موسوعة اللغة العربية

المبحث السَّابِعُ: مَجالاتُ عِلمِ اللُّغةِ


يَبحَثُ عِلمُ اللُّغةِ في المَجالاتِ التَّاليةِ:
1- دِراسةُ الأصْواتِ الَّتي تَتألَّفُ منها اللُّغةُ، ويَتناوَلُ ذلك تَشْريحَ الجِهازِ الصَّوتيِّ لدى الإنْسانِ، ومَعْرِفةَ إمْكاناتِ النُّطقِ المُختلِفةِ الكامِنةِ فيه، ووَصْفَ أماكِنِ النُّطقِ ومَخارِجِ الأصْواتِ في هذا الجِهازِ، وتَقْسيمَ الأصْواتِ الإنْسانيَّةِ إلى مَجْموعاتٍ، تَظهَرُ في كلِّ مَجْموعةٍ منها خَصائِصُ مُعيَّنةٌ، ودِراسةَ المَقاطِعِ الصَّوتيَّةِ، والنَّبْرِ والتَّنْغيمِ في الكَلامِ، والبَحْثَ عنِ القَوانينِ الصَّوتيَّةِ الَّتي تَكمُنُ وراءَ إبْدالِ الأصْواتِ وتَغيُّرِها. كلُّ ذلك يَتناوَلُه فَرْعٌ خاصٌّ مِن فُروعِ عِلمِ اللُّغةِ، وهو عِلمُ الأصْواتِ.
2- دِراسةُ البِنْيةِ، أوِ البَحْثُ في القَواعِدِ المُتَّصلةِ بالصِّيَغِ واشْتِقاقِ الكَلماتِ وتَصْريفِها، وتَغْييرِ أبْنِيةِ الألْفاظِ للدَّلالةِ على المَعاني المُختلِفةِ، وهو ما يُدرَسُ عند العَربِ باسمِ عِلمِ الصَّرفِ.
3- دِراسةُ نِظامِ الجُملَةِ مِن حيثُ: تَرْتيبُ أجْزائِها، وأثَرُ كلِّ جُزءٍ منها في الآخَرِ، وعَلاقةُ هذه الأجْزاءِ بعضِها ببعضٍ، وطَريقةُ رَبْطِها، وبعضُ هذه البُحوثِ تُدرَسُ عند العَربِ في عِلمِ النَّحْوِ.
4- دِراسةُ دَلالَةِ الألْفاظِ أو مَعاني المُفرَداتِ، والعَلاقةِ بين هذه الدَّلالاتِ والمَعاني المُختلِفةِ، والحَقيقيِّ منْها والمَجازيِّ، والتَّطوُّرِ الدَّلاليُّ وعَوامِلِه ونَتائِجِه، ونُشوءِ التَّرادُفِ والاشْتِراكِ اللَّفْظيِّ والأضْدادِ، وغيرِ ذلك. وكذلك دِراسةُ حَياةِ الكَلمةِ عبْرَ العُصورِ اللُّغويَّةِ المُختلِفةِ، وما يَنْتابُها مِن تَغيُّرٍ في الصَّوتِ والدَّلالةِ، وما يَطْرأُ عليها مِن أسْبابِ الرُّقيِّ والانْحِطاطِ، وعَوامِلِ البِلَى والانْدِثارِ.
5- البَحْثُ في نَشْأةِ اللُّغةِ الإنْسانيَّةِ. وقد ظهَرتْ في ذلك عِدَّةُ نَظريَّاتٍ مُخْتلِفةٍ تُحاوِلُ أنْ تُفسِّرَ لنا: كيف تَكلَّمَ الإنْسانُ الأوَّلُ هذه اللُّغةَ الَّتي تَطوَّرتْ على مرِّ الأزْمانِ حتَّى وصَلتْ إلينا في صُوَرِها المُختلِفةِ الحاليَّةِ. وقد نادى بعضُ اللُّغويِّينَ المُحدَثينَ بإخْراجِ مَوضوعِ نَشْأةِ اللُّغةِ مِن مَوضوعاتِ عِلمِ اللُّغةِ، أمِثالُ فندريس (Vendryes) الَّذي يَرى (أنَّ غالِبيَّةَ أولئك الَّذين كتَبوا عن أصْلِ الكَلامِ منذُ مائةِ عامٍ يَهيمونَ في تِيهٍ مِنَ الضَّلالِ... وغَلْطتُهم الأساسيَّةُ أنَّهم يُواجِهونَ هذه المَسْألةَ مِنَ النَّاحيةِ اللُّغويَّةِ، كما لو كان أصْلُ الكَلامِ يَخْتلِطُ بأصْلِ اللُّغاتِ) [30] ((اللغة)) لفندريس (ص: 29) نقلًا عن: ((المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللُّغويِّ)) لرمضان عبد التواب (ص: 11). .
فإنَّ اللُّغويِّينَ يَدرُسون اللُّغاتِ الَّتي تُتَكلَّمُ والَّتي تُكتَبُ، ويَتتبَّعونَ تاريخَها بمُساعَدةِ أقْدَمِ الوَثائِقِ الَّتي اكْتُشِفتْ، ولكنَّهم مهما أَوغلوا في هذا التَّاريخِ فإنَّهم لا يَصِلون إلى لُغاتٍ قد تَطوَّرتْ وتَركتْ وَراءَها تاريخًا ضَخْمًا لا نَعرِفُ عنه شَيئًا، أمَّا فِكرةُ الوُصولِ إلى إعادَةِ بِناءِ رَطانَةٍ بُدائيَّةٍ بمُقارَنةِ لُغاتٍ مَوجودةٍ بالفِعلِ فسَرابٌ خدَّاعٌ.
6- عَلاقةُ اللُّغةِ بالمُجْتمَعِ الإنْسانيِّ والنَّفْسِ البَشريَّةِ، وهنا يَتنازَعُ عِلمَ اللُّغةِ عِلمانِ آخَرانِ؛ هما: عِلمُ الاجْتِماعِ، وعِلمُ النَّفْسِ، فهناك بُحوثٌ تَرْمي إلى بَيانِ العَلاقَةِ بين اللُّغةِ والإنْسانِ في حَياتِه الاجْتِماعيَّةِ، وتُبيِّنُ أثَرَ المُجْتمَعِ وحَضاراتِه ونُظُمِه وتاريخِه وتَركيبِه وبَيئتِه الجُغرافيَّةِ في مُختلِفِ الظَّواهِرِ اللُّغويَّةِ، كما أنَّ هناك بُحوثًا أخرى نَفْسيَّةً تَدرُسُ العَلاقةَ بين الظَّواهِرِ اللُّغويَّةِ والظَّواهِرِ النَّفْسيَّةِ بمُختلِفِ أنْواعِها؛ مِن تَفْكيرٍ وخَيالٍ، وتَذكُّرٍ واسْتِرجاعٍ وعاطِفةٍ، وغيرِ ذلك.
7- وآخِرُ مَجالاتِ هذا العِلمِ هو البَحْثُ في حَياةِ اللُّغةِ وتَطوُّرِها في نَواحي: الأصْواتِ، والبِنْيةِ، والدَّلالةِ، والتَّركيبِ، وغيرِ ذلك. وكذلك البَحْثُ في صِراعِ اللُّغاتِ، وانْقِسامِها إلى لَهَجاتٍ، وصِراعِ اللَّهَجاتِ بعضِها معَ بعضٍ، وتَكوُّنِ اللُّغاتِ المُشْترَكةِ، وغيرِ ذلك مِنَ الأمورِ [31] يُنظَر: ((المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللُّغويِّ)) لرمضان عبد التواب (ص: 10 - 12). .

انظر أيضا: