موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثاني: التوكيدُ اللَّفظيُّ


تعريفُه: هو تَكرارُ معنى المؤكَّدِ بإعادةِ لَفْظِه أو تقويَتِه بمرادِفِه لفَصلِ التقريرِ؛ خوفًا من النِّسيانِ، أو عَدَمِ الإصغاءِ أو الاعتناءِ.
شَرحُ التَّعريفِ: التوكيدُ اللَّفظيُّ قد يكون بإعادةِ اللَّفظِ المؤكَّدِ نَفْسِه، وذلك يكونُ في الاسمِ والفِعْلِ والحَرفِ والجُملةِ.
أما في الاسمِ فتَقولُ: هذا زيدٌ زيدٌ.
هذا: اسمُ إشارة مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ.
زيد: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
زيدٌ الثانية: توكيدٌ لَفْظيٌّ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ومنه قَولُه تعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 21، 22].
ومنه توكيدُ الضَّمائر؛ فلا يصِحُّ توكيدُ ضميرٍ مُتَّصِلٍ إلَّا بذِكرِ ما اتَّصل به. تَقولُ: مررتُ مررتُ، أخذتُ مِنْكَ مِنْكَ، ضربتُها ضربتُها؛ لأنَّك لو ذكرته بغير ما اتصل به أخرَجْتَه عن الاتصالِ إلى الانفِصالِ.
وأمَّا توكيدُ الفِعْل فأكثَرُ ما يأتي الفِعْلُ مُؤَكَّدًا مع فاعِله؛ سواءٌ كان الفاعِلُ في التوكيدِ ظاهرًا. تَقولُ: قام زيدٌ قام زيدٌ.
قام: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
زيد: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
قام (الثانية): فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
زيد (الثانية): فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وجُملة (قام زيدٌ) الثانية توكيدٌ لفظيٌّ للجُملةِ الأولى.
وقد يأتي الفاعِلُ مُضْمَرًا. تَقولُ: قام أخواك قاما، اذْهَب اذْهَبْ إلى زيد.
اذهب: فِعلُ أمرٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وجوبًا تقديره: أنت.
اذهب (الثانية):  فِعلُ أمرٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ وجوبًا تقديره: أنت.
فأتى الفاعِلُ مُضْمَرًا في الموضِعَينِ.
وقد يأتي الفِعْلُ مُؤَكَّدًا وليس معه الفاعِلُ. تَقولُ: قام زيدٌ قام. وقد اجتمع اقتران الفِعْل بفاعِله وتجرُّدُه منه في التوكيدِ في قَولِ الشَّاعِر:
فأين إلى أين النَّجاءُ ببَغلَتي
أتاكَ أتاك اللاحِقون احبِسِ احبِسِ
ففي الموضِعِ الأوَّلِ تكَرَّر الفِعْل "أتاك" بغير اقترانِه بالفاعِل، وفي الموضِعِ الثَّاني تكَرَّر الفِعْل "احبس" مقترنًا بالفاعِل مُضْمَرًا فيه وُجوبًا.
أما توكيدُ الحُروفِ فالحُروفُ على قِسمَينِ:
1- حروفُ الجَوابِ، وهذه تؤكَّدُ بتَكرارِها وَحْدَها. تَقولُ: نعمْ نعمْ، أجَلْ أجَلْ، بلى بلى، لا لا. والأحسَنُ في ذلك أن تؤكَّدَ بمُرادِفِها، كقَولِ الشَّاعِرِ:
وقُلْنَ على الفِردَوسِ أوَّلَ مَشربٍ
أَجَلْ جَيْرِ إن كانت أُبيحَت دَعاثِرُه
فإنَّ "أجَلْ" مرادِفةٌ لـ"جَيْر" فأُكِّدت به، وتَقولُ: أجَلْ نعمْ، بلى لا، ونحو ذلك.
2- حرفٌ غيرُ جوابيٍّ، وهي سائِرُ الحُروفِ التي لا يُجابُ بها، فهذه لا تؤكَّدُ إلَّا بذِكرِ ما دخلت عليه. تَقولُ: إنَّ زيدًا إنَّ زيدًا في الدَّارِ، في الدَّارِ في الدَّارِ زيدٌ.
