موسوعة اللغة العربية

مُقَدِّمةٌ


بَدَأ منهجُ فِقْه اللُّغةِ عِندَ العَرَبِ وصفيًّا استِقرائيًّا، تُقَرَّرُ فيه الوقائِعُ في ضَوءِ النُّصوصِ، لا تُفرَضُ على أحَدٍ، ولا يُقضى بها على أحَدٍ، ولَكِنَّ هذا المنهجَ السَّليمَ سُرعانَ ما انحَرَفَ واعتَورَه الضَّعفُ، مُنذُ أن استَبدَلَ العَرَبُ القَواعِدَ بالحَقائِقِ والمَعاييرَ بالوقائِعِ، والإلزامَ المُتَسلِّطَ بالوَصفِ الدَّقيقِ الأمينِ، وبَدَأ النَّاسُ يَسمَعونَ منَ اللُّغَويِّينَ مِثلَ هذه اللهجةِ الجازِمةِ الحاسِمةِ: (وليس لَنا اليَومَ أن نَختَرِعَ، ولا أن نَقولَ غَيرَ ما قالوه، ولا أن نَقيسَ قياسًا لم يَقيسوه؛ لأنَّ في ذلك فسادَ اللُّغةِ وبُطَلانَ حَقائِقِها، ونُكتةُ البابِ أنَّ اللُّغةَ لا تُؤخَذُ قياسًا نَقيسُه الآنَ نَحنُ) [51] ((الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها)) لابن فارس (ص: 36). ، وعوَّلوا على فصاحةِ الأعرابيِّ وسَليقَتِه، وغَلَوا فيها غُلُوًّا فاحِشًا، وجَنحوا إلى تَقييدِ الباحِثينَ بما قاسَه أولئك الأعرابُ وقالوه، فلا يَجرُؤُ أحَدٌ على قياسِ ما لم يَقيسوه، وضَيَّقوا على أنفُسِهمُ المَنافِذَ والمَسالكَ في أخذِ اللُّغةِ وتَلَقِّيها، إلَّا مِمَّن تَتَوافَرُ فيهم شُروطُ هذا الطَّبعِ السَّليقيِّ، فانحَصَر الأخذُ والتَّلقِّي في قَيسٍ وتَميمٍ، وأسَدٍ وهُذَيلٍ، وبَعضِ كِنانةَ وبَعضِ الطَّائيِّينَ، عنهم نُقِلَتِ العَرَبيَّةُ، وبِهم اقتُدِيَ، وعليهمُ اتُّكِلَ في الغَريبِ، وفي الإعرابِ والتَّصريفِ [52] يُنظر: ((دراسات في فقه اللغة)) لصبحي صالح (ص: 26 - 28). .

انظر أيضا: