موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ السَّادِسُ: أبو عَمْرو الشَّيْبَانِي (ت: 206 هـ)


أبو عَمْرو إِسْحَاقُ بن مِرَار، الشَّيْبَانِي الكُوفِي، النَّحْويُّ اللُّغَويُّ، المُقْرِئ، المفسِّر.
مِن مشايخِه:
أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ، والمُفَضَّل الضَّبِّي.
ومِن تَلامِذَتِه:
الإمامُ أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ، وأبو عُبَيدٍ القَاسِمُ بنُ سَلَّام، والإمامُ ثَعْلَب، وابنُه عَمرٌو، ويعقوبُ بنُ السِّكِّيتِ.
سَبَب تَسْمِيَتِه بالشَّيْبَانِي:
قيل: إنَّه ليس مِن شَيبَان، بل أدَّب أولادًا منهم؛ فنُسِب إِلَيْهِم، كما نُسِب اليَزِيدِي إِلَى يزِيد بن مَنْصُور حِين أدَّب وَلَده.
مَنزِلتُه ومكانتُه:
كَانَ أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِي راويةَ أهل بَغْدَاد، وَاسِعَ العِلْم باللُّغَة وَالشِّعْر، ثِقَةً فِي الحَدِيث، كثيرَ السَّماع، نبيلًا فَاضلًا، عَالِمًا بكَلَام العَرَب، مُوثًّقًا فيما ينقُلُه، حَافِظًا لِلُغاتها، عُمِّر طَويلًا، وقد لَازمه الإِمَامُ أحمدُ بنُ حَنْبَل رحمه الله ورَوَى عنه.
وقال ثعلبٌ: كان مع أبي عَمرٍو الشَّيبانى من العلم والسَّماع أضعافُ ما كان مع أبي عُبَيدةَ.
وقد جمع أبو عَمرٍو أشعارَ العَرَبِ ودوَّنها؛ قال ابنُه عَمرٌو: (لَمَّا جمع أبي أشعارَ العَرَب كانت نَيِّفًا وثمانين قَبيلةً، وكان كلَّما عَمِل منها قبيلةً وأخرجها إلى النَّاس، كَتَب مُصْحَفًا وجَعَلَه في مسجِدِ الكُوفَة، حتى كتب نَيِّفًا وثمانين مُصْحَفًا بخَطِّه).
عَقيدتُه:
قال الذَّهَبيُّ في ترجمتِه: (كان صاحِبَ دينٍ ونزاهةٍ وصِدقٍ) [119] ينظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (5/ 30). .
وقد ذكَرَ المؤرِّخون أنَّهم إنما أخَذوا عليه شُرْبَه النَّبيذَ واستِهانَتَه بأمْرِه [120] ينظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (5/ 30). ، والمرادُ بالنَّبيذِ هنا ما كان مِن غَيرِ العِنَبِ؛ حيث ذَهَب الحَنَفيَّةُ -سوى محمَّدِ بنِ الحَسَنِ الشَّيبانيِّ- ومن وافَقَهم إلى أنَّ قَليلَه إذا كان لا يُسكِرُ فهو حَلالٌ؛ إذ العِبرةُ عِندَهم فيه بالإسكارِ لا العَينِ. وقَولُهم مرجوحٌ بعُمومِ النُّصوصِ النَّبَويَّةِ؛ حتى إنَّ متأخِّري الحَنَفيَّةِ أفتَوا بتحريمِ قَليلِه وكثيرِه مُطلَقًا، وهو قَولُ محمَّدِ بنِ الحَسَنِ الشَّيبانيِّ صاحِبِ أبي حنيفةَ كذلك [121] ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/47)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/352)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/168)، ((الفروع)) لابن مفلح (10/96). .
وقد أخَذَ عنه الإمامُ أحمدُ وكتَبَ عنه أماليَه، وهذا يدُلُّ على صِحَّةِ اعتقادِه؛ فإنَّ الإمامَ أحمدَ لم يكُنْ يُجالِسُ أحدًا مِن أهلِ البِدَعِ، قال ابنُ حَجرٍ: (كان عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ لا يَكتُبُ إلَّا عمَّن أَذِن له أبوهُ في الكتابةِ عنه، وكان لا يَأذَنُ له أنْ يَكتُبَ إلَّا عن أهلِ السُّنَّةِ، حتَّى كان يَمنَعُه أنْ يَكتُبَ عمَّن أجابَ في المِحنةِ) [122] ينظر: ((تعجيل المنفعة)) لابن حجر (1/ 258). .
وممَّا يُذكَرُ عنه في مُناظَرتِه المعتزِلةَ ومَن وافَقَهم في خلْقِ القرآنِ، أنَّه قال: (لَمَّا وَلِيَ إسماعيلُ بنُ حمَّادِ بنِ أبي حَنيفةَ القضاءَ، مَضَيتُ حتى دخَلتُ عليه، فقُلتُ: بَلَغني أنَّك تقولُ: القرآنُ كلامُ اللهِ وهو مَخلوقٌ، فقال: هذا دِيني ودِينُ آبائي، فقلتُ له: متى تَكلَّمَ بهذا؟ قبْل أنْ يَخلُقَه أو بعْدَما خلَقَه أو حينَ خَلَقه؟ قال: فما ردَّ علَيَّ حَرفًا، فقلتُ: يا هذا اتَّقِ اللهَ وانظُرْ ما تقولُ. ورَكِبتُ حِماري ورجَعتُ) [123] ينظر: ((السنة)) لعبد الله بن أحمد (1/ 228). .
وقال أبو المظَفَّرِ الإسْفِرايِينيُّ: (وكذلك لم يكُنْ في أئِمَّةِ الأدَبِ أحَدٌ إلَّا وله إنكارٌ على أهلِ البِدعةِ شَديدٌ، وبُعْدٌ مِن بِدَعِهم بعيدٌ، مِثْلُ: الخَليلِ بنِ أحمَدَ، ويُونُسَ بنِ حَبيبٍ، وسِيبَوَيهِ، والأخفَشِ، والزَّجَّاجِ، والمُبَرِّدِ، وأبي حاتِمٍ السِّجِسْتانيِّ، وابنِ دُرَيدٍ، والأزهَريِّ، وابنِ فارِسٍ، والفارابيِّ، وكذلك مَن كان مِن أئمَّةِ النَّحْوِ واللُّغةِ، مِثْلُ: الكِسائيِّ، والفَرَّاءِ، والأصمَعيِّ، وأبي زَيدٍ الأنصاريِّ، وأبي عُبَيدةَ، وأبي عَمرٍو الشَّيبانيِّ، وأبي عُبَيدٍ القاسِمِ بنِ سَلامٍ. وما منهم أحَدٌ إلَّا وله في تصانيفِه تَعَصُّبٌ لأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وردٌّ على أهلِ الإلحادِ والبِدعةِ) [124] ينظر: ((التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)) للإسفراييني (ص: 188). .
مُصنَّفاتُه:
مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((الجيم))، وهو مُعْجَمٌ لُغَوِيٌّ مُرَتَّبٌ حَسَبَ الترتيبِ الهِجائيِّ، وكتاب: ((غريب الحديث))، وكتاب: ((أشعار القبائل))، وكتاب: ((النَّوَادِر)).
وفاتُه:
تُوفِّي رحمه الله ببغداد سنة سِتٍّ ومائَتَينِ، أو عشرٍ ومائَتَينِ، أو ثلاثَ عشرة ومائَتَينِ [125] يُنظَر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (6/ 104)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 194)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 77)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (2/ 625)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (1/ 256)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (5/ 30)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 439)، ((الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة)) لمجموعة باحثين (1/ 470) .

انظر أيضا: