موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الأوَّلُ: مُؤسِّسُ مَدرَسةِ القافِيةِ


اخْتَلفَ العُلَماءُ في مُؤسِّسِ تلك المَدرَسةِ، بَيْنَ أبي بِشْرٍ البَنْدَنيجيِّ صاحِبِ التَّقْفيةِ (المُتوفَّى: 284هـ)، وبَيْنَ أبي إبْراهيمَ الفارابيِّ صاحِبِ دِيوانِ الأدَبِ (المُتوفَّى: 350هـ)، وبَيْنَ أبي نَصْرٍ الجَوهَريِّ صاحِبِ الصِّحاحِ، المُتوفَّى (393هـ). إلَّا أنَّ المُؤسِّسَ الفِعليَّ لِهذه المَدرَسةِ هو أبو نَصْرٍ الجَوهَريُّ؛ فإنَّ أبا بِشْرٍ البَنْدَنيجيَّ -وإنْ كان أسْبَقَ تاريخًا، وقدِ اعْتَمد على الحَرْفِ الأخيرِ في تَرْتيبِ ألْفاظِ كِتابِه- فإنَّه لم يُفرِّقْ بَيْنَ الحَرْفِ الأصْليِّ والمَزيدِ؛ فرتَّب الكَلِماتِ حسَبَ الحَرْفِ الأخيرِ مُطلَقًا، ولم يُرِدْ بكِتابِه أنْ يكونَ مُعجَمًا لُغَويًّا يَضُمُّ كَلِماتِ اللُّغةِ، وإنَّما أراد التَّيْسيرَ على الشُّعراءِ، فجمَع لهم ما يُريدونَه مِن كَلِماتِ القَوافي الَّتي يَحْتاجون إليها، كما أنَّه لم يَعْتَنِ بالحَرْفِ الأوَّلِ أوِ الثَّاني مِنَ الكَلِمةِ، وإنَّما اعْتَنى بحَرْفِ القافِيةِ فحسْبُ.
وأمَّا أبو إبْراهيمَ الفارابيُّ صاحِبُ دِيوانِ الأدَبِ، فهو خالُ الجَوهَريِّ، وقدِ اسْتفاد منه كَثيرًا، إلَّا أنَّ مُعجَمَ دِيوانِ الأدَبِ أصْغَرُ حَجْمًا، ولم يَسْتوعِبْ ما اسْتَوعبَه الجَوهريُّ، كما أنَّه لم يَرْمِ إلى أنْ يكونَ مُعجَمًا لُغويًّا شامِلًا لألْفاظِ اللُّغةِ ومَعانيها [149] ينظر: مقدمة ((الصحاح تاج اللُّغة وصحاح العَربيَّة)) لأحمد عبد الغفور عطار (ص: 13)، ((فقه اللُّغة: مفهومه، مَوضوعاته، قضاياه)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص: 348). .
فالفَضْلُ في هذه المَدرَسةِ يَرجِعُ إلى الجَوهَريِّ؛ لأنَّه هو الَّذي أنشَأها وشيَّد بُنيانَها؛ يقولُ الجَوهَريُّ عن كِتابِه وعن مَدْرستِه: ((فإنِّي قد أودَعتُ هذا الكِتابَ ما صحَّ عِندي مِن هذه اللُّغةِ الَّتي شرَّف اللهُ مَنزِلتَها، وجعَل عِلمَ الدِّينِ والدُّنيا مَنُوطًا بمَعْرِفتِها، على تَرْتيبٍ ‌لم ‌أُسبَقْ إليه، وتَهْذيبٍ لم أُغلَبْ عليه) [150] ((تاج اللُّغة وصحاح لعربية)) للجوهري (1/33). .

انظر أيضا: