موسوعة اللغة العربية

المبحث الثاني: تَصْنيفُ الأصْواتِ إلى صَوامِتَ وصَوائِتَ


لاحَظَ عُلَماءُ الأصْواتِ أنَّه يُمكِنُ تَقْسيمُ الأصْواتِ إلى مَجْموعتَين على أساسِ انْفِتاحِ آلةِ النُّطْقِ عند إنْتاجِ الأصْواتِ؛ فبعضُ الأصْواتِ لا يَحدُثُ في أثْناءِ إنْتاجِها إلَّا اعْتِراضٌ مَحْدودٌ على مَجْرى النَّفَسِ معَ اهْتِزازِ الوَتَرَين، فيَمُرُّ الهَواءُ حُرًّا خِلالَ الفَمِ والحَلْقِ، وهذا يكونُ في نُطْقِ الصَّوائِتِ، وهي الَّتي سمَّاها عُلَماءُ العَربيَّةِ حُروفَ المَدِّ واللِّينِ، وهي الألِفُ السَّاكِنةُ المَفْتوحُ ما قبلَها، والواوُ السَّاكِنةُ المَضْمومُ ما قبلَها، والياءُ السَّاكِنةُ المَكْسورُ ما قبلَها، والحَرَكاتُ الثَّلاثُ: الفَتْحةُ والضَّمَّةُ والكَسْرةُ، وهذه الأصْواتُ كلُّها مَجْهورةٌ.
وما عدا هذه الأصْواتَ فهي الصَّوامِتُ، ويَحدُثُ في أثْناءِ نُطْقِها غَلْقٌ لمَجْرى النَّفَسِ، فيُؤدِّي إلى حُدوثِ احْتِكاكٍ تَتفاوَتُ شِدَّتُه بتَفاوُتِ دَرَجةِ التَّضْييقِ أوِ الغَلْقِ، وقد يَهتزُّ الوَترانِ عند النُّطْقِ ببعضِ هذه الصَّوامِتِ فتكونُ مَجْهورةً، وقد لا يَهتزَّان معَ بعضِهما فتكونُ مَهْموسةً.
وهذا التَّصْنيفُ نراه مَوجودًا في تُراثِنا عند عُلَماءِ اللُّغةِ، وليس شيئًا جَديدًا في عِلمِ الأصْواتِ الحَديثِ كما يَظُنُّ بعضُ الباحِثين المُعاصِرين، وليس الأمرُ عندَهم مُجرَّدَ إدْراكِ التَّمييزِ بَينَ حُروفِ المدِّ والحَرَكاتِ عنِ الحُروفِ الأخرى، ولكنَّها نُصوصٌ واضِحةٌ لعُلَماءَ في أزْمنةٍ مُتفرِّقةٍ، من ذلك قولُ ابنِ الدَّهَّانِ (ت 592هـ): والحُروفُ تَنْقسِمُ إلى صامِتةٍ ومَصُوتةٍ؛ فالصَّامِتُ ما يَتمكَّنُ مِن مَطلَعِه ويَتميَّزُ به الصَّوتُ، مِثلُ: (س) (ع) (د)، والمَصُوتُ: ما يَخرُجُ في الهَواءِ فيَحمِلُ الحَرْفَ الصَّامِتَ إلى السَّمْعِ، كالضَّمَّةِ والفَتْحةِ والكَسْرةِ الَّتي متى مُطِلتْ صارت (و) (ا) (ي) [404] يُنظَر: ((تقويم النظر في الأدلة)) لابن الدهان (1/ 57). .
وهي نُصوصٌ واضِحةٌ في الدَّلالةِ على إدْراكِ عُلَماءِ العَربيَّةِ والتَّجْويدِ لطَبيعةِ هذه الأصْواتِ، وقد عبَّروا عنها كَثيرًا بـ(الجَوامِدِ) للصَّوامِتِ، و(الذَّوائِبِ) للصَّوائِتِ.

انظر أيضا: