موسوعة اللغة العربية

المبحَثُ السَّابِعُ: الوَصفُ


غلَبَت الطَّبيعةُ على نُفوسِ كثيرٍ من الشُّعَراءِ، فانصرف إليها عازفًا عن الأجواءِ السِّياسيَّةِ والاجتِماعيَّةِ، متلهِّيًا بها عن أشعارِ الحَماسةِ والفَخرِ، والمدْحِ والهِجاءِ، وغيِره ممَّا تدعو إليه الأحوالُ، فيستأنِسُ بالرِّياضِ والحُقولِ والخُضرةِ، ويتلهَّبُ إلهامُه بإضرامِ البَرقِ ودَويِّ الرَّعدِ.
فمن ذلك قَولُ الشِّهابِ الخَفاجيِّ [221] يُنظَر: ((خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)) للمحبي (1/336). : الكامل
قَدَحَتْ رعودُ البَرقِ زَندَا
أضرَمْنَ أشجانًا ووَجْدَا
في فَحمةِ الظَّلماءِ إذ
مَدَّت على الخَضراءِ بُرْدا
حتَّى تثاءَب نُورُه
وتمطَّت الأغصانُ قدَّا
وأتى الشَّقيقُ بمجمرٍ
للرَّوضِ أوقَد فيه نَدَّا [222] النَّدُّ: نوعٌ من الطِّيبِ يُخلَطُ فيه المِسكُ مع الكافورِ. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/115).
وعلى الغَديرِ مُفاضةٌ
سرَدَت له النَّسَماتُ سَرْدَا [223] المُفاضةُ: الواسِعةُ من الدُّروعِ، وامرأةٌ مُفاضةٌ: ضَخمةُ البَطنِ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (3/1099).
وحُبابُه من فَوقِه
قد بات يلعَبُ فيه نَرْدَا
فسقى معاهِدَ بالحِمى
من عنبَرٍ للمِسْكِ أهدى
عَجَبًا لدُرٍّ ناصعٍ
أودِعنَ في مِسكٍ مُنَدَّى
في ظِلِّ عَيشٍ ناعمٍ
بنسيمِ أسحارٍ تردَّى
ولم يكتفِ الشُّعَراءُ بوصفِ الطَّبيعةِ فحَسْبُ، بل وصَفوا الأشياءَ كذلك، وأظهروا تجاوُبَها معهم، كقَولِ نورِ الدِّينِ العُسَيليِّ في وَصفِ دولابٍ (ساقية) [224] يُنظَر: ((الأدب المصري في ظل الحكم العثماني)) للكيلاني (ص: 214). : الوافر
ودولابٌ مررتُ به سُحَيرًا
يئِنُّ كأنَّةِ الصَّبِّ المَروعِ
غدَت أضلاعُه تنْهَدُّ سُقمًا
ويُفني جِسمَه صَبُّ الدُّموعِ
يدور كمَن أضلَّ الإلفَ منه
وذاق تشتُّتَ الشَّملِ الجَميعِ
فقُلتُ له فديتُك من كئيبٍ
كساه الهمُّ أثوابَ الخُشوعِ
علامَ أراك تبكي كلَّ وقتٍ
وتهتِفُ في المنازِلِ والرُّبوعِ
فقد قرَّبتَ لي حُزنًا بعيدًا
ونحَّاني نُواحُك عن هُجوعي
فقال أَمَا عَلِمتَ بأنَّ مِثلي
خليقٌ بالصَّبابةِ والوَلوعِ؟
فإنِّي كنتُ في روضٍ رفيعًا
أبِيتُ من الأزاهِرِ في جُموعِ
ولي في المُنتَمى أعراقُ صِدقٍ
أصولٌ أنجَبَت أزكى فُروعِ
إذا ما الوَردُ قابلني وحَيَّا
تضرَّج وجْنتاه بالنَّجيعِ [225] النَّجيعُ: دَمُ الجوفِ. يُنظَر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/395).
ويَصفَرُّ البَهارُ لديَّ خوفًا
كصُفرةِ عاشقٍ صَبٍّ مَروعِ [226] البَهارُ: البياضُ والجَمالُ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (10/265).
وإن قصَدَت بنو الآدابِ رَبعي
أجودُ من النِّثارِ على الجميعِ
فقيَّضَني الشَّقاءُ إلى غَبيٍّ
شديدِ البَطشِ جَبَّارٍ قَطوعِ
فألقاني على رأسي صريعًا
وأنت مُشاهِدٌ حالَ الصَّريعِ
وقطَّع لُطفَ أوصالي بعُنفٍ
وصار يدُقُّ عظمي في ضُلوعي
فصِرتُ أرى الذي قد كان دوني
أَنافَ وصار ذا شأوٍ رَفيعِ
على قلبي أدورُ عَنًا وأبكي
عليه أسًى كمِقْلاتٍ هَلوعِ
فكيف أُلامُ إن أدمَنْتُ نَوحي
وجُدتُ بمَدمَعِ الطَّرفِ الهَموعِ؟
وحالي ناصِحٌ أبناءَ جنسي
فلا تعتدُّ بالجِذعِ المنيعِ
فإنَّ الدَّهرَ كالصَّيَّادِ كَيدًا
وأسبابُ القَضا شَرَكُ الوُقوعِ

انظر أيضا: