موسوعة اللغة العربية

الفَرْعُ الثالثُ: جوازُ كَسرِ هَمزةِ (إنَّ) وفَتْحِها


يجوزُ كَسرُ همزةِ (إنَّ) وفتحُها في مواضِعَ:
1- أن تَقعَ بعْدَ (إذا) الفُجائيَّة، نَحوُ: «خرجتُ فإذا إنَّ / أنَّ زيدًا قائمٌ» فمن كسَرَها جعلها جملةً، والتقديرُ: خرجت فإذا زيدٌ قائِمٌ، ومَن فتحها جعَلَها مع صلتها مصدرًا، وهو مُبتَدَأٌ خَبَرُه (إذا) الفجائيَّةُ، والتقدير: فإذا قيامُ زيدٍ، أي: ففي الحَضرةِ قيامُ زيدٍ، ويجوز أن يكونَ الخَبَرُ محذوفًا، والتقديرُ: خرجت فإذا قيامُ زيدٍ موجودٌ.
2- أن تقَعَ في موقعِ التَّعليلِ باللامِ الجارَّةِ المُقَدَّرةِ، نَحوُ قَولِه تعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور: 28] «إنَّه» قُرِئَت بكَسرِ الهَمزةِ وفَتْحِها قرأ أبو جعفر ونافع والكسائي (نَدْعُوهُ أَنَّهُ) بفتح الهمزة، وقرأ الباقون نَدْعُوهُ إِنَّهُ بكسر الهمزة. يُنظَر: ((المبسوط في القراءات العشر)) لأحمد بن الحسين بن مِهْران النيسابوري (ص: 416). .
3- أن تَقعَ بَعْدَ فاءِ الجزاءِ الواقعةِ في صَدرِ جَوابِ الشَّرْطِ، مِثلُ: مَن يأتِني فإنَّه مُكْرَمٌ، فالكَسرُ على جَعلِ (إنَّ) ومعْمولَيها جُملةً أُجِيب بها الشَّرْطُ، فكأنَّه قال: من يأتِني فهو مُكْرَمٌ، والفَتحُ على جَعلِ (أنَّ) وصِلَتِها مصدرًا مُبتَدَأً، والخَبَرُ محذوفٌ، والتقديرُ: مَن يأتِني فإكرامُه موجودٌ، ويجوزُ أن يكون خَبَرًا، والمُبتَدَأُ محذوفًا، والتقديرُ فجزاؤُه الإكرامُ، ومنه قَولُه تعالى: مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 54] ، قُرِئَ بالفَتحِ والكَسرِ.
4- أن تقَعَ جَوابًا لقَسَمٍ مَذْكورٍ فِعلُه فأما إذا لم يُذكَرْ فِعلُ القسَم فلا يجوز إلا الكسر، مثل: واللهِ إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ. وليس في خَبَرها اللامُ، نَحوُ: أقسمتُ أنَّ / إنَّ الإسلامَ سيَعْلو.
ومنه قَولُ الشَّاعِرِ: من الرجز:
أو تحلِفِي بربِّك العَلِيِّ
أنِّي أبو ذيَّالِكِ الصَّبِيِّ
ففي قَولِه: «أَنِّي» يجوزُ كَسرُ الهَمزةِ وفَتحُها، ووجهُ الفَتحِ على تأويلِ: «أنَّ» مع اسِمها وخَبَرها بمصدرٍ مجرورٍ بحَرفِ جَرٍّ محذوفٍ، والتقديرُ: أو تحْلِفي على كَونِي أبًا لهذا الصَّبيِّ، ووجهُ الكَسرِ اعتبارُ «إنَّ» واسمِها وخَبَرها جملةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ جوابُ قَسَمٍ، ووجهُ جوازِ هذين الوَجهَينِ في هذا الموضِعِ أنَّ القَسَمَ يستدعي جوابًا لا بُدَّ أن يكون جملةً، ويستدعي محلوفًا عليه يكونُ مفُرَدًا، ويتعدَّى له فِعلُ القَسَمِ بـ(على)، فإن قدَّرْتَ "أنَّ" بمصدرٍ كان هو المحلوفَ عليه، وكان مفردًا مجرورًا بـ(على) محذوفةٍ، وإنْ قدَّرتَ "إنَّ" جملةً فهي جوابُ القَسَمِ.
5- إذا وقعت (إنَّ) بعد مُبتَدَأٍ هو في المعنى قولٌ أي: ما يدُلُّ دَلالتَه مِن غَيرِ لفظِه، مِثلُ: كلامٍ، لفظٍ، حديثٍ، قراءةٍ... ، وخَبَرُ (إنَّ) قولٌ، والقائِلُ واحِدٌ لا بُدَّ مِن اجتِماعِ الشُّروطِ الثَّلاثةِ، فإن لم يكنِ المُبتدَأُ قولًا أو ما في معناه وجَب الفَتحُ، نَحوُ: عَملي أنِّي أزرَعُ الحقلَ، ويجِبُ الكسرُ إن لم يكنْ خبَرُ "إنَّ" قولًا أو ما في معناه، مِثلُ كلمةِ: "مُستريح" في نَحوِ: قولي: إنِّي مُستريحٌ، أو لم يكنْ قائِلُ المُبتدَأِ وخبرِ "إنَّ" واحِدًا؛ فلا يتَساوى مدلولُ المُبتدَأِ والخبرِ، ولا يتوافَقانِ؛ نَحوُ: كلامي إنَّ المريضَ يصرُخُ. يُنظَرُ: ((النحو الوافي)) (1/ 655، 656). ، مِثلُ: خيرُ القَولِ إنِّي / أنِّي أحْمَدُ اللهَ. فالفتحُ على جَعلِ (أنَّ) وصِلَتِها مصْدرًا خَبَرًا عن (خيرُ)، والتقديرُ: خيرُ القولِ حمْدُ اللهِ، فـ(خَيرُ) مُبتَدَأٌ و(حمْدُ اللهِ) خَبَره، والكَسْرُ على جعْلِها جُملةً خبَرًا عن المُبتَدَأُ (خَيرُ)، فالفَرقُ في الإعرابينِ أنَّ في الأوَّلِ الخَبَرُ مصدَرٌ مُؤَوَّلٌ، وفي الثاني الخَبَرُ جُملةٌ يُنظَر: ((شرح ابن عقيل)) (1/ 350 - 362) ((همع الهوامع في شرح جمع الجوامع)) للسيوطي (1/ 498). .

انظر أيضا: