موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: مَدرسةُ الدِّيوانِ


تُعَدُّ مَدرَسةُ الدِّيوانِ مِن أبرَزِ حَرَكاتِ التَّجْديدِ في الشِّعْرِ العَرَبيِّ الَّتي ظَهَرت في القَرْنِ العِشْرينَ الميلادي على يَدِ عَبَّاس محمود العَقَّاد وإبراهيم المازني وعبد الرَّحمن شُكري، وسُمِّيت بهذا الاسمِ نِسبةً إلى كِتابِ الدِّيوانِ الَّذي ألَّفَه إبراهيمُ المازني وعبَّاس العقَّاد، ووضَعَا فيه مبادِئَ مَدرستِهم وأُسُسَ فِكْرِهم.
كانت هذه المدرسةُ نَموذجًا للتأثُّرِ الواعي بالثَّقافةِ الغَربيَّةِ؛ فإنَّهم لم يتأثَّروا بالثَّقافةِ الفَرنسيَّةِ فحسب كما كان ذلك عندَ بَعضِ شُعَراءِ مَدرسةِ الإحياءِ والبَعْثِ، كالباروديِّ وشوقي وغَيرِهما، وإنَّما اهتَمُّوا كذلك بالأدَبِ الإنجليزيِّ اهتِمامًا كبيرًا، كما ألَمَّت بالأدَبِ الألمانيِّ والإيطاليِّ، والإسبانيِّ والرُّوسيِّ واليونانيِّ، إلَّا أنَّها صَبَّت اهتِمامَها على الأدَبِ الإنجليزيِّ، الَّتي استفادت مِن نَقْدِه أكثَرَ مِمَّا استفادت مِن شِعْرِه.
وقد جاءت أبرَزُ مَلامِحِ مَنهَجِهم في أنَّ الشِّعْرَ تَعبيرٌ عن الذَّاتِ والعاطِفةِ، وليس مجَرَّدَ أداةِ وَصْفٍ للكائِناتِ والحَيَواناتِ. ومِن هنا ثاروا على شُعَراءِ الكِلاسيكيَّةِ القَديمةِ الَّذين اهتَمُّوا بمُجاراةِ القُدَماءِ دونَ الاهتِمامِ برُوحِ الشَّاعِرِ وتأثُّرِه بما حَولَه، وقد صبُّوا جامَ نَقْدِهم على أحمَد شوقي، وأنكَروا أن يكونَ أميرًا للشُّعَراءِ؛ ولهذا قال العَقَّادُ في حقِّ شوقي: (اعلَمْ أيُّها الشَّاعِرُ العَظيمُ أنَّ الشَّاعِرَ مَن يَشعُرُ بجَوهَرِ الأشياءِ، لا مَن يُعَدِّدُها ويُحصي أشكالَها وألوانَها، وأنْ ليست مَزِيَّةُ الشَّاعِرِ أن يقولَ لك عن الشَّيءِ ماذا يُشبِهُ، وإنَّما مَزِيَّتُه أن يقولَ ما هو، ويَكشِفَ لك عن لُبابِه وصِلةِ الحياةِ به، وليس هَمَّ النَّاسِ مِن القَصيدِ أن يَتَسابَقوا في أشواطِ البَصَرِ والسَّمْعِ، وإنَّما هَمُّهم أن يَتعاطَفوا ويُودِعَ أحسُّهم وأطبَعُهم في نَفْسِ إخوانِه زُبدةَ ما رآه وسَمِعَه، وخُلاصةَ ما استطابه أو كَرِهَه، وإذا كان كَدُّك من التَّشْبيهِ أن تَذكُرَ شَيئًا أحمَرَ ثمَّ تَذكُرَ شَيئَينِ أو أشياءَ مِثْلَه في الاحمِرارِ، فما زِدْتَ على أن ذَكَرْتَ أربَعةَ أو خَمْسةَ أشياءَ حَمراءَ بَدَلَ شَيءٍ واحِدٍ، ولكِنَّ التَّشبيهَ أن تَطبَعَ في وِجْدانِ سامِعِك وفِكْرِه صُورةً واضِحةً ممَّا انطبَعَ في ذاتِ نَفْسِك ... وصَفوةُ القَولِ أنَّ المحَكَّ الَّذي لا يُخطِئُ في نَقْدِ الشِّعْرِ هو إرجاعُه إلى مَصْدَرِه؛ فإن كان لا يَرجِعُ إلى مَصدَرٍ أعمَقَ مِنَ الحواسِّ فذلك شِعرُ القُشورِ والطِّلاءِ، وإن كُنتَ تَلمَحُ وَراءَ الحواسِّ شُعورًا حَيًّا ووِجْدانًا تعودُ إليه المحسوساتُ كما تعودُ الأغْذِيةُ إلى الدَّمِ ونَفَحاتُ الزَّهْرِ إلى عُنصُرِ العِطْرِ، فذلك شِعرُ الطَّبْعِ القَويِّ والحقيقةِ الجَوهريَّةِ. وهناك ما هو أحقَرُ مِن شِعرِ القُشورِ والطِّلاءِ، وهو شِعرُ الحَواسِّ الضَّالَّةِ والمَدارِكِ الزَّائِفةِ) [832] ((الديوان)) للعقاد والمازني (ص: 20). .
وقد صرَّح شُكري بهذا في قَولِه:
وللأشجارِ أوتارٌ وناياتٌ وعِيدانْ
ألَا يا طائِرَ الفِرْدَوسِ إنَّ الشِّعْرَ وِجْدانْ
وفي شَدْواك شِعْرُ النَّفْسِ لا زُورٌ وبُهْتانْ [833] ((ديوان عبد الرحمن شكري/ أناشيد الصبا)) (ص: 191).
وقد سبَقَهم إلى هذه الدَّعَواتِ الشَّاعِرُ خَليل مُطران الَّذي اعتَنى بالجانِبِ الوِجْدانيِّ للشَّاعِرِ ودعا إلى التَّعبيرِ عن نَفْسِ الشَّاعِرِ ومَشاكِلِه، وحَرَص على الخُروجِ مِن أسْرِ الأنماطِ الشِّعْريَّةِ المتَكَرِّرةِ، وأنَّ العِبرةَ في جَودةِ الشِّعْرِ ليست في جمالِ البَيتِ في ذاتِه فحَسْبُ، وإنَّما في جمالِه في مَوضِعِه كذلك.
مِن أبرَزِ خَصائِصِ مَدرَسةِ الدِّيوانِ:
1. اعتِبارُ الشِّعْرِ قِيمةً إنسانيَّةً لا قيمةً لِسانيَّةً تَفقِدُ مَزاياها إذا انتَقَلَت مِن لُغةٍ إلى أُخرى.
2. اعتِبارُ القَصيدةِ بِنيةً حَيَّةً، لا قِطَعًا مُتناثِرةً، وهو ما كان العَقَّادُ فَصَّل فيه القَولَ حينَ شبَّهَها بالتِّمثالِ الَّذي يَكتَمِلُ بأعضائِه، بحيث إذا اختَلَف الوَضْعُ أو تغَيَّرَت النِّسْبةُ أخَلَّ ذلك بوَحْدةِ الصَّنْعةِ وأفسَدَها.
3. الشِّعْرُ تعبيرٌ عن النَّفْسِ، والشَّاعِرُ الَّذي لا يُعَبِّرُ عن نَفْسِه بحيثُ لا تَستطيعُ أن تتمَثَّلَه مِنْ شِعْرِه ولا تتعَرَّفَ على طَبائِعِه، فليس بشاعِرٍ، وإنَّما هو إلى التَّنسيقِ أقرَبُ منه إلى التَّعْبيرِ.
4. توجيهُ الشِّعْرِ إلى الذِّهْنِ والفِكْرِ قَبْلَ الوِجْدانِ.
5. التمَرُّدُ على الأساليبِ القَديمةِ الموروثةِ عن الشِّعْرِ القديمِ، سواءٌ في الشَّكْلِ أو في المَضْمونِ.
6. التَّجْديدُ الشِّعْريُّ في الموضوعاتِ.
7. التَّأثُّرُ بالأدَبِ الغَربيِّ تأثُّرًا شديدًا، حتَّى وَصَل في بَعضِ الأحيانِ إلى السَّرِقةِ.
8. الجَمْعُ بَيْنَ الثَّقافَتَينِ العَرَبيَّةِ والغَربيَّةِ.
9. الاهتِمامُ بالجانِبِ الفِكْريِّ عِندَهم؛ ممَّا أدَّى إلى غَلَبةِ الجانِبِ الفِكْريِّ على العاطِفةِ.
10. الاستِعانةُ بمَدرَسةِ التَّحْليلِ النَّفْسيِّ.
11. التوَجُّهُ نحوَ الشِّعْرِ الوِجْدانيِّ.
12. مُراعاةُ وَحْدةِ القَصيدةِ الموضوعيَّةِ والفَنِّيَّةِ والمَعْنويَّةِ.
13. ظُهورُ مَسْحةٍ مِنَ الحُزنِ والألَمِ والتَّشاؤُمِ واليأسِ في شِعْرِهم.
14. التَّركيزُ على عُنصُرِ الخَيالِ بشَكلٍ كَبيرٍ.
15. استِخْدامُ لُغةٍ عَصْريَّةٍ، والابتِعادُ عن لُغةِ قَصائِدِ الفُحولِ القُدامى.
16. التَّأثُّرُ بالمَدْرَسةِ الرُّومانسِيَّةِ الإنجليزيَّةِ مِن حَيثُ تَجديدُ وَظيفةِ الشِّعْرِ وأهدافِه.
17. استِخدامُ الصُّوَرِ الشِّعْريَّةِ المُبتَكَرةِ وغَيرِ المُتَكَلَّفةِ، والمُنسَجِمةِ بَعْضُها مع بَعْضٍ.
التَّعريفُ بشُعَراءِ مَدْرَسةِ الدِّيوانِ:
1- العَقَّادُ
هو: عَبَّاسُ بنُ مَحمودِ بنِ إبراهيمَ بنِ مُصطفى العَقَّادُ.
وُلِدَ العَقَّادُ سَنةَ 1889م في أُسْوان، لأُسرةٍ مُتوَسِّطةِ الحالِ، وقد اختَلَف إلى الكُتَّابِ مُنذُ نَشْأتِه، ثم الْتَحَقَ بالمَدْرَسةِ الابتِدائيَّةِ، وتخَرَّج فيها سنة 1903م، وكان آيةً في الذَّكاءِ والمَوْهبةِ الأدَبيَّةِ، وقد عَرَضَ على محمَّد عَبدُه بَعْضَ أبياتِه الشِّعْريَّةِ، فقال: هذا طِفلٌ له مُستَقْبَلٌ.
اكتفى العَقَّادُ بالدِّراسةِ الابتِدائيَّةِ، وآثَرَ أن يُكمِلَ تَعليمَه بنَفْسِه عن طَريقِ القِراءةِ الحُرَّةِ، وعَمِل فَترةً بالسِّكَّةِ الحَديدِ، ثمَّ بوِزارةِ الأوقافِ، لكِنَّه تَرَك ذلك وانطَلَق إلى القاهِرةِ للبَحْثِ عن عَمَلٍ في الصِّحافةِ.
ارتَبَط العَقَّادُ بصَداقةٍ مع المازني الَّذي عرَّفه بَعدَ ذلك على عَبدِ الرَّحمن شُكري، وتوطَّدت أواصِرُ الصَّداقةِ بَيْنَهم، وطبع شُكري والمازني دِيوانَيهما، وكتب العَقَّادُ مُقَدِّمةَ كُلِّ دِيوانٍ مِنْهما، وحينَئِذٍ ظهرت مَلامِحُ مَدْرَستِهم النَّقْديَّةِ؛ حيث هاجَموا مَدْرسةَ الإحياءِ والبَعْثِ لِمُجاراتِهم القُدَماءَ والسَّيرِ على مِنوالِهم في التَّعْبيرِ والأغراضِ واللُّغةِ، فهاجم العَقَّادُ شوقي، كما هاجَم المازني حافِظًا.
بعد ذلك طبع العَقَّادُ ديوانَه، وتعَرَّفَ على سَعْد زغلول، وأصبح كاتِبَ الوَفْدِ وشاعِرَه، وقد أوصَلَتْه كِتاباتُه السِّياسيَّةُ إلى أن يُحكَمَ عليه بالسَّجْنِ تِسعةَ أشهُرٍ؛ لأنَّه عرَّض بالمَلِكِ فُؤادٍ، وبعد خُروجِه مِنَ السِّجْنِ نَشَرَ كِتابَه "عالَم السُّجون والقُيود"، وديوانَه "وَحْيُ الأربَعينَ"، ثثمَّ اتجه بَعْدَ ذلك إلى كِتابةِ التَّراجِمِ والسِّيَرِ، فكتب عَبقريَّاتِه المعروفةَ، وهي كُتُبُ: "عَبْقريَّةُ مُحمَّدٍ، عَبقريَّةُ المَسيحِ، عَبْقريَّةُ أبي بَكرٍ، عَبْقريَّةُ عُمَرَ، عَبْقريَّةُ عُثمانَ، عَبْقريَّةُ عَلِيٍّ"، كما كَتَب في الموضوعاتِ العامَّةِ، مِثْلُ كِتابِه: "إِبْليس"، "عقائِدُ المفَكِّرينَ في القَرْنِ العِشْرين" ...
وقد تُوُفِّي العَقَّادُ رحمه اللهُ سَنةَ 1964م في القاهِرةِ، ودُفِنَ في أُسوان [834] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (3/ 266)، ((الأدب العربي المعاصر في مصر)) لشوقي ضيف (ص: 136). .
ومِن شِعْرِه: قَصيدةُ "حَظُّ الشُّعَراءِ"
مُلوكٌ فأمَّا حالُهم فعَبيدُ
وطَيرٌ ولكِنَّ الجُدودَ قُعودُ
أقاموا على مَتْنِ السَّحابِ فأَرْضُهم
بَعيدٌ وأقطارُ السَّماءِ بَعيدُ
مجانِينُ تاهوا في الحَياةِ فوَدَّعوا
رَواحةَ هذا العَيْشِ وهو رَغيدُ
وما ساء حَظُّ الحالِمينَ لو انَّهم
تدومُ لهم أحلامُهم وتَجودُ
فوارَحْمَتا للظَّالِمينَ نُفوسَهم
وما أنصَفَتْهم صُحبةٌ وجُدودُ
ويَذْرونَ مِن مَسِّ العَذابِ دُموعَهم   
فيُنظَمُ منها جَوهَرٌ وعُقودُ
بَني الأرضِ كم من شاعِرٍ في ديارِكم
غَبينٌ وغَبنُ الشَّاعِرينَ شَديدُ
بني الأرضِ أَوْلى بالحياةِ جَميلةً
مُحِبٌّ عليها مِن حُلاهِ نضُودُ
محبٌّ تُناجيه بأسرارِ قَلْبِها
ومَهْما تُرِدْ في العَيشِ فهو يُريدُ
على أنَّه قد يَبلُغُ السُّؤلَ خاطِبٌ
خَلِيٌّ ويُزوَى عن هَواه عَميدُ
بَني الأرضِ لا تَنْضُوا له السَّيفَ إنَّه
يُذادُ عن الدُّنيا وليس يَذودُ
أريدَ به للنَّاسِ خَيرٌ فلم يَزَلْ
به عَمَهٌ عن نَفْسِه وشُرودُ
تجَمَّعَت الأضدادُ فيه فحِكْمةٌ
وحُمقٌ وقَلْبٌ ذائِبٌ وجُمودُ
حُماداه صَبْرٌ في الحياةِ وإنَّما
هي النَّارُ تَخْبو ساعةً وتَعودُ
مُقيمٌ على عَرْشِ الطَّبيعةِ حاضِرٌ
ولكِنَّه بَيْنَ الأنامِ فَقيدُ
إذا جال بالعَينَينِ فالكَونُ بَيْتُه
فإنْ مَدَّ بالكَفَّينِ فهو طَريدُ
وأقصى مُناه في الحياةِ نَهارُه
وأدنى مُناه في المماتِ خُلودُ
يرى الغَيبَ عن بُعدٍ فمُقبِلُ عَهْدِه
قَديمٌ وماضيه القَديمُ جَديدُ
إذا عاش في بأسائِه فهو مَيِّتٌ
وإن مات عاش الدَّهْرَ وهْوَ شَهيدُ
شَقاوتُه في الشِّعْرِ وهو هَناؤُه
وليس له عن حالَتَيه مَحِيدُ
جُنونٌ أحَقُّ النَّاسِ طُرًّا بهَجْرِه
أُولو الفَهْمِ لو أنَّ الفُهومَ تُفيدُ [835] ((ديوان من دواوين)) لعباس العقاد (ص: 15).
2- عبد الرَّحمنِ شُكري
هو: عَبدُ الرَّحْمنِ محمَّد شُكري عَيَّاد، وُلِدَ سَنةَ 1886م لأُسرةٍ مَغربيَّةِ الأصلِ، غَيْرَ أنَّها استقَرَّت في القاهِرةِ، أَولى الأبُ ابنَه عَبدَ الرَّحمنِ عِنايةً خاصَّةً؛ فقد كان الوَلَدَ الوَحيدَ الَّذي عاش لأبيه مِن بَيْنِ سائِرِ إخوانِه وأخواتِه، فاهتَمَّ به اهتِمامًا خاصًّا، وعلَّق عليه آمالَه، فألحَقَه بالكُتَّابِ، ثمَّ بالمَدْرَسةِ الابتِدائيَّةِ فالثَّانَويَّةِ، وقد كان لأبيه نَزعةٌ أدَبيَّةٌ حَرَص على غَرْسِها في ابنِه، فكان يَصِلُ ابنَه بعَبدِ اللهِ نَديم والشَّيخِ حَمزة فتح الله، كما كان يَعرِضُ على وَلَدِه مُؤَلَّفاتِ العَصْرِ، خاصَّةً كِتابَ "الوَسيلة الأدَبيَّة" للمرْصَفيِّ، فنَمَت في وَلَدِه بوادِرُ المَوهِبةِ الشِّعْريَّةِ مُبكِّرًا.
الْتَحَق عَبدُ الرَّحمنِ بكُلِّيَّةِ الحُقوقِ، ثمَّ تَرَك الحُقوقَ وتوَجَّه إلى كُلِّيَّةِ الآدابِ، وتخَرَّج فيها، واهتَمَّ بدِراسةِ الأدَبِ العَرَبيِّ، وأعطى أولَويَّةَ اهتِمامِه لكِتابِ الأغاني للأصفَهانيِّ، وديوانِ الحَماسةِ لأبي تمَّامٍ، وديوان الشَّريفِ الرَّضيِّ، كما دَرَس الأدَبَ الغَربيَّ مُتمَثِّلًا في كِتابِ "الذَّخيرة الذَّهَبيَّة"، وفيها أروَعُ أشعارِ الإنجليزِ.
وفي تلك المدَّةِ كان يَكتُبُ في صَحيفةِ "الجَريدة" الَّتي كان يَكتُبُ فيها أحمد لُطفي السَّيِّد، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وغيرهم، ومَقالاتُه فيها تدُلُّ على فَهْمِه النَّقْدَ والشِّعْرَ وَفْقًا لآراءِ الغَربيِّينَ ومَناهِجِهم.
بَعْدَ ذلك صدر ديوانه الأوَّلَ "ضَوءُ الفَجْرِ"، ثمَّ سافر في بَعثةٍ إلى إنجِلْترا، وبَعْدَها عاد وعُيِّنَ في وِزارةِ التَّربيةِ والتَّعليمِ مُعَلِّمًا في إحدى مَدارِسِ الإسكَندريَّةِ، ثمَّ تعَرَّف بَعْدَها على العَقَّادِ وبدأ عَمَلَه النَّقْديَّ وَفْقَ مَدْرَسةِ الدِّيوانِ الَّتي أسَّسها مع صاحِبَيه العَقَّاد والمازني، وتوالى نَشْرُ قَصائِدِه في مجلَّاتِ الهِلالِ والمُقتَطَفِ والرِّسالةِ والثَّقافةِ، فضلًا عن صَحيفَتَي الأهرامِ والمُقَطَّم، إلى أن مات في الإسكَنْدريَّةِ سَنةَ 1958م.
ويتمَيَّزُ شِعْرُ عَبدِ الرَّحمن شُكري بتعَدُّدِ القوافي وتجديدِ بُحورِ الشِّعْرِ، كما أنَّه لم يَحفِلْ بشِعرِ المناسَباتِ، وليس في ديوانِه قَصيدةُ مَدْحٍ، وإنَّما فيها رِثاءُ لبعضِ المشهورةِ، وهو رِثاءٌ مِن نَوعٍ جَديدٍ، يقتَصِرُ فيه الشَّاعِرُ على التَّفْكيرِ في الحياةِ والموتِ.
ويَغلِبُ على شِعْرِه طابَعُ الحُزنِ والأسَى والإحساسِ بالألمِ، كما قد مال إلى الشِّعْرِ النَّفْسيِّ، فقيلَ عنه: شاعِرُ التَّأمُّلِ الذَّاتيِّ، والاستِبْطانِ النَّفْسيِّ [836] يُنظر: ((الأدب العربي المعاصر في مصر)) لشوقي ضيف (ص: 129)، ((الأدب العربي الحديث)) لمسعد العطوي (ص: 95). .
ومِن شِعْرِه:
يا ريحُ هيَّجْتِ قَلْبًا شَجْوُه وارِي
كما تُهِيجينَ عودَ الغابِ بالنَّارِ
يا ريحُ رِفقًا بقَلْبٍ هِجْتِ لَوْعَتَهُ
يا رِيحُ أفشَيْتِ أشْجاني وأسراري
كم قد نَسِيتُ شُجونًا نارُها خَمَدَت
فهِجْتِ قَلْبي بإِغراءٍ وإِذكارِ
يا رِيحُ أيُّ زَئيرٍ فيكِ يُفْزِعُنِي
كما يَروعُ زَئيرُ الفاتِكِ الضَّاري
يا رِيحُ أيُّ أنينٍ حنَّ سامِعُه
فهل بُلِيتِ بِفَقْدِ الصَّحْبِ والجارِ؟
يا رِيحُ ما لكِ بَيْنَ الخَلْقِ مُوحِشةً
مِثْلَ الغَريبِ غَريبِ الأهْلِ والدَّارِ!
أمْ أنْتِ ثَكْلى أصاب المَوتُ واحِدَها
تَظَلُّ تَبْغي يدَ الأقدارِ بالثَّارِ؟
يا رِيحُ ما لَكِ من إِلْفٍ فُجِعْتِ بهِ
مِثْلي ولا لكِ آمالي وأوْطاري
يا رِيحُ كمْ لكِ مِن نَفْعٍ يَجيءُ به
حَدْوَ السَّحابِ بصَوبٍ منه مِدْرارِ
وهَبَّةٌ مِنكِ تُحْيي النَّفْسَ مِن عُرُضٍ
بنَفْحةٍ مِن شَذَى الأزهارِ مِعْطارِ
يا رِيحُ فيكِ جُنونُ النَّفْسِ يُفزِعُني
إذا سَطَوْتِ بعَصْفٍ منكِ إِعصارِ
يا لَيتَ نَفْسيَ رِيحٌ لَفَح لافِحَها
يُطَهِّرُ الكَونَ مِن شَرٍّ وأشرارِ
وتَنشُرُ الخَيرَ نَثْرَ البَذْرِ يَحمِلُه
نَسْمُ الرِّياحِ على زَهْرٍ وأثمارِ
أو لَيْتَ لي فيكِ نَفْسًا حُرَّةً أبَدًا
الكَونُ بَيْتي وما أهْفو به داري
هيهاتَ ما لكِ فيما شِئْتِ مُنطَلَقٌ
تجري الرِّياحُ بأحكامٍ ومِقْدارِ
أو لَيْتَ أنَّ جَناحًا منكِ يُسْعِدُني
كيما أطيرُ إِلى أفنانِ أَشْجارِ              
فأُنشِدُ الشِّعرَ كالغَريدِ في فَنَنٍ
وتَحْمِلينَ أغاريدي وأشْعاري
يا رِيحُ هل أنتِ طَيرٌ طائِرٌ أبَدًا
أَمَا تَقَرِّينَ في رَوضٍ وأوكارِ؟
يا رِيحُ يا صِنْوَ نَفْسٍ طالَما شَقِيَتْ
قد خان نَفْسيَ أحبابي وأنصاري
فلَيْتَها مَلِكٌ في الجوِّ دَولتُه
في جَحْفَلٍ من جُنودِ الرِّيحِ جَرَّارِ
أشكو إِليكِ هُمومَ العَيْشِ قاطِبةً
شَكْوى الضَّعيفِ لبادي البَطْشِ مِغْوارِ
يا رِيحُ ما لَكِ مِن عَطْفٍ ولا مِقَةٍ
فما حُنُوِّي لقاسي القَلْبِ جَبَّارِ
لا تَسألينَ عن الحادي وحِكْمَتِه
ولا تَنوحِينَ مِن صَولاتِ أقْدارِ
وليس يَعنيك لا سُؤْلٌ ولا سَبَبٌ
فليتَ مِثْلَكِ إِيرادي وإِصداري [837] ((ديوان عبد الرحمن شكري)) (ص: 288).
ومنه قَصيدةُ شَكْوى:
حياةٌ كدَمْعِ العَينِ أمَّا مَذاقُها
فمُرٌّ، وأمَّا وَقْعُها فوَجيعُ
وإِنَّ الأمانيَّ الَّتي أنا ناشِدٌ
فقاقيعُ، طَرْفي نَحْوَهنَّ نَزُوعُ
تَقَدَّمَنِي في النَّاسِ مَنْ لم يُجارِني
وأخَّرَني أنَّ الذَّكاءَ يَروعُ
وأخَّرَني أنَّ اللَّبيبَ مُحسَّدٌ
على فِطْنةٍ يَعْصي بها ويُطيعُ
كأنِّي بجاري النَّهْرِ صَخرٌ تجوزُه ال
مياهُ وما للجارياتِ رُجوعُ
يمرُّ لِداتي واحِدًا بَعْدَ واحِدٍ
أمامي، وعَيْشي في الهَوانِ يَضيعُ
وأوْجَعُ ذُلِّ النَّفْسِ طاعةُ سائِدٍ
تعَلَّى، وقِدْمًا كان وهْو مُطِيعُ
أيَخْشَونَ مِنِّي خُلَّةً عَبقريَّةً
فيَغْلو مَقالٌ أو يُسوءُ صَنيعُ؟
ويَبْغونَ ألَّا يُجتَلَى البَرْقُ في الدُّجى
بعَينٍ ولا طِيبُ النَّسيمِ يَضوعُ؟
فيا نَفْسُ صَبْرًا إِنَّما العَيْشُ لَوعةٌ
وما للَّذي يُشْقِي القَضاءُ شَفيعُ
وإِنَّ حَياةَ الطَّامِحينَ عواصِفُ ال
شِّتاءِ وعَيشَ القانِعينَ رَبيعُ [838] ((ديوان عبد الرحمن شكري)) (ص: 300).
3- المازِني
هو: إبراهيمُ بنُ عَبدِ القادِرِ المازنيُّ، وُلِدَ إبراهيمُ سَنةَ 1890م، لأُسرةٍ مُتدَيِّنةٍ فَقيرةٍ؛ إذ كان أبوه محامِيًا شَرعيًّا، بَيْدَ أنَّه لم يَلْبَثْ أن تُوُفِّيَ في سِنِي إبراهيمَ الأُولى، فتولَّت أمُّه تَربيتَه، وألحَقَتْه بالمَدْرَسةِ الابتِدائيَّةِ، ثمَّ المَدْرَسةِ الخِدِيويَّةِ، وكان قد طَمَح أن يَدرُسَ الطِّبَّ، غَيْرَ أنَّه لم يَستَطِعْ أن يتمالَكَ قُواه في غُرفةِ التَّشْريحِ، فخَرَّ مَغْشيًّا عليه، فأراد أن يَدرُسَ الحُقوقَ، غَيْرَ أنَّ ضِيقَ ذاتِ يَدِه عدَلَت به عنها إلى مَدْرَسةِ المعَلِّمينَ العُلْيا، وفيها عَرَف عبدَ الرَّحمن شُكري، وتعَلَّما معًا اللُّغةَ الإنجليزيَّةَ، كما ظهَرَت في المازني آياتُ النُّبوغِ الأدَبيِّ، فقد عَكَف على الكُتُبِ الأدبيَّةِ، مِثْل كُتُبِ الجاحِظِ، وكِتابِ الأغاني للأصفَهانيِّ، والكامِلِ للمُبَرِّدِ، وأمالي أبي علي القالي، كما أدمَنَ قِراءةَ دواوينِ الشُّعَراءِ الكِبارِ؛ مِثْلُ: المتنَبِّي، وابنِ الرُّومي، ومِهْيارٍ، والشَّريفِ الرَّضِيِّ، وغَيرِهم.
وقد كانت مَقالاتُه وقَصائِدُه تُنشَرُ له في صَحيفةِ الجَريدةِ الَّتي كان يَكتُبُ فيها أيضًا صَديقُه شُكْري، ولَمَّا تخَرَّج في تلك المَدْرَسةِ الْتَحَق بالتَّدريسِ، فكان أُستاذًا للتَّرجمةِ، وكان يُعْنَى بتَدريسِ الأدَبِ لطُلَّابِه، فكان يُترجِمُ لهم قِطَعًا مِن (كَليلة ودِمْنة) إلى الإنجليزيَّةِ، كما كان يُترجِمُ لهم مِنَ الإنجليزيَّةِ عُيونَ القَصائِدِ والمقالاتِ.
والمتأمِّلُ في شِعْرِ المازني يجِدُه يُشبِهُ تمامًا شِعْرَ شُكري؛ ليس فيه سياسةٌ ولا وَطَنيَّةٌ ولا دَعَواتٌ اجتِماعيَّةٌ، وإنَّما هو تَجرِبةٌ نَفْسيَّةٌ تامَّةٌ، تُفيضُ بالألَمِ والكآبةِ، والتَّفكيرِ في النَّفْسِ والحياةِ الإنسانيَّةِ ومَتاعِسِ البَشَريَّةِ.
ومع كَثرةِ قِراءةِ المازنيِّ في الأدَبِ الغَربيِّ وتمَعُّنِه في الشِّعْرِ والنَّثْرِ الإنجليزيِّ، وجد نَفْسَه كاتبًا ساخِرًا، يَستخِفُّ بالحياةِ وما فيها ومَن فيها؛ فترك التَّدْريسَ وعمل في الصِّحافةِ إلى أن مات في سَنةِ 1949م [839] يُنظر: ((الأدب العربي المعاصر في مصر)) لشوقي ضيف (ص: 261)، ((الأدب العربي الحديث)) لمسعد العطوي (ص: 95). .
ومِن شِعْرِه قَصيدةُ ثَوْرةِ النَّفْسِ:
أخا ثِقَتي كَمْ ثارت النَّفْسُ ثَورةً
تُكَلِّفُني ما لا أُطيقُ مِنَ المَضِّ
وهل أنا إلَّا رَبُّ صَدْرٍ إذا غلا
شَعَرْتُ بمِثْلِ السَّهْمِ مِن شِدَّةِ النَّبْضِ

لَبِسْتُ رِداءَ الدَّهْرِ عِشرينَ حِجَّةً
وثِنْتَينِ يا شوقي إلى خَلْعِ ذا البُرْدِ
عُزوفًا عن الدُّنيا ومَن لم يجِدْ بها
مُرادًا لآمالٍ تعَلَّلَ بالزُّهْدِ

تُراغِمُني الأحداثُ حتَّى كأنَّني
وُجِدْتُ على كَرْهٍ مِنَ الحِدْثانِ
فلا هي تُصْمي القَلْبَ منها إذا رَمَتْ
ولا تَرْعَوي يومًا عن الشَّنآنِ

أبِيتُ كأنَّ القَلْبَ كَهْفٌ مُهَدَّمٌ
برأسٍ مُنيفٍ فيه للرِّيحِ مَلعَبُ
أوَ انِّيَ في بَحرِ الحوادِثِ صَخْرةٌ
تُناطِحُها الأمواجُ وهْي تُقْلَبُ

أدورُ بعَينٍ حَيَّرَ العَيْشُ لَحْظَها
وأرجِعُها مُحْمَرَّةً كالشَّقائِقِ
كأنَّ فُؤادي بَيْنَ سَجْوٍ وتَرْحةٍ
أديمٌ تُفَرِّيه أكُفُّ الحَوالِقِ [840] ((ديوان المازني)) (ص: 76).
4- إدريس جمَّاع
هو إدريسُ محمَّد جمَّاع، وُلِد سَنةَ 1340ه / 1922م، بمدينةِ (حلفاية المُلوك) في السُّودانِ، ونشأ بها، وعَمِل معلِّمًا بعِدَّةِ مَواقِعَ في السُّودانِ، ثمَّ هاجر إلى مِصرَ طلبًا للعِلمِ، وتخرَّج في كُلِّيَّةِ دارِ العُلومِ، وزاد بأن نال دُبلومَ مَعهَدِ المُعَلِّمينَ العالي، وعاد للسُّودانِ وعَمِل مدرِّسًا للُّغةِ العربيَّةِ، وتوفِّيَ سنة 1980م  [841]يُنظَر: ((تكملة معجم المؤلفين)) لمحمد خير رمضان (ص76). .
