موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الثَّاني: أقسامُ النَّحتِ


عُلَماءُ اللُّغةِ المُتأخِّرون من خلالِ استِقرائِهم للأمثِلةِ التي ذكَرَها الخليلُ بنُ أحمَدَ وابنُ فارسٍ قاموا بتقسيمِ النَّحتِ إلى عِدَّةِ أقسامٍ سنحصُرُها فيما يلي:
1- النَّحتُ التَّخفيفيُّ: مِثلُ (بَلْعَنبَر) في (بني العَنبَرِ)، و(بَلْحارِثِ) في (بَني الحارِثِ)، و(بَلْخَزْرَج) في (بَني الخَزرَجِ)؛ وذلك لقُربِ مَخرَجَيِ النُّونِ واللَّامِ، فهنا لم يستطيعوا الإدغامَ؛ لسُكونِ اللَّامِ، فحَذَفوا، كما قالوا: مَسْتَ وظَلْتَ.
2- النَّحتُ الحَرفيُّ: مِثلُ قَولِ بَعضِ النَّحويِّينَ: إنَّ (لَكِنَّ) مَنحوتةٌ؛ فقد رَأى الفَرَّاءُ أنَّ أصلَها (لَكِنْ أَنْ) طُرِحَتِ الهمزةُ للتَّخفيفِ، ونونُ (لَكِنْ) للسَّاكِنَينِ، وذَهبَ غَيرُه منَ الكوفيِّينَ إلى أنَّ أصلَها (لا)، (أنَّ)، والكافُ الزَّائِدةُ لا التَّشبيهيَّةُ، وحُذِفَتِ الهمزةُ تَخفيفًا.
3-النَّحتُ النِّسبيُّ: وهو أن تَنسُبَ شَيئًا أو شَخصًا إلى بَلدَتي: (طبَرِسْتان) و(خَوارِزم) مَثَلًا، تَنحِتُ منِ اسمَيهما اسمًا واحِدًا على صيغةِ اسمِ المَنسوبِ، فتَقولُ: (طَبرَخزيٌّ)؛ أي: مَنسوبٌ إلى المَدينَتَينِ كِلتَيهما، ويَقولونَ في النِّسبةِ إلى الشَّافِعيِّ وأبي حَنيفةَ: (شَفْعَنْتي)، وإلى أبي حَنيفةَ والمُعتَزِلةِ: (حَنَفَلْتي)، ونَحوُ ذلك كثيرٌ.
4-النَّحتُ الاسميُّ: وهو أن تَنحِتَ من كلمَتَينِ اسمًا، مِثل (جُلمودٍ) من (جَمُدَ، وجَلدَ)، و(حَبقَر) للبَردِ، وأصلُه (حَب، قَر).
5-النَّحتُ الوَصْفيُّ: وهو أن تَنحِتَ كَلِمةً واحِدةً من كلمَتَينِ تَدُلُّ على صِفةٍ بمَعناها أو بأشَدَّ منها، مِثلُ: (ضِبَطْر) للرَّجُلِ الشَّديدِ، مَأخوذةٌ من (ضَبطَ وضَبرَ) [208] يُنظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (4/ 634). .
6- النَّحتُ الفِعليُّ: وهو أن تَنحِتَ منَ الجُملةِ فِعلًا يَدُلُّ على النُّطقِ بها، أو على حُدوثِ مَضمونِها، مِثل (جَعفَدَ) من: (جُعِلْتُ فِداك)، و(بَسْمَل) من: (بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ) [209] يُنظر: ((الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية)) للجوهري (1/ 279)، ((بحوث ومقالات في اللغة)) لرمضان عبد التواب (ص: 39). .
7- وهناكَ تَأويلاتُ ألفاظٍ قائِمةٌ على وُجوهٍ فَكِهةٍ يُمكِنُ حَملُها على النَّحتِ؛ وذلك كالذي ذكره الجاحِظُ عن أبي عَبدِ الرَّحمنِ الثَّوريِّ؛ إذ قال لابنِه: (... أيْ بُنيَّ، إنَّما صارَ تَأويلُ الدِّرْهَمِ: دارَ الهمِّ، وتَأويلُ الدِّينارِ: يُدْني إلى النَّارِ) [210] يُنظر: ((البخلاء)) للجاحظ (ص: 144). . ومنه: (كان عَبدُ الأعلى القاصُّ إذا قيلَ له: لمَ سُمِّيَ الكَلبُ سَلُوقيًّا؟ قال: لأنَّه يَستَلُّ ويُلْقي، وإذا قيلَ له: لمَ سُمِّيَ العُصفورُ عُصفورًا؟ قال: لأنَّه عَصى وفرَّ) [211] يُنظر: ((البخلاء)) للجاحظ (ص: 144). [212] يُنظر: ((الاشتقاق والتعريب)) للمغربي (ص: 13) وما بعدها، ((النحت بين مؤيديه ومعارضيه)) لفارس فندي البطانية (ص: 122، 123)، ((الاشتقاق)) لفؤاد ترزي (294-295)، ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي الصالح (ص: 249)، ((فقه اللغة العربية وخصائصها)) لإميل بديع يعقوب (ص: 210، 211). .
هذا، وعندما نَستَعرِضُ الشَّواهِدَ المرويَّةَ عن العَرَبِ في النَّحتِ نلحَظُ نظِامًا معيَّنًا، نرى ما يمكِنُه الاحتفاظُ به وما يمكِنُه الاستغناءُ عنه من الحُروفِ، وتلك الأمثلةِ لا يشتَرِكُ بينها إلَّا أنَّها في الكثيرِ الغالِبِ منها تتَّخِذُ صُورةَ الفِعلِ أو المصدَرِ، وأنَّ الكَلِمةَ المنحوتةَ في غالِبِ الوقتِ يكونُ أصلُها رباعيًّا، وهنا سنذكُرُ أشهَرَ الأمثِلةِ الرُّباعيَّةِ:
1- كَلِمةٌ مَنحوتةٌ من كلمَتَينِ؛ مِثلُ: (جَعفَلَ)، أي: (جُعِلْتُ فِداك).
2- كَلِمةٌ مَنحوتةٌ من ثَلاثِ كَلِماتٍ؛ مِثلُ: (حَيعَلَ)، أي: قال: (حَيَّ على الفَلاحِ).
3- كَلِمةٌ مَنحوتةٌ من أربَعِ كَلِماتٍ؛ مِثلُ: (بَسْمَلَ)، أي: قال: (بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ)، أو رُبَّما كانت هذه الكَلمةُ مَنحوتةً من كلمَتَينِ فقَط، هما (باسمِ اللهِ).
4- (لا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ) من أشهَرِ الجُمَلِ التي نُحِتَ منها أكبَرُ عَدَدٍ مِن الكَلِماتِ التي تُعَدُّ نحتًا من كَلِمةٍ واحدةٍ، فقيلَ من هذه العِبارةِ: (حَوْقَلَ)، أو (حَوْلَقَ) [213] يُنظر: ((من أسرار اللغة)) لإبراهيم أنيس (ص: 72). .


انظر أيضا: