الفَصلُ الثَّامِنُ: حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ (ت: 167 هـ)
                                        
                                    
                                    
                                        أبو سَلَمَةَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ بنِ دِينَارٍ البَصْريُّ، الإمامُ النَّحْوِيُّ، أحدُ الأعلامِ، مَوْلَى بن تَمِيم، ويُقال: مَوْلَى قُرَيشٍ، شيخُ أهلِ البَصْرةِ في الحَدِيثِ والعَرَبِيَّةِ والفِقْهِ.
مَولِدُه:وُلِد سَنةَ (91) تقريبًا.
مِن مشايخِه:ابنُ أبي مُلَيكَة، وثَابِتٌ البُنَانيُّ، وعِيسَى بنُ عُمَرَ، والخَلِيلُ بنُ أحمدَ، وقرأ على 
عَاصِمٍ و
ابنِ كثيرٍ.
ومِن تَلامِذَتِه:ابنُ جُريَجٍ، و
ابنُ المُبَارك، ويحيى القَطَّان، ويونس النحوي، و
سيبويه.
مَنزِلتُه ومكانتُه:كان رحمه اللهُ رأسًا في العَرَبيَّة، فَصيحًا بليغًا، كَبِيرَ القدْر، زَاهِدًا حُجَّةً، صَاحبَ سُنةٍ؛ روى له 
مسلمٌ والأربعةُ، ولَمَّا كَبِر سَاء حفْظُه.
قيل ليُونُسَ النَّحْويِّ: أيُّهما أسَنُّ؛ أنت أم حمَّادٌ؟ فقال: هو أسنُّ مني، ومنه تعلَّمتُ العَربيَّةَ. وقد أنشد أبو محمَّدٍ يحيى بنُ المبارَكِ اليَزيديُّ: 
يا طالِبَ النَّحْوِ ألا فابْكِه
بَعْدَ 
أبي عَمرٍو وحَمَّادِ 
 [37] ينظر: ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (1/ 365).  عَقيدتُه:كان رَحِمه اللهُ صاحبَ سُنَّةٍ، شَدِيدًا على المبْتدِعةِ؛ قال 
يحيى بن مَعِينٍ رحمه الله: (إذا رأيتَ إنسانًا يقَعُ في عِكْرِمَة وحَمَّادِ بنِ سَلَمَة؛ فاتهِمْه في الإسلامِ) 
 [38] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (7/ 447).  .
وقال 
عليُّ بنُ المَدِينِيِّ: (مَن تكلَّم في حمَّادِ بنِ سَلَمةَ فاتَّهِموهـ) 
 [39] ينظر: ((الكامل في ضعفاء الرجال)) لابن عدي (3/ 38)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (4/ 343).  .
وقال 
أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ رحمه اللهُ: (إذا رأيتَ الرَّجُلَ يغمِزُ حَمَّادَ بنَ سَلَمَة، فاتهِمْه على الإسلامِ؛ فإنَّه كان شديدًا على المبتَدِعةِ) 
 [40] ينظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (4/ 343).  .
وقال 
الذَّهبيُّ: (كان رَحِمه اللهُ مِن أئمَّةِ السُّنَّةِ، لَهِجًا ببَثِّ آياتِ الصِّفاتِ، رأسًا في العِلمِ والعمَلِ) 
 [41] ينظر: ((العلو للعليِّ الغفار)) للذهبي (ص: 141).  .
قال أبو نَصرٍ السِّجزيُّ: (وأئمَّتُنا -ك
سُفيانَ و
مالكٍ، والحمَّادَين، و
ابنِ عُيَينةَ، و
الفُضَيلِ، و
ابنِ المُبارَكِ، و
أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، و
إسحاقَ- مُتَّفِقون على أنَّ اللهَ سُبحانه فوْقَ العرشِ، وعِلمَه بكلِّ مكانٍ، وأنَّه يَنزِلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا، وأنَّه يَغضَبُ ويَرْضى، ويَتكلَّمُ بما شاءَ) 
 [42] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (17/ 656).  .
وقال 
عبدُ اللهِ ابنُ الإمامِ أحمَدَ: (حَدَّثني أبي، نا أبو سَلَمةَ الخُزاعيُّ، قال: قال 
مالكٌ، وشَريكٌ، وأبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ، وعبدُ العزيزِ بنُ أبي سَلَمةَ، وحمَّادُ بنُ سَلَمةَ، وحمَّادُ بنُ زَيدٍ: «الإيمانُ: المعرفةُ والإقرارُ والعملُ» 
 [43] ينظر: ((السُّنَّة)) لعبد الله بن أحمد (1/113).  .
رُوِيَ عنه أنَّه حدَّث أصحابَه بحديثِ نُزولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى، ثمَّ قال: (مَن رأيتُموه يُنكرُ هذا فاتَّهِموهـ) 
 [44] ينظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (7/ 451).  .
مَنْهَجُه:عُرِفَ عن حمَّادِ بنِ سَلَمةَ رَحِمه اللهُ التَّشديدَ على تعَلُّمِ النَّحْوِ؛ فقد رُوِيَ عنه أنَّه قال: (مَثَلُ الذي يَطلُبُ الحَديثَ ولا يَعرِفُ النَّحْوَ مَثَلُ الحِمارِ عليه مِخْلاةٌ ليس فيها شَعيرٌ) 
 [45] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (3/ 1199)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (1/ 364).  .
وقد كان هذا المنهَجُ سَبَبًا في أن يتعَلَّمَ 
سِيبَوَيهِ النَّحْوَ ويَصيرَ إمامًا في العَرَبيَّةِ واللُّغةِ؛ فقد كان 
سِيبَوَيهِ يَطلُبُ الحَديثَ عِندَ حَمَّادٍ، فكان 
سِيبَوَيهِ يَسْتَمْلي عليه، فقال حمَّادٌ: (قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: 
((ما مِن أحَدٍ مِن أصحابي إلَّا مَن لو شِئْتُ لأَخَذْتُ عنه عِلْمًا ليس أبا الدَّرْداءِ))) فقال 
سِيبَوَيهِ: ليس أبو الدَّرداءِ. فقال له حمَّادٌ: (لحَنْتَ يا 
سِيبَوَيهِ؛ ليس أبا الدَّرْداءِ)، فقال: لا جَرَمَ لأطلَبُنَّ عِلمًا لا تُلَحِّنُني فيه أبدًا. فطَلَب النَّحْوَ ولَزِمَ الخَليلَ بنَ أحمَدَ حتى بلَغَ منه ما بلَغَ 
 [46] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (3/ 1199).  .
وجاء 
سِيبَوَيهِ إلى حمَّادِ بنِ سَلَمةَ فقال له: أَحَدَّثَكَ هِشامُ بنُ عُروةَ عن 
أبيه في رَجُلٍ رَعُفَ في الصَّلاةِ؟ فقال: أخطَأْتَ؛ إنَّما هو "رَعَفَ"، فانصرف إلى الخَليلِ بنِ أحمَدَ فشكا إليه ما لَقِيَه مِن حمَّادٍ، فقال: صدَقَ حَمَّادٌ. أَلِمِثْلِ حمَّادٍ يُقالُ هذا؟ 
 [47] ينظر: ((معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)) لياقوت الحموي (3/ 1199).  .
وفاتُه:تُوفِّي بالبَصْرةِ سنةَ سَبعٍ وستينَ ومائةٍ 
 [48] يُنظَر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (7/ 282)، ((التاريخ الكبير)) للبخاري (3/ 22)، ((الثقات)) لابن حبان (6/ 216)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (3/ 1198)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (1/ 329)، ((تهذيب الكمال)) للمزي (7/ 263، 267)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (7/ 444)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 94)، ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص 117)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 548).  .