شِعرُه:
قال في قصيدةِ (الفَجرِ المُرتَقَبِ)  [842]((ديوان لحظات باقية)) (ص52). الرَّمَل:
أمَّةٌ للمَجدِ والمجدُ لها
وثبَتْ تَنشُدُ مُستقبَلَها
روِّ نفسي من حديثٍ خالدٍ
كُلَّما غنَّت به أثمَلَها
مِن هوَى السُّودانِ مِن آمالِه
مِن كفاحٍ نارَهُ أشعلَها
أيُّها الحادي انطلِقْ واصعَدْ بِنا
وتخيَّرْ في الذُّرَى أطولَها
نحن قومٌ ليس يُرضِي هَمَّهم
أن ينالوا في العُلا أسهَلَها
وقريبًا يُسفِرُ الأفْقُ لنا
عن أمانٍ لم نعِشْ إلَّا لَها
إنَّه الفَجرُ الذي يَصبو له
كلُّ ملهوفٍ تمنَّى نَيْلَها
لكأنِّي بالعَذارى نهضَتْ
وبناءُ الجيلِ أمسَى شُغْلَها
بِهَوى السُّودانِ غنَّتْ لحنَها
وقال في قصيدةِ (الصَّدى الخالِدُ)  [843]((ديوان لحظات باقية)) (ص111- 112). مجزوء الكامل المرفل: 
أمسيتِ أصداءً وذِكرَى
يا لحظةً بالخُلدِ أَحْرَى
ما كُنتِ إلَّا صَفحةً
فاضتْ عليَّ سَنًا وبِشْرَا
نفَحَتْ كعاطِرةِ الوُرودِ
وقصَّرَتْ عن تلك عُمْرا
ضاعَت ولكِنْ خلَّفَتْ
نفسًا على الأيَّامِ حَسْرَى
لكِ يا قَضارِفُ رَوعةٌ
تركَتْ شِعابَ النَّفسِ سَكْرَى
قامَت حوالَيْكِ الهِضابُ
فأظهَرتْ تِيهًا وكِبْرا
زفَّتْ مِنَ الأفُقِ البَعيدِ
لأعيُنِ الرُّوادِ بُشرَى
زَرقاءُ تحسَبُ أنَّها
غَيمٌ تجمَّعَ بعدَ مَسْرَى
حتَّى إذا انحسَرَ القِناعُ
 تجسَّمَتْ للعَينِ صَخْرا
جِئْنا وأطيارُ الخَريفِ
 صوادِحٌ يَبْنينَ وَكْرا
والصَّيفُ آذَنَ بالرَّحيلِ
فودَّعَ الأيامَ سِرَّا
والأرضُ حالِمةٌ تخَبِّئُ
للخَريفِ ندًى وعِطْرا
حتَّى إذا حيَّا غَدًا
واختالَ بينَ رُباكِ نَضْرا
أفضَى إلى مجرَى السَّرابِ
فرَدَّهُ للماءِ مَجرَى
وتفتَّقَتْ بينَ المروجِ
حياتُهُ عُشبًا وزهْرَا
وقال في قصيدةِ (لَحَظاتُ الحياةِ)  [844]((ديوان لحظات باقية)) (ص118). الخفيف:
لحَظاتُ الحياةِ لَحنٌ يُغَنِّيه
شُعوري على خُطا الأزمانِ
غَيرَ أنِّي لا أسمَعُ اليومَ إلَّا
نَغَمًا في مَتاهةِ الأحزانِ         
ونماءُ الوُرودِ عِنديَ كالأزْهارِ
حولَ التَّابوتِ والأكفانِ
جَفَّ عن نفسيَ النَّدى وتلمَّسْتُ
هَشيمًا من ذابِلاتِ الأماني
ويَنابيعُ قوَّتي لم تَزَلْ تَزخَرُ
تحتَ الهَجيرِ بالجَرَيانِ
لتُعِيدَ الصَّفوَ النَّدِيَّ بنَفسي
وتُغذِّي منابِتَ الرَّيحانِ
ولِتَسريَ فيها النَّضارةُ كالنَّشوةِ
تُحيي الحياةَ في الإنسانِ
فحَفيفُ الأوراقِ ينتَظِمُ النَّبتَ
ويكسو عواريَ الأغصانِ
وكُؤوسُ العَبيرِ تحتَضِنُ النَّفحةَ
كالسُّكْرِ كامنًا في الدِّنانِ
هي نَفسي من الطَّبيعةِ والنَّاسِ
 وممزوجةٌ مع الأكوانِ
ليس هذا الوُجودُ عنديَ أشكالًا
 ولكِنْ مشاعِرٌ ومَعانِ
والحياةُ الحياةُ أن أرمُقَ الدُّنيا
وأمشي كالجَدولِ النَّشوانِ
تارةً صاخبًا وحينًا أغنِّي
في صفاءٍ مُسلسَلٍ جَذْلانِ
ناعِمَ النَّفسِ دائبًا في جِهادِ العُمْرِ
كالنَّحلِ في ارتشافِ المَجاني
وهي قصيدةٌ تتجَلَّى فيها خصائِصُ مَدرَسةِ الدِّيوانِ بشَكلٍ واضحٍ؛ من حيثُ اتجاهُهم إلى الشِّعرِ الوِجدانيِّ.

انظر أيضا: