موسوعة اللغة العربية

المبحث الأول: تَصْنيفُ الأصْواتِ إلى أُصولٍ وفُروعٍ


كلُّ لُغةٍ تَحمِلُ مَجْموعةً مِنَ الأصْواتِ الكَثيرةِ، وبعضُ الأصْواتِ تكونُ مُتَشابِهةً معَ فُروقٍ دَقيقةٍ بينَها؛ فمَثلًا في الأصْواتِ العَربيَّةِ حَرْفُ (النُّونِ)، وهو صَوتٌ لَثَويٌّ أنْفيٌّ مَجْهورٌ، لكنَّ له صُوَرًا نُطْقيَّةً أخرى لا تُؤدِّي إلى تَغيُّرٍ في المَعْنى؛ ففي قولِه تعالى: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف: 109] سنَجدُ أنَّ النُّونَ في (نَفِدَ) تَخْتلِفُ صَوتيًّا عنِ النُّونِ في (تَنْفَدَ) لكنَّه لم يُؤدِّ إلى تَغيُّرِ المَعْنى في الكَلمتَين.
وهذا التَّفريقُ بَينَ الأصْواتِ مُرْتبطٌ بنَظريَّةِ الفونيم الغَرْبيَّةِ، والمَقْصودُ بالفونيم أصْغَرُ وَحدةٍ صَوتيَّةٍ عن طَريقِها يُمكِنُ التَّفْريقُ بَينَ المَعاني.
ويُعَدُّ سِيبَوَيهِ أقْدَمَ مَنْ قسَّم الأصْواتَ إلى أُصُولٍ وفُروعِ؛ يقولُ في كِتابِه: (فأصْلُ حُروفِ العَربيَّةِ تِسعةٌ وعِشْرون حَرْفًا… وتكونُ خَمْسةً وثَلاثين حَرْفًا بحُروفٍ هنَّ فُروعٌ، وأصْلُها مِنَ التِّسعةِ والعِشرينَ، وهي كَثيرةٌ يُؤخَذُ بها وتُسْتحسَنُ في قِراءةِ القُرآنِ والأشْعارِ، وهي: النُّونُ الخَفيفةُ، والهَمْزةُ الَّتي بينَ بينَ، والألِفُ الَّتي تُمالُ إمالةً شَديدةً، والشِّينُ الَّتي كالجِيمِ، والصَّادُ الَّتي تكونُ كالزَّايِ، وألِفُ التَّفْخيمِ، يَعْني بلُغةِ أهْلِ الحِجازِ، في قولِهم: الصَّلاة والزَّكاة والحَياة.
وتكونُ اثْنَين وأرْبعين حَرْفًا بحُروفٍ غيرِ مُسْتحسَنةٍ ولا كَثيرةٍ في لُغةِ مَنْ تُرتَضَى عَربيَّتُه، ولا تُسْتحسَنُ في قِراءةِ القُرآنِ ولا في الشِّعرِ، وهي: الكافُ الَّتي بينَ الجِيمِ والكافِ، والجِيمُ الَّتي كالكافِ، والجِيمُ الَّتي كالشِّينِ، والضَّادُ الضَّعيفةُ، والصَّادُ الَّتي كالسِّينِ، والطَّاءُ الَّتي كالتَّاءِ، والظَّاءُ الَّتي كالثَّاءِ، والباءُ الَّتي كالفاءِ.
وهذه الحُروفُ الَّتي تمَّمتُها اثْنَين وأرْبعينَ، جيِّدُها ورَديئُها، أصْلُها التِّسعةُ والعِشْرونَ، لا تَتبيَّنُ إلا بالمُشافَهةِ) [402] ((الكتاب)) لسيبويه (4/432). .
وبعد سِيبَوَيهِ اعْتَنى عُلَماءُ التَّجْويدِ ببَيانِ الحُروفِ الأُصولِ والفُروعِ، مِثلُ عبدِ الوَهَّابِ القُرطُبيِّ في كِتابِه ((المُوضِّحُ في التَّجْويدِ)) وغيرِه.
والأصْواتُ الفَرعيَّةُ الَّتي ذكَرها سِيبَوَيهِ ومَنْ بعدَه تُعَدُّ تَنوُّعًا مَوقِعيًّا للأصْواتِ، مِثلُ النُّونِ المُخفاةِ في نَحْوِ (أنْفُسكم – مُنْذر – مِنْكم... إلخ)، ومنْها ما يكونُ تَنوُّعًا لَهجيًّا لبعضِ العَربِ، مِثلُ ألِفِ الإمالةِ وألِفِ التَّفْخيمِ وغيرِ ذلك، وتَقْريرُ سِيبَوَيهِ على أنَّها لا تُدرَكُ إلَّا بالمُشافَهةِ يُؤكِّدُ ذلك، ويُبيِّنُ أنَّها لا تُؤدِّي إلى تَغْييرِ المَعاني [403] يُنظَر: ((المدخل إلى علم أصوات العربية)) لغانم قدوري الحمد (ص73). .

انظر أيضا: