المَطلَبُ الخامِسُ: الخَمْريَّاتُ
اعتاد الشُّعَراءُ ذِكرَ مجالِسِ الأحبَّةِ، ووَصفَ الخُمورِ ونحوِ ذلك، وهو أمرٌ لم يترُكْه الشُّعَراءُ العُثمانيُّون، بل تناولوه في شِعْرِهم كذلك، سواءٌ أكان الشَّاعِرُ يَشرَبُ الخَمرَ ويجلِسُ في مجالِسِها أم لا.
فمن ذلك قولُ مَنْجَك باشا
: الكامل
وافى الرَّبيعُ فما عليك بِعَارِ
خَلعُ العِذارِ ولا ارْتشافُ عُقارِ
صَهباءُ ليس يجوزُ عندي مَزْجُها
إلَّا برِيقَةِ شادِنٍ مِعْطارِ
تَدَعُ الدُّجى صُبْحًا إذا هيَ أُبْرِزَتْ
فكأَنَّما اعْتُصِرتْ من الأنْوارِ
قُم هاتِها حيثُ الهَزَارُ قد اغْتَدى
في الأيْكِ مُنعكِفًا على التَّهْدَارِ
طَيرٌ أعاد الغُصنَ جُنْكًا رُكِّبَتْ
أوْتارُه مِن فِضَّةِ الأمْطارِ
وتبُثَّه رِيحُ الصَّبا ويَبُثُّها
ذِكْرَ الهوى مِن سالِفِ الأعْصارِ
فانْهَضْ لتغْتَنمَ الشَّبيبةَ قبلَ أن
يَرْمِي المشِيبُ الصَّفْوَ بالأكدارِ
واشرَبْ على وَرْدِ الرُّبى إن لم تَجِدْ
وَرْدَ الخُدودِ لقِلَّةِ الدِّينارِ
وانْصِبْ بفِكركَ في الهوى شَرَكَ المُنى
لوقُوعِ ظِلٍّ أو خَيالٍ سَارِي
هذا ولسْتُ أرى إذا فُقِد الذي
أهْوى جِنانَ الخُلدِ غيرَ النَّارِ
هيْهاتَ ما النَّايُ الرَّخِيمُ ونَشُوةُ الـ
خمرِ القديمِ ونَغْمَةُ الأوْتارِ
وحَنِينُ هيْنَمةِ الرِّياضِ عشِيَّةً
وتراسُلُ الأطْيارِ في الأسْحارِ
عِنْدي بأحْسَنَ من مُساجَلةِ الأَحِبَّ
ةِ بالصَّبابةِ في سَنا الأقْمارِ
من كلِّ معبودِ الجمالِ مُحَكَّمٍ
فيمَا يَشَا مُسْتَعْبِدِ الأحْرارِ
وقولُ ابنِ معتوقٍ
: الكامل
ما الرَّاحُ إلَّا رَوحُ كلِّ حزينِ
فأزِلْ بخَمرتِها خِمارَ البَينِ
واستَجْلِها مثلَ العَروسِ توقَّدَت
بِعُقُودِهَا وَتخلْخَلَتْ بِبُرِينِ
واقطِفْ بثَغرِكَ وَرْدَ وَجنتِها على
خدِّ الشَّقيقِ ومَبسَمِ النَّسْرَينِ
والثِمْ عقيقةَ مَرشَفَيها راشِفًا
مِنْهَا ثَنَايَا اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
رُوحٌ إِذَا في فيكَ غَابَتْ شَمْسُهَا
بَزَغَتْ مِنَ الْخَدَّيْنِ والْعَيْنَيْنِ
قَبَسٌ يغالِطُنا الدُّجى رَأْد الضُّحى
فيهَا وَيَصْدُقُ كَاذِبُ الْفَجْرَيْنِ
ما زفَّها السَّاقي بطائِرِ فضَّةٍ
إلَّا وحَلَّق واقِعَ النَّسرينِ
حَاكَتْ زُجاجَةُ كَأْسِهَا الْقِنْدِيلَ إِذْ
مِشكاتُها اتَّقدَت بلا زَيتونِ
تَبْدُو فَيَبْدُو الأُفْقُ خَدَّ عَشِيقَةٍ
وَاللَّيْلُ لِمَّةَ عَاشِقٍ مَفْتُونِ
مَبْنِيَّةٌ بِفَمِ النَّزِيفِ مَذَاقُهَا
كرُضَابِ ليلى في فمِ المجنونِ
بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهَبَ بَرْدَها
صَاغَ الْحَبَابُ لَهَا سِوَارَ لُجَيْنِ
لو كان في حَوضِ الغَمامِ مَحَلُّها
لَجَرى العَقِيقُ مِنَ السَّحَابِ الْجُونِ
أو لو أُريقَت فوقَ يَذبُلَ جَرعةٌ
منها لأصبَحَ مَعدِنَ الرَّاهونِ
وَمُضَارِعٍ لِلْبَدْرِ مَاضٍ لَحْظُهُ
مُتَسَتِّرٌ فيهِ ضَمِيرُ فُنُونِ