وتؤكَّدُ أيضًا بمِثْلِ ما اتصل به المؤكَّد. تَقولُ: إنَّ زيدًا إنَّه فاضِلٌ؛ فأُكِّد الحَرفُ بتَكرارِه مع الضَّميرِ العائِدِ على ما دخل عليه المؤكَّدُ. ومِثْلُه قَولُه تعالى: فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران: 107]؛ حيث أعاد حرفَ الجَرِّ بذِكْرِه مع ضميرِ ما اتَّصَل به. أما ذِكْرُه بلا اتِّصالٍ فشاذٌّ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
إنَّ إنَّ الكريمَ يحلُمُ ما لم
يَرَيَنْ من أجارَه قد ضِيمَا
وقَولِ الآخَرِ:
فلا واللهِ لا يُلفَى لِما بي
ولا لِلِما بهم أبدًا دواءُ
حيث كرَّر اللامَ الجارَّةَ مَرَّتينِ. أمَّا إن كان الحرفُ بمنزلةِ أكثَرَ من حرفٍ، جاز تَكرارُه بلا اتصالِ شَيءٍ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
حتى تراها وكَأَن وكَأَن
أعناقَها مُشَدَّداتٌ بقَرْنِ
حيث كرَّر "وكأن" نظرًا لاتِّصالِها بالواوِ، فصارا كحرفين، فضلًا عن أنَّ "كأن" أكثَرَ من حرفٍ في ذاتِها.
أمَّا توكيدُ الجُملةِ فهو الأكثَرُ، وأكثَرُ ما يأتي أن يكونَ التوكيدُ مَعطوفًا، كقَولِه تعالى: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى [القيامة: 34، 35]، وقَولِه تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار: 17، 18].
وقد تأتي بلا عَطفٍ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
لَكَ اللهُ على ذاكَ
لك اللهُ لك اللهُ
وأمَّا التوكيدُ اللَّفظيُّ بغيرِ اللَّفظِ، فبِما يوافِقُ معناه، مِثلُ:
توكيدِ الضَّميرِ المُتَّصِلِ بالمنفَصِلِ، فيُؤكَّدُ الضَّميرُ المُتَّصِلُ المرفوعُ بالبارِزِ المرفوعِ. تَقولُ: قمتَ أنتَ، ذهَبْنا نحن، أكلْتُ أنا، ذهَبوا هم ... ويُؤكَّدُ المُتَّصِلُ المنصوبُ بالبارِزِ المنصوبِ. تَقولُ: ضرَبْتُها إيَّاها، ورأيتُكَ إيَّاك، ضربونا إيَّانا، رأيتُهم إيَّاهم ... وهكذا.
ويجوزُ أن يؤكَّدَ الضَّميرُ المُتَّصِلُ بضَميرِ الرَّفعِ المنفَصِلِ (أنا، نحن، أنت، أنتِ، أنتم، أنتنَّ، هو، هي، هم، هن)، سواءٌ كان الضَّميرُ المُتَّصِلُ مرفوعًا أم منصوبًا أم مجرورًا. تَقولُ: ضَرَبَني أنا، ضرَبَنا نحن، وضربَكَ أنتَ، ومرَّ بها هي، هذا صاحبُكِ أنتِ، قال تعالى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32]؛ فأكَّد الضَّميرَ المنصوبَ بـ(إنَّ) بضميرٍ بارزٍ مرفوعٍ.
توكيدٌ فِعلِ الأمرِ باسمِ فِعلِ الأمرِ. تَقولُ: انْزِل نَزَالِ، احذَرْ حَذَارِ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فَرَّتْ يهودُ وأسلَمَت جيرانَها
صَمِّي لِما فَعَلَت يَهودُ صَمَامِ
توكيدُ الكَلِمةِ بمعناها، مِثلُ قولك: أنت بالخَيرِ حَقيقٌ قَمِنٌ؛ فإن "قَمِن" بمعنى حقيقٌ. وقَولُه تعالى: وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء: 31] ؛ فإنَّ الفِجاجَ بمعنى السُّبُل يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 978)، ((إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك)) لبرهان الدين ابن القيم (2/ 609)، ((شرح ألفية ابن مالك)) للأشموني (2/ 343). .

انظر أيضا: