الموسوعة الفقهية

 المَبحَثُ الثَّالِثُ: متى تَبرَأُ ذِمَّةُ الميِّتِ إذا ضَمِنَه أحدٌ؟


لا تَبرَأُ ذِمَّةُ الميِّتِ حتَّى يُقضى عنه دَينُه، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من السُّنَّةِ
1- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ قال: ((تُوُفِّيَ رجٌلٌ فغَسَّلْناه وحَنَّطْناه وكَفَّنَّاه، ثمَّ أتينا به رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي عليه، فقلْنا: تُصَلِّي عليه؟ فخطا خُطًى، ثمَّ قال: أعليه دَينٌ؟ قُلْنا: دينارانِ، فانصَرَف، فتحَمَّلَهما أبو قتادةَ، فأتيناه، فقال أبو قتادةَ: الدَّينارانِ عَلَيَّ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حقَّ الغريمِ، وبَرِئَ منهما المَيِّتُ؟ قال: نعَمْ، فصلَّى عليه، ثمَّ قال بعدَ ذلك بيومٍ: ما فعَلَ الدِّينارانِ؟ فقال: إنَّما مات أمسِ! قال: فعاد إليه من الغَدِ، فقال: لقد قَضَيتُهما، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الآن برَّدْتَ عليه جِلْدَه!)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((الآنَ بَرَّدْتَ عليهـ)) فيه دليلٌ على أنَّ خُلوصَ الميِّتِ من وَرطةِ الدَّينِ، وبراءةَ ذِمَّتِه على الحقيقةِ، ورَفعَ العذابِ عنه؛ إنَّما يكونُ بالقضاءِ عنه لا بمجَرَّدِ التَّحمُّلِ بالدَّينِ بلَفظِ الضَّمانةِ .
2 – عن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نفسُ المُؤمِنِ مُعَلَّقةٌ بدَينِه حتَّى يُقضى عنهـ)) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه الحَثُّ للوَرَثةِ على قضاءِ دَينِ الميِّتِ، والإخبارُ لهم بأنَّ نفسَه مُعَلَّقةٌ بدَينِه حتَّى يُقضى عنه .
ثانيًا: لأنَّه وثيقةٌ بدَينٍ، فلم يَسقُطْ قَبلَ القضاءِ، كالرَّهنِ .
ثالثًا: قياسًا على الحَيِّ لا يَبرَأُ إلَّا بالأداءِ .

انظر أيضا:

  1. (1) ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (4/ 160).
  2. (2) ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (2/ 378)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل بن إسحاق (6/ 304)، ((الخلاصة الفقهية)) للقَرَوي (ص309).
  3. (3) ((نهاية المحتاج)) للرَّمْلي (4/ 432). ويُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (17/ 81).
  4. (4) ((الإنصاف)) للمَرْداوي (13/ 27)، ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (8/ 236).
  5. (5) أخرجه أحمد (14536) واللَّفظُ له، والحاكم (2346)، والبيهقي (11734) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1416)، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ، وحَسَّنه المُنذِرِيُّ في ((الترغيب والترهيب)) (3/51)، والنَّوَوي في ((خلاصة الأحكام)) (2/931)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/42).
  6. (6) ((نيل الأوطار)) للشوكاني (5/285). ويُنظَر: ((مطالب أولي النُّهَى)) للرُّحَيْباني (3/ 302)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (7/221).
  7. (7) أخرجه التِّرْمِذي (1078)، وابن ماجه (2413) واللَّفظُ لهما، وأحمد (9679) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه يحيى بن مَعين كما في ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (45/73)، وابن حبان في ((صحيحهـ)) (3061)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2219)، وأبو نُعَيم في ((حلية الأولياء)) (3/201)، وابن عبدِ البَرِّ في ((الاستذكار)) (4/101).
  8. (8) يُنظَر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/ 30).
  9. (9) يُنظَر: ((كَشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/ 368).
  10. (10) يُنظَر: ((مطالب أولي النُّهَى)) للرُّحَيْباني (3/ 302).