موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الخامِسَ عَشَرَ: أبو عُبَيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّامٍ (ت: 224 هـ)


أبو عُبَيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّامِ بنِ عبدِ اللهِ، الهَرَوِيُّ، الأزْدِيُّ الخُزَاعِيُّ بالولاءِ، الخُرَاسَانِي البَغْدَادِيُّ، الإمامُ الحافِظُ، النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ، المُقْرِئُ، ذُو الفُنونِ.
مَولِدُه:
وُلِدَ بهَراةَ سنةَ سبعٍ وخمسينَ ومِائةٍ، وقيل: سَنةَ أربعٍ وخمسينَ ومِائةٍ.
مِن مشايخِه:
عَلِيُّ بنُ حَمْزةَ الكِسَائِيُّ، واليَزِيدِيُّ، والفَرَّاءُ، وأبو عُبَيدةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى، وأبو عَمْرو الشَّيْبَانِيُّ، والأصْمَعِيُّ، وأبو زَيْدٍ الأنْصَاريُّ.
ومِن تَلامِذَتِه:
نَصْرُ بنُ دَاوُدَ بنِ طَوْق، ومُحَمَّدُ بنُ إسْحَاقَ الصَّاغَانِي، والحَسَنُ بنُ مُكْرَم.
مَنزِلتُه ومكانتُه:
كان القَاسِمُ بنُ سَلَّامٍ رحمه الله إمامًا في النَّحوِ والعَرَبيَّةِ، فقيهًا عالِمًا بالقراءاتِ، حافظًا للحديثِ وعَلَلِه، خَبِيرًا بغَرِيبِه، دَيِّنًا وَرِعًا جَوَادًا، وكان مؤدِّبًا.
وَلِيَ قضاءَ طَرَسُوس أيَّام ثَابِتِ بنِ نَصْر بنِ مَالِك، وقَدِمَ بغْداد، ففسَّر بها غَريبَ الحَدِيث، وصنَّف كُتُبًا، وسَمِع النَّاسُ منه.
وقال إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحَربيُّ: أدركتُ ثلاثةً لن يُرى مِثلُهم أبدًا تَعجِزُ النِّساءُ أن يلِدْن مِثلَهم؛ رأيتُ أبا عُبَيدٍ القاسمَ بنَ سلَّامٍ، ما مثَّلْتُه إلَّا بجبَلٍ نُفِخ فيه رُوحٌ...
عَقيدتُه:
قال أحمَدُ بنُ كاملِ بنِ خَلَفٍ القاضي: (كان أبو عُبَيدٍ فاضلًا في دينِه، وفي عِلْمِه، ربانيًّا، مُفْتيًا في أصنافٍ مِن عُلومِ الإسلامِ؛ من القُرآنِ، والفِقهِ، والأخبارِ، والعَرَبيَّةِ، حَسَنَ الرِّوايةِ، صَحيحَ النَّقْلِ، لا أعلَمُ أحدًا من النَّاسِ طعَن عليه في شيءٍ من أمرِه ودِينِه) [162] ينظر: ((تهذيب الأسماء واللغات)) للنووي (2/ 258)، ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (4/ 60). .
وأثنى عليه أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ فقال: (أبو عُبَيدٍ! أبو عُبَيدٍ ممَّن يزدادُ عندنا كُلَّ يومٍ خَيرًا) [163] ينظر: ((تهذيب الكمال في أسماء الرجال)) للمزي (23/ 358). .
وقال ابنُ حِبَّانَ عنه: (كان أحَدَ أئِمَّةِ الدُّنيا، صاحِبَ حَديثٍ وفِقهٍ ودينٍ ووَرَعٍ، ومَعرِفةٍ بالأدَبِ وأيَّامِ النَّاسِ، ممَّن جمع وصَنَّف واختار، وذبَّ عن الحديثِ ونَصَرَه، وقَمَع من خالَفَه وحاد عنه) [164] ينظر: ((الثقات)) لابن حبان (9/ 17). .
