موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الأوَّلُ: موضوعُ الكتابِ


يتحدَّث الكتابُ عن ظاهرةٍ من ظواهِرِ اللُّغةِ المختلَفِ فيها، وهي ظاهرةُ "الإتباع"؛ والإتباعُ -كما عرَّفه ابنُ فارسٍ-: (أن تَتبَعَ الكَلِمةُ الكَلِمةَ على وزنِها أو رَوِيِّها؛ إشباعًا وتأكيدًا) [368] ((الصاحبي في فقه اللُّغة)) لابن فارس (ص: 209). ؛ ومنه قولُ العَرَبِ: سَاغِبٌ لَاغِبٌ؛ فالكلمتانِ على وزنٍ واحدٍ، ورَوِيُّهما الباءُ.
ويقترِنُ بظاهرةِ الإتباعِ ظاهرةُ التَّوكيدِ، ويختَلِفُ أهلُ اللُّغةِ في الظَّاهرتينِ على قولينِ:
الأوَّلُ: أنَّهما شيءٌ واحدٌ؛ فالإتباعُ والتَّوكيدُ لا فرقَ بينهما، وهذا قولُ الأقلِّيَّةِ؛ ينقُلُ السُّيوطيُّ عن ابنِ الدَّهَّانِ قولَه في الغُرَّةِ: (منه قِسمٌ يسمَّى الإتباعَ نحوُ: عَطْشان نَطْشان، وهو داخلٌ في حكمِ التَّوكيدِ عندَ الأكثرِ، والدَّليلُ على ذلك كونُه توكيدًا للأوَّلِ غيرَ مُبَيِّنٍ معنًى بنفسِه عن نفسِه) [369] ((المزهر)) للسيوطي (1/ 330). .
الثَّاني: أنَّه ثمَّةَ فَرقٌ بَينَ الإتباعِ والتَّوكيدِ؛ فالإتباعُ ما لم تدخُلْ فيه الواوُ؛ كقولِ العَرَبِ: عَطْشان نَطْشان، والتَّوكيدُ ما دخَلَت فيه الواوُ؛ كقولِ العَرَبِ: هو في حِلٍّ وبِلٍّ، وهو قولُ الأكثَريَّةِ؛ منهم أبو عُبَيدٍ، يقولُ في غريبِ الحديثِ: (وذلك أنَّ الإتباعَ لا يكادُ يكونُ بالواو) [370] ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (2/ 143). ، فالفارقُ بَينَ الإتباعِ والتَّوكيدِ وجودُ الواوِ.
على أنَّ أبا الطَّيِّبِ اللُّغويَّ اتَّخذ مذهبًا ثالثًا يدُلُّ على رسوخِ قدَمِه في اللُّغةِ ودقَّةِ فَهمِه لمسالِكِ وطُرُقِ العَرَبِ في كلامِها؛ ذلك أنَّه يجعَلُ الإتباعَ خاصًّا بالكَلِماتِ التي لا تختصُّ بمعنًى مُعَيَّنٍ إذا أُفرِدَت، ويجعَلُ التَّوكيدَ خاصًّا بالكَلِماتِ التي تختصُّ بمعنًى مُعَيَّنٍ إذا أُفرِدَت.
فمثلًا: من الإتباعِ قولُ العَرَبِ للشَّيءِ: إنَّه لَشَدِيدٌ أدِيدٌ؛ فكَلِمةُ (أديد) من الأَدِّ بمعنى القُوَّةِ لا تأتي مُنفردةً في الكلامِ؛ فتكونُ من الإتباعِ.
ويجعَلُ أبو الطَّيِّبِ من التَّوكيدِ قولَ العَرَبِ: بَلَدٌ عريضٌ أريضٌ؛ لأنَّ الأريضَ يُفرَدُ في الكلامِ؛ فالأريضُ: الحَسَنُ من النَّباتِ [371] يُنظر: ((المزهر)) للسيوطي (1/ 330، 331). .

انظر أيضا: