المبحَثُ الثَّالثُ: الفَخرُ والحماسةُ
تعدَّدَت بواعِثُ شِعرِ الفخرِ والحماسةِ عِندَ الشُّعَراءِ العُثمانيِّينَ؛ فاستمرارُ الفُتوحاتِ وتوالي انتصاراتِ الجَيشِ المُسلِمِ في أرجاءِ الأرضِ، ووجودُ بعضِ الخارِجينَ على الدَّولةِ الذين شقُّوا عصا الطَّاعةِ وأفسدوا في الأرضِ ورَوَّعوا قوافِلَ التِّجارةِ والحَجِّ
كُلُّ ذلك كان مُغريًا الشُّعَراءَ للتَّغنِّي بمآثِرِ المُسلِمين وأمجادِهم، وتحفيزِ الأمراءِ والسَّلاطين للذَّبِّ عن بَيضةِ الإسلامِ من الدَّاخِلِ والخارِجِ.
فمِن ذلك قولُ الشَّاعِرِ عليِّ بنِ نشوانَ الحِمْيَريِّ على لسانِ المنصورِ باللهِ بنِ محمَّدٍ صاحِبِ اليَمَنِ، في الفَخرِ ببُطولاتِه ومآثِرِه
: الكامل
وكتيبةٍ موصولةٍ بكتيبةٍ
تختالُ في حَلَقِ الحديدِ المُدْبَجِ
وتَطَيَّبي بعَجاجِ نقعٍ ثائرٍ
ودمٍ لأثوابِ الكَمِيِّ مُضَرَّجِ
ولقد شَهِدتُ الخيلَ تقرَعُ بالقَنا
في حافظٍ نَجْدِ الوغى متوهِّجِ
ولقد شَهِدتُ اللَّيلَ حتَّى خِلتُ ما
أيقَنتُ منه كالقميصِ المُدْمَجِ
ولقد دخَلتُ على السِّباعِ وِجَارَها
وولجْتُ غِيلَ ضراغمٍ لم تُولَجِ
والشَّمسُ في وَسَطِ السَّماءِ مُظِلَّةٌ
والجوُّ أقْيَمُ بالعَجاجِ المُرْهَجِ
ومنه قولُ إبراهيمَ بنِ صالحٍ المُهتَدي في حثِّ إسماعيلَ بنِ القاسِمِ الزَّيديِّ صاحِبِ اليَمَنِ على الجهادِ والانتِصارِ لحُجَّاجِ بَيتِ اللهِ الحرامِ مِن الخوارِجِ وقُطَّاعِ الطَّريقِ
: الطويل
أَبى اللهُ والدِّينُ الحنيفُ وصارمٌ
على عاتقِ الإسلامِ مِنهُ نِجادُ
ويأبى أميرُ المُؤمنِينَ وبأسُه
وفي الثَّغرِ والرَّأيِ السَّديدِ سَدَادُ
وأنصارُه الآسَادُ من آلِ يَعرُبَ
غطارِفُ في دينِ الإلَهِ شِدَادُ
فيا أيُّها المولى الْخَلِيفةُ عَزمَةً
فقد شَاب فَوْدٌ واستشبَّ فؤادُ||hamish||194||/hamish||
فلا تَبْرِ أقلامًا سِوى من لَهاذِمٍ
لَها من دِمَاءِ المارقينَ مِدَادُ
ولا كُتُبٌ إلَّا الكتائبُ والظُّبى
ولا رُسُلٌ إلَّا قَنًا وجِيادُ
ولم يَخفُتْ شُعاعُ الفَخرِ القَبَليِّ في ظِلِّ استعلاءِ الفَخرِ الدِّينيِّ وأشعارِ الحَماسةِ في الجِهادِ؛ فقد اعتاد بعضُ الشُّعَراءِ الفخرَ بقَومِه وآلِه؛ فمِن ذلك قولُ الأميرِ مَنْجَك
: الكامل
مِن آلِ مَنْجَكَ طاب نَشرُ حديثِهمْ
كالزَّهرِ في الأكمامِ حيثُ أقاموا
قومٌ صغيرُهُمُ كبيرٌ في العُلا
يهوى الجميلَ ولم يَرُعْهُ فِطامُ
قومٌ إذا رَكِبوا الجيادَ لموقفٍ
نبتُوا رُبًا وعلى الكِرامِ كِرامُ
قومٌ إذا سُلَّتْ ذُكورُ سيوفِهمْ
قَتلَ النِّساءَ الهمُّ والأوهامُ
غيري يُبالي بالفَخارِ وإنَّني
فَحلُ الرِّجالِ ورُتبةٌ ومَقامُ
إذ مَنْشَئِي قد كان تحتَ سُرادقٍ
خُدَّامُها الصَّمصامُ والقَمقَامُ
جَدِّي الذي مَلكَ البِلادَ برَأيِه
لا بِالجُنودِ الباسِلُ البَسَّامُ
قَد كانَ مَملوكًا وأصبَحَ مالِكًا
كُلُّ المُلوك ببابِهِ خُدَّامُ
قَد عَمَّرَ الخاناتِ في سُبُلِ الهُدى
لَم يُحصِها صُحُفٌ ولا أَقلامُ
تِسعًا وتسعينًا بناها مُخلِصًا
ذاكَ الأميرُ المُحسنُ المِنْعامُ
دارُ الأميرِ أبب المعالي مَنْجَكٍ
مِن دونِ بَعضِ بِنائِها الأهرامُ
وله قُصورٌ شُيِّدَتْ فَوقَ العُلا
بَوَّابُها الإِجلالُ والإعظامُ
وَمَساجدٌ قَدْ أُسِّسَتْ بيَدِ التُّقى
فيها رِجالٌ سُجَّدٌ وقِيامُ
مَلِكٌ إذا أَمَّ الضُّيوفُ جَنابَهُ
يَدعو القِرى لسَبيلِهِ الإنعامُ
مَلِكٌ إِذا سُلَّتْ صَوارمُ جُندِه
عِيدانُها الهَندِيُّ وَالصَّمصامُ
مَلِكٌ إِذا ازدَحَم المُلوكُ بِمَوردٍ
صَدَروا له وَقُلوبُهُنَّ أُوامُ
مَلِكٌ إِذا ضَنَّ السَّحابُ بِوَبْلِهِ
فاضَت بِحارٌ مِن يَدَيهِ سِجامُ
ومنه كذلك قولُ عَليِّ بنِ إسماعيلَ الزَّيديِّ
: الرمل
أَنَا من قومٍ إذا مَا غَضِبُوا
أطْعَمُوا الأرْماحَ حَبَّاتِ القُلوبِ
وَهُمُ في السَّلْمِ كالماءِ صَفَا
لصديقٍ وحميمٍ وقريبِ
فَهُمُ فخْرِي وفيهمْ قُدْوتي
وبهمْ نِلْتُ من العَلْيا نَصِيبي