الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: ضَمانُ العاريَّةِ إذا تَلِفَت من غيرِ تَعَدٍّ أو تفريطٍ  


لا يَضمَنُ المُستعيرُ إذا تَلِفَت العاريَّةُ من غيرِ تَعَدٍّ أو تفريطٍ منه ، وهذا مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، وقولٌ للشَّافعيَّةِ ، وقولٌ للحنابِلةِ ، وهو قولُ ابنِ حَزمٍ ، واختيارُ ابنِ القَيِّمِ ، وابنِ عُثَيمين .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((العاريَّةُ مُؤَدَّاةٌ، والمِنحةُ مَردودةٌ، والدَّينُ مَقضيٌّ، والزَّعيمُ غارِمٌ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((العاريَّةُ مُؤَدَّاةٌ)) دليلٌ على أنَّها أمانةٌ؛ لأنَّ اللَّهَ عزَّ وجَلَّ يقولُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا فجَعَل الأماناتِ مُؤَدَّاةً .
ثانيًا: لأنَّ التَّبرُّعَ لا يوجِبُ ضَمانًا على المتبرِّعِ للمُتبَرَّعِ عليه .

انظر أيضا:

  1. (1) كأن تَتلَفَ بآفةٍ سَماويَّةٍ أو بغيرِ تَعَدٍّ أو تفريطٍ من المُستعيرِ، كما لو استعار شَخصٌ كتابًا ووضَعَه في بيتِه في مكانٍ مُحرَزٍ، وجاء سارِقٌ فسَرَقه، أو نَزَل عليه مطَرٌ فأفسَدَه، أو احتَرَق المكانُ فاحترق الكتابُ؛ فإنَّه غيرُ ضامِنٍ. يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/194).
  2. (2) استثنى الحَنَفيَّةُ إذا كانت العاريَّةُ مُقَيدَّةً بوَقتٍ فهَلَكت في يدِ المُستعيرِ بَعدَ مُضيِّ الوقتِ، فإنَّه يَضمَنُها. ((الجوهرة النيرة)) للزبيدي (1/ 351)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (9/8)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/84)، ((الدر المختار)) للحصكفي (5/ 678(.
  3. (3) ذهَب المالِكيَّةُ إن كانت ممَّا يُغابُ عليه -وهو ما يمكِنُ إخفاؤه كالثِّيابِ، والحُليِّ- ضَمِنَت بالتَّلَفِ، إلَّا أن يأتيَ ببَيِّنةٍ تشهَدُ على التَّلَفِ من غيرِ تَعَدٍّ. ((الشرح الكبير)) للدردير (3/436،324)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (7/58).
  4. (4) ((فتح العزيز بشرح الوجيز)) للرافعي (11/ 217)، ((روضة الطالبين)) للنووي (4/ 431).
  5. (5) ((الإنصاف)) للمَرْداوي (6/ 112).
  6. (6) قال ابنُ حَزمٍ: (العاريَّةُ غيرُ مضمونةٍ إن تَلِفَت من غيرِ تَعَدِّي المُستعيرِ، وسواءٌ ما غُيِّب عليه من العواريِّ وما لم يَغِبْ عليه منها). ((المحلى)) (8/138).
  7. (7) قال المَرْداويُّ: (نصَّ الإمامُ أحمدُ رحمه اللهُ على ضَمانِ العاريَّةِ، وإن لم يتعَدَّ فيها كثيرٌ متكَرِّرٌ جِدًّا من جماعاتٍ، وقف على روايةِ اثنين وعِشرين رجُلًا، وذكَرَها... واختاره ابنُ القَيِّمِ رحمه اللهُ في الهَدْيِ). ((الإنصاف)) (6/ 112).
  8. (8) قال ابنُ عُثَيمين: (القولُ الثَّاني: أنَّ العاريَّةَ لا تُضمَنُ إلَّا بتعَدٍّ أو تفريطٍ، بمعنى أنَّ الإنسانَ لو استعار الكتابَ ووضَعَه في بيتِه في مكانٍ محرَزٍ، وجاء سارِقٌ فسَرَقه، أو نَزَل عليه مَطَرٌ فأفسَدَه، أو احتَرَق المكانُ فاحتَرَق الكِتابُ، فإنَّه غيرُ ضامِنٍ؛ لأنَّه ليس متعَدِّيًا ولا مُفَرِّطًا، وهذا القولُ هو الرَّاجِحُ). ((الشرح الممتع)) (9/194).
  9. (9) أخرجه أبو داود (3565)، والترمذي (2120) واللفظ لهما، وابن ماجه (2405، 2398) مفرَّقًا باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه الترمذي، والقرطبي المفسِّر في ((التفسير)) (6/426)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (16/434)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3565)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3565).
  10. (10) يُنظَر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (12/ 39).
  11. (11) يُنظَر: ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (11/ 109).