موسوعة اللغة العربية

المطلَبُ الثَّاني: البُوصِيريُّ


هو أبو عبدِ اللهِ، شَرَفُ الدِّينِ، محمَّدُ بنُ سَعيدِ بنِ حَمَّادٍ، كان أبوه من (بُوصِيرَ) وأمُّه من (دَلاصٍ)، فنُحِت من اسمِ البَلَدينِ لَقبٌ له، وهو (الدَّلاصِيريُّ)، إلَّا أنَّ تسميتَه بالبُوصِيريِّ أغلَبُ وأشهَرُ.
وُلد البُوصِيريُّ سَنةَ 608هـ، وحَفِظ القرآنَ في صِغَرِه، وتلقَّى العِلمَ في حَلَقاتِ الشُّيوخِ، ووَجَد في نفسِه نبوغًا في الشِّعْرِ والكتابةِ في سنٍّ مبكِّرةٍ، فعَمِل في الكتابةِ الدِّيوانيَّةِ بعضَ الوقتِ، ثمَّ احترفَ تعليمَ الصِّبيانِ القرآنَ الكريمَ، مع مَدْحِ الوُلاةِ والأُمَراءِ رغبةً في عطاياهم.
وفي بعضِ أسفارِه إلى الإسكَندريَّةِ تعرَّف على أبي الحَسَنِ الشَّاذليِّ الصُّوفيِّ، ولَزِم طريقتَه وانتظم في سِلكِ مُريديه وتلامِذتِه، ثمَّ تتلمَذَ مِن بَعدِه لأبي العَبَّاسِ المُرْسي. ومنذُ ذلك الحينِ وقف البُوصِيريُّ لسانَه على المديحِ النَّبويِّ، خاصَّةً مع تطاوُلِ الصَّليبيِّينَ على الجَنابِ النَّبَويِّ الشَّريفِ وطَعْنِهم في الدِّينِ الحنيفِ، إلى أن توفِّيَ سنةَ 696هـ [84] يُنظَر: ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (3/ 88)، ((معجم أعلام شعراء المدح النبوي)) لمحمد درنيقة (ص: 353). .
ومِن شِعْرِه قَولُه في هَمزيَّتِه [85] يُنظَر: ((ديوان البوصيري)) (ص: 9). : الخفيف
كيف ترقى رُقِيَّكَ الأنبياءُ
يا سماءً ما طاولَتْها سماءُ
لم يساوُوك في عُلاك وقد حا
لَ سَنًا منك دونَهم وسَناءُ
إنَّما مَثَّلُوا صفاتِك للنا
سِ كما مَثَّلَ النَّجومَ الماءُ
أنت مصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَص
دُرُ إلَّا عن ضوئِك الأضواءُ
ما مضَت فترةٌ من الرُّسْلِ إلَّا
بَشَّرَتْ قومَها بك الأنبياءُ
تتباهى بك العُصورُ وتسمو
بك علياءٌ بعدَها علياءُ
وبدا للوُجودِ منك كريمٌ
من كريمٍ آباؤه كُرَماءُ
نَسَبٌ تحسَبُ العُلا بحُلاهُ
قَلَّدَتْها نجومَها الجوزاءُ
حبَّذا عِقْدُ سُؤْدُدٍ وفَخارٍ
أنتَ فيه اليتيمةُ العَصماءُ [86] اليتيمةُ: المتفرِّدةُ التي لا نظيرَ لها. يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (3/1286).
ومُحَيًّا كالشَّمسِ منكَ مُضِيءٌ
أسْفَرَت عنه ليلةٌ غَرَّاءُ
ويقولُ أيضًا [87] يُنظَر: ((ديوان البوصيري)) (ص: 94). : البسيط
يا رَبِّ صَلِّ على المُخْتارِ مِن مُضَرٍ
والأَنْبِيا وجَميعِ الرُّسْلِ ما ذُكِرُوا
وصَلِّ رَبِّ على الهادِي وشِيمَتِهِ
وصَحْبِهِ مَن لِطَيِّ الدِّينِ قدْ نَشَرُوا
وجاهَدوا مَعَهُ في اللهِ واجتَهَدُوا
وهاجَرُوا ولَهُ آوَوْا وقد نَصَرُوا
وبَيَّنُوا الفَرْضَ والمَسْنونَ واعتَصَبُوا
للهِ واعْتَصَمُوا باللَّهِ وانتَصَرُوا
أزكَى صَلاةٍ وأنماها وأشْرَفَها
يُعِطِّرُ الكَوْنَ رَيَّا نَشْرِها العَطِرُ
مَفْتُوقَةً بِعَبِيرِ المِسْكِ زاكِيةً
مِن طِيبها أَرَجُ الرِّضْوانِ يَنْتَشِرُ
عَدَّ الحَصَى والثَّرَى والرَّمْلِ يَتبَعُها
نَجمُ السَّماءِ ونَبْتُ الأرضِ والمَدَرُ
وعَدَّ ما حَوَتِ الأشجارُ منْ ورَقٍ
وكُلِّ حَرفٍ غَدا يُتلَى ويُستَطَرُ
وعَدَّ وزْنِ مَثاقِيلِ الجِبالِ كذا
يليهِ قَطْرُ جَمِيعِ الماءِ والمَطَرُ
والطَّيرِ والوَحشِ والأسماكِ مَعْ نَعَمٍ
يَتلوهُمُ الجِنُّ والأملاكُ والبَشَرُ
والذَّرُّ والنَّملُ معَ جَمْعِ الحُبوبِ كَذا
والشَّعْرُ والصُّوفُ والأرياشُ والوَبَرُ
وما أحاطَ بهِ العِلْمُ المُحِيطُ وما
جَرَى بهِ القَلَمُ المَأمُونُ والقَدَرُ
وقَولُه في غيرِ المدائِحِ النَّبَويَّةِ [88] يُنظَر: ((ديوان البوصيري)) (ص: 151). : البسيط
إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ
وأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤولُ
في كلِّ يَوْمٍ تُرَجِّي أن تتوبَ غدًا
وعَقدُ عَزمِكَ بالتَّسوِيفِ مَحلولُ
أمَا يُرَى لَكَ فيما سَرَّ مِن عَمَلٍ
يَومًا نَشاطٌ وعَمَّا ساءَ تَكسيلُ
فجَرِّدِ العَزْمَ إنَّ الموتَ صارِمُهُ
مُجَرَّدٌ بيَدِ الآمالِ مَسْلولُ
واقطَعْ حِبالَ الأمانِيِّ التي اتَّصَلَت
فإنَّما حَبلُها بالزُّورِ مَوصولُ
أنفَقتَ عُمرَكَ في مالٍ تُحَصِّلُهُ
وما على غيرِ إثمٍ منكَ تحصيلُ
ورُحتَ تَعمُرُ دارًا لا بَقاءَ لها
وأنت عنها وإنْ عُمِّرْتَ مَنقولُ
جاءَ النَّذيرُ فَشَمِّر لِلمَسِيرِ بِلا
مَهلٍ فليس معَ الإنذارِ تَمهِيلُ
وصُنْ مَشِيبَكَ عن فِعلٍ تُشانُ بِهِ
فكلُّ ذي صَبْوةٍ بالشَّيبِ مَعذولُ
وديوانُه حافِلٌ بالمدائحِ النَّبَويَّةِ، وإن كان في بعضِها الهَنَاتُ والمخالَفاتُ، بَيْدَ أنَّنا نتكَلَّمُ هاهنا عن الجانِبِ الأدَبيِّ.

انظر أيضا: