موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الأوَّلُ: مَعاجِمُ ألْفاظِ القُرآنِ الكَريمِ


مِن أشْهَرِ أمْثِلةِ تلك المَعاجِمِ الدَّلاليَّةِ الخاصَّةِ: مَعاجِمُ ألْفاظِ القُرآنِ الكَريمِ.
ومِن أهمِّ المَعاجِمِ الدَّلاليَّةِ المُؤلَّفةِ في هذا البابِ كِتابُ (المُفرَدات في غَريب القُرآن) للرَّاغِبِ الأصْفَهانيِّ، فقد رتَّب الرَّاغِبُ مُفرَداتِ القُرآنِ باعْتِبارِ الحُروفِ الأُصولِ تَرْتيبًا هِجائيًّا، واتَّبَع في ذلك ما جَرتْ عليه المَعاجِمُ العامَّةُ مِن تَرْتيبِ الكَلِماتِ وَفقَ حُروفِها الأُصولِ.
وأوَّلُ مَنْ يُعزَى إليه كِتابٌ في غَريبِ القُرآنِ هو عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنه، وأغْلَبُ الظَّنِّ أنَّ هذا الكِتابَ كان يَضُمُّ بعضَ الأقوالِ الَّتي أدْلَى بها ابنُ عبَّاسٍ في تَفْسيرِ الغَريبِ مِنَ الألْفاظِ، وأنَّه لم يَكُنْ هو الَّذي دَوَّنها، بل دَوَّنَها عنه أصْحابُه، أو ربَّما جمَع بعضُ العُلَماءِ أقْوالَه في التَّفْسيرِ وجعَلها كِتابًا؛ إذْ لم يَنسُبْ أحدٌ مِن أصْحابِ كُتُبِ التَّراجِمِ هذا الكِتابَ لابنِ عبَّاسٍ، بل نسَبوا إليه تلك الأقْوالَ الَّتي في التَّفْسيرِ، على النَّحْوِ الَّذي نَجِدُه في سُؤالاتِ نافِعِ بنِ الأزْرَقِ الَّتي أورَدها السُّيوطيُّ في ((الإتْقان))، وغيرَها مِنَ الأقْوالِ الَّتي زخَرتْ بها كُتُبُ التَّفْسيرِ بالمَأثورِ.
ثمَّ اتَّسعَتْ حَرَكةُ التَّأليفِ في غَريبِ القُرآنِ، فإنْ كان العُلَماءُ في شكٍّ مِنَ الكِتابِ المَنْسوبِ لابنِ عبَّاسٍ، فإنَّا لا نَعدَمُ نَظيرَ هذا الكِتابِ في العَصْرِ الأوَّلِ؛ فنَجدُ أبانَ بنَ تَغْلِبَ المُتوفَّى سَنةَ (141هـ) قد ألَّف كِتابًا في غَريبِ القُرآنِ، ثمَّ ألَّف بعدُ في غَريبِ القُرآنِ مِنَ اللُّغويِّين الإمامُ الكِسائيُّ، وأبو فَيدٍ مُؤرِّجٌ السَّدوسيُّ، وأبو جَعْفَرِ بنِ المُقرِئِ، تِلميذُ ابنِ جُرَيجٍ. وإن لم تَصِلْ إلينا هذه الكُتُبُ فإنَّ أصْحابَ التَّراجِمِ ذكَروها في تَراجِمِ هؤلاء الأعْلامِ، فلعلَّها ضاعت فيما ضاع مِن تُراثِنا.
ومِن بعدِهم نهَضتْ حَرَكةُ التَّأليفِ في غَريبِ القُرآنِ نُهوضًا كَبيرًا؛ فألَّف فيه: اليَزيديُّ، والنَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ، وأبو عُبَيدةَ مَعْمَرُ بنُ المُثنَّى، والأصْمَعيُّ، والأخْفَشُ الأوسَطُ، وأبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سَلَّامٍ، ومُحمَّدُ بنُ سَلَّامٍ الجُمَحيُّ، ومُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ قادِمٍ الكُوفيُّ، وأبو عبدِ الرَّحمنِ عبدُ اللهِ بنُ أبي مُحمَّدٍ العَدَويُّ المَعْروفُ بابنِ اليَزيديِّ، وابنُ قُتَيْبَةَ، وثَعلَبٌ، ومُحمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ دِينارٍ الأحْولُ، وأبو جَعْفَرٍ أحْمَدُ بنُ مُحمَّدِ بنِ يَزدادَ الطَّبريُّ.
وقد فُقِدتْ هذه الكُتُبُ كلُّها سِوى ((غَريب ابنِ قُتَيْبَةَ))، ولكنْ ذكَرها لنا يَاقوتٌ الحَمَويُّ في ((مُعجَم الأدَباءِ))، وابنُ النَّديمِ في ((الفِهْرِسْت)) [33] يُنظر: ((المُعجَم العَربيُّ نشأته وتطوره)) لحسين نصار (1/33). .
واسْتمرَّتْ حَرَكةُ التَّأليفِ في غَريبِ القُرآن، ولم تَقِفْ على حُدودِ زمانٍ أو مَكانٍ مُعيَّنٍ، بل نهَضتْ جُلُّ العُصورِ والأزْمانِ بهذا النَّوعِ مِنَ المُعجَماتِ؛ لِما له مِن مَكانةٍ كَبيرةٍ عند المُسلِمينَ؛ لارْتِباطِه بكِتابِ اللهِ الَّذي هو حَبْلُ اللهِ المتينُ، وصِراطُه المُسْتقيمُ.
ومِنَ البَدَهيِّ أنْ تَرى اخْتِلافًا في مادَّةِ كلِّ مُؤلَّفٍ، وطَريقةِ اخْتِيارِه وحَصْرِه وبَيانِه لمَعاني تلك الكَلِماتِ؛ فإنَّ الأزْمانَ والأماكِنَ مُؤثِّرةٌ في ذلك؛ فما كان غَريبًا في قومٍ لم يَكُنْ كذلك عند جِيرانِهم، وربَّما كانتِ الكَلِمةُ في عَصْرٍ ما شائِعةً مُسْتعمَلةً، ثمَّ تَداوَلَ عليها الزَّمانُ حتَّى تُرِكتْ وأُهمِلتْ، وصارت مِنَ الألْفاظِ الغَريبةِ الَّتي تَحتاجُ إلى بَيانٍ. وهذا شائِعٌ مُتقرِّرٌ في كُتُبِ مَعاجِمِ الألْفاظِ [34] يُنظر: ((مُعجَم ألْفاظ القُرآن الكَريم بَيْنَ المَعاجِم وكتب التفسير واللُّغة، مجلة مجمع اللُّغة العَربيَّة بالقاهرة)) لعبد السلام هارون (53/31). .
وقد ظهَرتْ في العُقودِ الأخيرةِ المُنْصرِمةِ ثَلاثةُ أعْمالٍ مُعجَميَّةٍ انْشَغلتْ بهذا النَّوعِ مِنَ المَعاجِمِ، ونالَتْ شُهرةً واسِعةً وقَبولًا كَبيرًا عند كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ، وهي:
أ- المُعجَمُ المُفهرَسُ لألْفاظِ القُرآنِ الكَريمِ، للأسْتاذِ مُحمَّدِ فُؤادِ عبدِ الباقي.
ب- القاموسُ القَويمُ لألْفاظِ القُرآنِ الكَريمِ، للأسْتاذِ إبْراهيم أحْمَد عبدِ الفتَّاحِ.
ج- مُعجَمُ ألْفاظِ القُرآنِ الكَريمِ، مِن إصْدارِ مَجمَعِ اللُّغةِ بالقاهِرةِ.

انظر أيضا: