موسوعة اللغة العربية

المَبحَثُ الثَّاني: ظاهرة الإعراب في اللغات السامية


إنَّ الإعرابَ ظاهرةٌ أصيلةٌ في اللُّغاتِ السَّاميَّةِ، فقدْ تَوارثَتْها بَناتُها جِيلًا بعْدَ جِيلٍ، بدايةً مِن اللُّغةِ الأُمِّ، فاحتَفَظَت كلٌّ منها بهذه الظَّاهرةِ بصُورةٍ مُختلِفةٍ عن الأُخرى، وقدْ حافَظَت اللُّغةُ العربيَّةُ على ظاهرةِ التَّصرُّفِ الإعرابيِّ كاملةً، وتَمثَّلَ ذلك في العلاماتِ الإعرابيَّةِ الأصليَّةِ والفرعيَّةِ الَّتي استَعمَلَتْها العربيَّةُ في أحوالِها الإعرابيَّةِ المختلِفةِ، وأمَّا باقي اللُّغاتِ السَّاميَّةِ فبَيانُها فيما يَأْتي:
- اللُّغةُ الأكاديَّةُ بفَرعَيها الآشوريَّةِ والبابليَّةِ: لُغةٌ مُعرَبةٌ أيضًا، بَدَت فيها الحركاتُ الإعرابيَّةُ واضحةً وكثيرةً، وفيها أقدمُ نصٍّ كِتابيٍّ مُعرَبٍ.
- اللُّغةُ الأوغاريتيَّةُ: لُغةٌ مُعرَبةٌ كاللُّغةِ العربيَّةِ تمامًا؛ إذ تَظهَرُ حركاتُ الإعرابِ في اللُّغةِ الأوغاريتيَّةِ بشَكلٍ واضحٍ على كلِّ ما انتَهى بهَمزةٍ، فِعلًا كان أم اسمًا، والنُّصوصُ الأوغاريتيَّةُ المكتوبةُ بالخطِّ الأكاديِّ المقطعيِّ تَعكِسُ النِّظامَ المتَّبَعَ في اللُّغةِ العربيَّةِ حَصرًا بعَلاماتهِ الإعرابيَّةِ الأصليَّةِ والفرعيَّةِ.
- اقتَصَر شَواهدُ ظاهرةِ الإعرابِ في اللُّغةِ الحبشيَّةِ على حالةِ النَّصبِ دونَ سائرِ الحالاتِ الإعرابيَّةِ الأُخرى.
- بَدَت حالةُ النسبِ في اللُّغةِ الآراميَّةِ بلَهجاتِها المختلِفةِ جَلِيَّةٍ، إلى جانبِ بعضِ الشَّواهدِ اليسيرةِ على حالَتَي الجزمِ والرَّفعِ، وظَهَر فيها كذلك استعمالُها للعلاماتِ الفرعيَّةِ، وبخاصَّةٍ في الأسماءِ الخَمسةِ.
- وكانت اللُّغةُ العِبريَّةُ لُغةً مُعرَبةً، إلَّا أنَّها فَقَدَت كثيرًا مِن مَظاهرِ التَّصرُّفِ الإعرابيِّ بسَببِ الظُّروفِ التَّاريخيَّةِ الَّتي مَرَّت بها.
إنَّ اشتراكَ اللُّغاتِ السَّاميَّةِ كلِّها في هذه الظَّاهرةِ وقِلَّتَها في غيرِها مِن اللُّغاتِ؛ يَشيرُ إلى أنَّ الإعرابَ ظاهرةٌ أصيلةٌ في اللُّغاتِ السَّاميَّةِ جميعِها، واللُّغةُ العربيَّةُ تُمثِّلُ نَموذجًا أقرَبَ ما يكونُ للُّغةِ السَّاميَّةِ الأُمِّ، مُؤكِّدةً بذلك جَدارتَها بهذه المكانةِ الَّتي لا تُنازِعُها إيَّاها أيَّةُ لُغةٍ ساميَّةٍ أُخرى [132] يُنظر: ((ظاهرة الإعراب في اللغات السامية)) لياسر محمد البستنجي (ص: 189- 198). .

انظر أيضا: