موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: الشِّعْرُ


شجَّعت الحياةُ العِلميَّةُ المُزدَهِرةُ الشُّعَراءَ على نَظْمِ الشِّعْرِ وكتابتِه، بَيْدَ أنَّ الصِّفةَ التي كانت تغلِبُ على شِعرِهم هي الاهتمامُ بالمحسِّناتِ اللَّفظيَّةِ والمعنَويَّةِ على حسابِ البيانِ والمعنى، ولم يقتَصِرْ هذا على الشِّعْرِ فحَسْبُ، بل تعدَّاه إلى النَّثرِ كذلك كما سيأتي.
وقد وصَف بعضُ الأُدَباءِ العَصرَ المملوكيَّ بالضَّعفِ وقلَّةِ النِّتاجِ الأدَبيِّ، والسَّبَبُ في ذلك ضَياعُ أكثرِ دواوينِ الشُّعَراءِ وأخبارِهم، وإلَّا فالمُتاحُ منه كفيلٌ بالرَّدِّ على تلك الدَّعاوى.
وقد وصَف شُعَراءُ هذا العَصرِ بيئاتِهم ومظاهِرَها الطَّبيعيَّةَ، وقَيَّدوا في أشعارِهم أحداثَ عَصرِهم، وكان للحُروبِ الصَّليبيَّةِ والتَّتَريَّةِ أثَرٌ بالغٌ في إذكاءِ شِعرِ الحماسةِ؛ فقد وقف الشُّعَراءُ مجاهِدين بسيوفِهم وأشعارِهم، وكان للأدَبِ شِعرًا ونَثرًا دَورٌ بارزٌ في بَثِّ الحَمِيَّةِ، وتشجيعِ المجاهِدين، وأبيَنُ دليلٍ على هذا أنَّ صلاحَ الدِّينِ كان دائمًا ما يقولُ في ملأٍ من النَّاسِ: (‌لا ‌تظنُّوا ‌أنِّي ‌ملَكتُ ‌البلادَ ‌بسيوفِكم، بل بقَلَمِ الفاضِلِ!) [8] يُنظَر: ((مرآة الزمان في تواريخ الأعيان)) لسبط ابن الجوزي (22/82)، ((المحارات والمحاورات)) للسيوطي (ص: 259). . وقد وَصَف الشُّعَراءُ والكُتَّابُ تلك المعارِكَ في أعمالِهم الأدبيَّةِ وصفًا دقيقًا؛ فهي تُعَدُّ سِجِلًّا من السِّجِلَّاتِ التَّاريخيَّةِ التي تَنقُلُ لنا صورةَ هذه الحِقبةِ الزَّمنيَّةِ. فأصبَح الشِّعْرُ حينَئذٍ مرآةً مجلوَّةً لهذا العَصرِ، تمثِّلُ ما فيه من أحداثٍ بشَفافيةٍ مُطلَقةٍ [9] يُنظَر: ((في التراث والشعر واللغة)) لشوقي ضيف (ص: 57). .

انظر أيضا: