُّقَطةِ؟ فقال: ((اعرِفْ عِفاصَها ووِكاءَها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنةً، فإن جاءَ صاحِبُها، وإلَّا فشَأنَك به. قال: فضالَّةُ الغَنَمِ؟ قال: لك أو لأخيك أو للذِّئبِ. قال: فضالَّةُ الإبِلِ؟ قال: ما لك ولها؟ مَعَها سِقاؤُها وحِذاؤُها، تَرِدُ الماءَ وتَأكُلُ الشَّجَرَ، حتَّى يَلقاها رَبُّها)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَبَّهَ إلى أنَّ الإبلَ غَنيَّةٌ غيرُ مُحتاجةٍ إلى الحِفظِ بما رَكَّبَ اللهُ في طِباعِها مِنَ الجَلادةِ على العَطَشِ، وتَناوُلِ الماءِ بغيرِ تَعَبٍ لطُولِ عُنُقِها، وقوَّتِها على المَشيِ، فلا تَحتاجُ إلى المُلتَقِطِ .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- قَولُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (مَن أخَذَ ضالَّةً فهو ضالٌّ) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: (فهو ضالٌّ)، أي: مُخطِئٌ، فلا يَأخُذْها .
2- عنِ العَلاءِ بنِ سُهَيلٍ أنَّه سَمعَ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه يُسأَلُ عنِ الضَّالَّةِ مِنَ الفَرَحِ والشَّيءِ يَجِدُه الإنسانُ، فقال: (اتَّقِ خيرَها بشَرِّها، وشَرَّها بخَيرِها، ولا تَضُمَّنَّها؛ فإنَّ الضَّالَّةَ لا يَضُمُّها إلَّا ضالٌّ) .
ثالثًا: أنَّ حِكمةَ النَّهيِ عنِ التِقاطِ الإبِلِ ظاهِرةٌ، وهي بَقاؤُها حيثُ ضَلَّت أقرَبَ إلى وِجدانِ مالِكِها لها مِن تَطَلُّبِه لها في رِحالِ النَّاسِ .

انظر أيضا:

  1. (1) ويلحَقُ به كُلُّ حيَوانٍ يَقوى على الامتناعِ مِن صِغارِ السِّباعِ، ووُرودِ الماءِ، سَواءٌ كان لكِبَرِ جُثَّتِه، كالبَقَرِ والخَيلِ والبِغالِ؛ أو لطيَرانِه، كالطُّيورِ كُلِّها؛ أو لعَدْوِه، كالظِّباءِ. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (5/402)، ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/200).
  2. (2) عِندَ المالِكيَّةِ: ضالَّةُ الإبِلِ لا تُلتَقَطُ مُطلقًا، حتَّى لو كان يُخشى عليها مِنَ السِّباعِ، أوِ الجوعِ والعَطَشِ، أمَّا ضالَّةُ البَقَرِ في الصَّحراءِ فيَجوزُ التِقاطُها إذا كان يُخشى عليها مِنَ السِّباعِ، أوِ الجوعِ أوِ العَطَشِ، أوِ السَّارِقِ. ((التاج والإكليل)) للمواق (8/50)، ((منح الجليل)) لعليش (8/240).
  3. (3) الشَّافِعيَّةُ لهم تَفصيلٌ: يَجوزُ التِقاطُها في الصَّحراءِ غيرِ الآمِنةِ، وفي المِصرِ للحِفظِ والتَّمَلُّكِ. ولا يَجوزُ التِقاطُها للتَّمَلُّكِ في الصَّحراءِ الآمِنةِ، ولكِن يَجوزُ للحِفظِ في الأصَحِّ. ((روضة الطالبين)) للنووي (5/402 - 403).
  4. (4) ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/210)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/377).
  5. (5) وهو قَولُ الأوزاعيِّ، واللَّيثِ بنِ سَعدٍ. يُنظر: ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (6/379).
  6. (6) قال ابنُ رُشدٍ: (فأمَّا الإبلُ فاتَّفَقوا على أنَّها لا تُلتَقَطُ). ((بداية المجتهد)) (2/305). وقال المَرداويُّ: (الضَّوالُّ التي تَمتَنِعُ مِن صِغارِ السِّباعِ، كالإبِلِ... فلا يَجوزُ التِقاطُها بلا نِزاعٍ). ((الإنصاف)) (6/401).
  7. (7) أخرجه البخاري (91)، ومسلم (1722) واللفظ له.
  8. (8) يُنظر: ((البناية شرح الهداية)) للعيني (6/778)، ((سبل السلام)) للصنعاني (3/950).
  9. (9) أخرجه مالك (2/759)، وعبدالرزاق (18612)، والبيهقي (12434).
  10. (10) يُنظر: ((الإشراف على مذاهب العلماء)) لابن المنذر (6/379).
  11. (11) أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (6082). جوَّد طريقَه وحَسَّنه العيني في ((نخب الأفكار)) (16/418).
  12. (12) يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/80).