موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّالث: أبو مُحَمَّد اليَزِيدِي (ت: 202 هـ)


أبو مُحَمَّد يَحْيَى بن المُبَارَك بن المُغِيرَة، العَدَوي مولاهم، البَصْري، النَّحْويُّ اللُّغَويُّ، المُقْرِئ، المَعْرُوف باليَزِيدِي.
مِن مشايخِه:
أبو عمرو بن العَلَاء المَازِنِي، والخَلِيل بن أحمد، وابن أبي إسْحَاق الحَضْرَمِي، وابن جُرَيْج.
ومِن تَلامِذَتِه:
ابنه مُحَمَّدٌ، وأبو عُبَيد القَاسِمُ بنُ سَلَّام، وإسحاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ المَوْصِلِيُّ، وأبو عمرو الدُّورِي، وأبو شُعَيب السُّوسِي.
سَبَبُ تَسْمِيَتِه باليَزِيدِي:
سُمِّي باليَزِيدِي؛ لأنه صَحِب يزيدَ بنَ منصورٍ -خالَ المهديِّ- يُؤدِّب وَلَدَه، فَنُسِب إليه.
مَنزِلتُه ومكانتُه:
كان اليَزِيدِي صحيحَ الرِّواية، ثِقةً صدوقًا، أحد القُرَّاء الفُصَحَاء العَالِمين بلُغَة العَرَب والنَّحْو، وله شِعْرٌ جامعٌ وأدبٌ، وكان الغايةَ في قراءةِ أبي عمرِو بنِ العلاءِ، وبروايتِه يقرأُ أصحابُه، وكان التعويلُ عليه دون سائِرِ أصحابِ أبي عمرٍو -وإن كانوا أَجَلَّ منه-؛ لأجْلِ أنه انْتَصَب للرِّواية عنه وتجَرَّد لها، ولم يشتغِلْ بغيرِها، وهو أضبَطُهم.
وكان مع ذلك أديبًا شاعرًا مجيدًا، وكان في أيامِ الرَّشِيد مع الكِسَائِي ببغداد يُقْرِئان النَّاسَ في مسجدٍ واحدٍ.
وهو الذي قام على تأديبِ المأمون. وقد سأله المأمونُ مرَّةً عن شيءٍ، فقال له: لا، وجعلني اللهُ فِدَاءَك يا أميرَ المؤمنين!، فقال: لِلَّهِ دَرُّكَ! ما وُضِعَت واوٌ قَطُّ موضعًا أحَسْنَ مِن مَوْضِعِها في لَفْظِك هذا، ووصَلَه وحَمَله.
وكان الخَلِيلُ بنُ أحمدَ يُحِبُّه ويُكْرِمُه؛ فقد دخَل اليَزِيدِيُّ على الخَلِيل يومًا وعنده جماعةٌ، وهو جَالِسٌ على وِسَادَة فأوسع له، فجلس معه اليَزِيدِيُّ على وِسَادَته؛ فقال له اليَزِيدِي: أحسبني قد ضَيَّقْتُ عليك! فقال الخَلِيل: ما ضَاق شيءٌ على اثنينِ مُتَحَابَّين، والدُّنيا لا تَسَعُ مُتَبَاغِضَيْن.
أولادُه:
كان لليَزِيدِي خمسةُ بنين كلُّهم عُلماءُ أدباءُ شُعراءُ، رواةٌ للأخبارِ، وكلُّهم ألَّف في اللُّغَة والأَدَب، وهم: مُحَمَّد، وإبراهيمُ، وإسماعيلُ، وعبدُ اللهِ، وإسحاقُ.
عَقيدتُه:
ذكَرَت المصادرُ أنَّه كان مَيَّالًا لمذهَبِ المعتزلةِ [102] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (6/ 2828)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (4/ 36). ، ونَسَب له أبو سعيدٍ السِّيرافيُّ أبياتًا قالَها للمأمونِ، تَتجلَّى فيها عَقيدتُه الاعتزاليَّةُ، يقولُ [103] ينظر: ((أخبار النحويين البصريين)) للسيرافي (ص: 37). :
يا أيُّها المَلِكُ المُوَحِّدُ رَبَّهُ
 قاضِيك بِشرُ بنُ الوليدِ حِمارُ
يَنْفي شَهادةَ مَن يَدينُ بما به
 نطَقَ الكتابُ وجاءتِ الآثارُ
ويَعُدُّ عدْلًا مَن يقولُ إلهُه
شَبَحٌ تُحِيطُ بجِسمهِ الأقدارُ
عندَ المَرِيسِيِّ اليقينُ بِرَبِّه
 لوْ لم يَشُبْ تَوحيدَه إجبارُ
لَكِنَّ مَن جمَع المحاسنَ كلَّها
 كَهلٌ يُقال لشَيخِهِ مِرْدَارُ
فجعَلَ المأمونَ مُوَحِّدًا على حدِّ زعمِهم أنَّ التوحيدَ نفيُ الأسماءِ والصِّفاتِ، وسَبَّ بِشرَ بنَ الوليدِ القاضيَ حين ردَّ شَهادةَ أهلِ الأهواءِ من المعتزلةِ وغيرِهم، وتَهكَّم على أهلِ السُّنَّةِ حين أثْبَتوا للهِ ما أثبَتَ لنفسِه، وأشادَ ببِشرٍ المريسيِّ المُعتزليِّ، وامتدَحَ نفْسَه حين أخَذَ عن زعيمُ الطَّائفةِ المِرْداريَّةِ المُعتَزليَّةِ.
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((النَّوادِر))، وهو كتابٌ في اللغةِ على مثالِ ((نوادر الأصمعي))، وكتاب: ((المَقْصُور والمَمْدُود))، وكتاب: ((النَّحْو))، وكتاب: ((نَوادِر اللُّغَة))، وكتاب: ((النَّقْط والشَّكْل)).
وَفاتُه:
تُوفِّي ببَغْدَادَ، وقِيل: بمَرْوٍ، سنةَ اثنتينِ ومائتينِ، وله أربعٌ وسبعون سنةً [104] يُنظَر: ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 69)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (6/ 2827)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (4/ 31)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (6/ 183)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (9/ 562)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 304)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 340). .

انظر أيضا: