الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الكَفالةُ بالنَّفسِ


الكَفالةُ بالنَّفسِ جائزةٌ باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ -على المشهورِ- ، والحَنابِلةِ ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكِتابِ
قال تعالى: قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ [يوسف: 66] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا، والمَوثِقُ هو الكفيلُ؛ ففي الآيةِ امتناعُ يَعقوبَ من إرسالِ وَلَدِه مع إخوتِه إلَّا بكَفيلٍ، وفيه دَلالةٌ على جوازِ الكَفالةِ .
ثانيًا: من السُّنَّةِ
عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((العارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، والمِنحةُ مردودةٌ، والدَّينُ مَقضيٌّ، والزَّعيمُ غارِمٌ ) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والزَّعيمُ غارِمٌ)) دَلالةٌ على مشروعيَّةِ الكَفالةِ، سواءٌ كانت بالنَّفسِ أو بالمالِ .
ثالثًا: من الآثارِ
1- عن حمزةَ بنِ عَمرٍو الأسلَميِّ أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه بعَثَه مُصَدِّقًا، فوقع رجلٌ على جاريةِ امرأتِه، فأخذ حمزةُ من الرَّجُلِ كفيلًا حتَّى قَدِم على عُمَرَ، وكان عُمَرُ قد جلَدَه مائةَ جَلْدةٍ، فصَدَّقَهم وعَذَره بالجَهالةِ .
2- قال جريرٌ والأشعَثُ لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ في المرتَدِّين: استَتِبْهم وكَفِّلْهم، فتابوا، وكفَلَهم عشائِرَهم .
رابعًا: لأنَّه لمَّا جاز ضمانُ ما في الذِّمَّةِ، جاز ضمانُ ذي الذِّمَّةِ؛ إذ لا فَرْقَ بَيْنَ ضمانِ الحقِّ وبَينَ ضَمانِ مَن عليه الحقُّ .
خامسًا: لأنَّ ضمانَ الأموالِ إنَّما كان لِما فيه من الرِّفقِ والتَّوسِعةِ، فكذا كَفالةُ النُّفوسِ؛ لِما فيها من الرِّفقِ والتَّوسِعةِ، وهو أن يرتَفِقَ المكفولُ عنه في الإطلاقِ ليَسهُلَ عليه طَلَبُ الحَقِّ، ويستوثِقَ المكفولُ له فيَسهُلَ عليه التِماسُ مَن عليه الحَقُّ .
سادسًا: لأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى الاستيثاقِ بضَمانِ المالِ أو البَدَنِ، وضمانُ المالِ يمتنِعُ منه كثيرٌ من النَّاسِ، فلو لم تَجُزِ الكَفالةُ بالنَّفسِ لأدَّى إلى الحَرَجِ .

انظر أيضا:

  1. (1) كأن يَكفُلَ شَخصًا بإحضارِ مَن عليه دَينٌ إلى الدَّائنِ. وتُسَمَّى أيضًا الكَفالةَ بالبَدَنِ وبالوَجهِ. يُنظَر: ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/ 253)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعُلَيْش (6/ 238). وذكَر المالِكيَّةُ قِسمًا آخَرَ، وهو ضَمانُ الطَّلَبِ: وهو التَّفتيشُ على الغريمِ إن تغيَّبَ، ثمَّ يَدُلُّ صاحِبَ الحَقِّ عليه. يُنظَر: ((الشرح الصغير للدَّرْدير مع حاشية الصَّاوي)) (3/ 430)، ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (6/ 36).
  2. (2) ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (19/ 151)، ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/ 87).
  3. (3) ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (7/ 57)، ((منح الجليل شرح مختصر خليل)) لعُلَيْش (6/ 238). ويُنظَر: ((شرح مختصر خليل)) للخَرَشي (6/ 34).
  4. (4) ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (4/ 253)، ((مغني المحتاج)) للشِّرْبيني (3/ 207). ويُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/462).
  5. (5) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/ 245)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (5/ 209).
  6. (6) قال ابنُ قُدامةَ: (ومَن كَفَل بنَفسٍ لَزِمه ما عليها إنْ لم يُسَلِّمْها... وقال الشَّافِعيُّ في بعضِ أقوالِه: الكَفالةُ بالبَدَنِ ضعيفةٌ. واختلَف أصحابُه؛ فمنهم من قال: هي صحيحةٌ قولًا واحدًا. وإنَّما أراد أنَّها ضعيفةٌ في القياسِ، وإن كانت ثابتةً بالإجماعِ والأثَرِ). ((المغني)) (4/415).
  7. (7) يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/ 46).
  8. (8) الزَّعيمُ هو الكفيلُ، وغارمٌ، أي: مُلزَمٌ بالغَرامةِ.
  9. (9) أخرجه أبو داود (3565)، والتِّرْمِذي (2120) واللَّفظُ لهما، وابن ماجه (2405، 2398) مُفَرَّقًا باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه التِّرْمِذي، والقرطبي المفسر في ((التفسير)) (6/426)، وابن المُلَقِّن في ((شرح البخاري)) (16/434)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3565)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3565).
  10. (10) يُنظَر: ((الهداية)) للمَرْغِيناني (3/ 87).
  11. (11) أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجزم (2290)، وأخرجه موصولًا الطَّحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (11/310) مطوَّلًا باختلافٍ يسيرٍ. حسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (11/310).
  12. (12) أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغةِ الجزمِ بعدَ حديثِ (2290)، وأخرجه موصولًا الطَّحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (11/312)، والبيهقي (17340). صحَّحه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (11/312)، وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (3/290).
  13. (13) يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/ 46).
  14. (14) يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/ 46).
  15. (15) يُنظَر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مُفلِح (4/147).