وقال أبو المظَفَّرِ الإسْفِرايِينيُّ: (وكذلك لم يكُنْ في أئِمَّةِ الأدَبِ أحَدٌ إلَّا وله إنكارٌ على أهلِ البِدعةِ شَديدٌ، وبُعْدٌ مِن بِدَعِهم بعيدٌ، مِثْلُ: الخَليلِ بنِ أحمَدَ، ويُونُسَ بنِ حَبيبٍ، وسِيبَوَيهِ، والأخفَشِ، والزَّجَّاجِ، والمُبَرِّدِ، وأبي حاتِمٍ السِّجِسْتانيِّ، وابنِ دُرَيدٍ، والأزهَريِّ، وابنِ فارِسٍ، والفارابيِّ، وكذلك مَن كان مِن أئمَّةِ النَّحْوِ واللُّغةِ، مِثْلُ: الكِسائيِّ، والفَرَّاءِ، والأصمَعيِّ، وأبي زَيدٍ الأنصاريِّ، وأبي عُبَيدةَ، وأبي عَمرٍو الشَّيبانيِّ، وأبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلامٍ. وما منهم أحَدٌ إلَّا وله في تصانيفِه تَعَصُّبٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وردٌّ على أهلِ الإلحادِ والبِدعةِ) [165] ينظر: ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)) للإسفراييني (ص: 188). .
وقد أثبَتَ في مُصَنَّفاتِه صَحيحَ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ فمِن ذلك قَولُه: (اعلَمْ -رحمك اللهُ- أنَّ أهلَ العِلمِ والعنايةِ بالدِّينِ افتَرَقوا في هذا الأمرِ فِرقَتَينِ:
فقالت إحداهما: الإيمانُ: بالإخلاصِ لله بالقُلوبِ، وشَهادةِ الألسِنةِ وعَمَلِ الجوارِحِ.
وقالت الفِرْقةُ الأُخرى: بل الإيمانُ بالقُلوبِ والألسِنةِ، فأمَّا الأعمالُ فإنَّما هي تقوى وبِرٌّ، وليست مِنَ الإيمانِ.
وإنَّا نظَرْنا في اختِلافِ الطَّائِفَتَينِ فوجَدْنا الكِتابَ والسُّنَّةَ يُصَدِّقانِ الطَّائِفةَ التي جعَلَت الإيمانَ بالنِّيَّةِ والقَولِ والعَمَلِ جميعًا، ويَنْفيان ما قالت الأُخْرى) ثمَّ ساق الأدِلَّةَ والحُجَجَ على ذلك [166] ينظر: ((الإيمان)) للقاسم بن سلام (ص: 10). . ومنه قَولُه: (وإنَّ الذي عِندَنا في هذا البابِ كُلِّه أنَّ المعاصِيَ والذُّنوبِ لا تُزيلُ إيمانًا، ولا تُوجِبُ كُفرًا، ولكِنَّها إنما تنفي من الإيمانِ حقيقَتَه وإخلاصَه الذي نَعَت اللهُ به أهلَه، واشتَرَطه عليهم في مواضِعَ مِن كتابِه ...) [167] ينظر: ((الإيمان)) للقاسم بن سلام (ص: 78). . ومنه كذلك قَولُه: (وفى هذا الحديثِ تكذيبٌ لِقَولِ «المعتَزِلة» الذين يقولون: إنَّ أعمالَ العِبادِ ليست بمَخلوقةٍ) [168] ينظر: ((غريب الحديث)) للقاسم بن سلام ط الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية (5/ 146). .
من أقوالِه:
- المُتَّبِعُ السُّنَّةَ كالقابِضِ على الجَمْرِ، هو اليَومَ عِندي أفضَلُ مِن ضَرْبِ السَّيفِ في سَبِيلِ اللهِ.
- مَثَلُ الألْفاظِ الشَّرِيفةِ والمَعاني الظَّرِيفةِ، مَثَلُ القَلائدِ اللَّائحةِ في التَّرائبِ الواضِحةِ.
- إنِّي لَأتبيَّنُ في عقْل الرجُلِ أن يدَع الشَّمسَ ويمشيَ في الظِّلِ.
- عاشرتُ النَّاسَ وكَلَّمتُ أهلَ الكلامِ، فما رأيتُ قومًا أَوْسَخَ وَسَخًا ولا أضعَفَ حُجَّةً من الرَّافِضةِ، ولا أحمَقَ منهم، ولقد وُلِّيتُ قضاءَ الثَّغْر فَنَفَيْتُ ثلاثةً؛ جَهْمِيَّيْنِ ورافضيًّا، أو رافِضِيَّيْنِ وجَهْميًّا.
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((القراءات))، وكتاب: ((غريب الحديث))، وكتاب: ((النَّاسخ والمنسوخ))، وكتاب: ((غريب المصنَّف)).
وفاتُه:
تُوفِّي رحمه الله بمكةَ سَنةَ أربعٍ وعِشرينَ ومائَتَينِ [169] يُنظر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (7/ 355)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 199)، ((تاريخ العلماء النحويين)) للتَّنُوخي (ص 197)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 109)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (5/ 2198)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (3/ 12)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (4/ 60)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/ 490)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (14/ 268)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 233)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 253) .

انظر أيضا: