موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: ما يُلحَقُ بحُسْنِ التَّعليلِ


ويَلتحِقُ بحُسْنِ التَّعليلِ ما بُني على الشَّكِّ في تَعليلِه، كقولِ أبي تَمَّامٍ: الطويل
رُبًى شفَعَتْ ريحُ الصَّبا لرِياضِها
إلى المُزنِ حتَّى جادَها وهْو هامِعُ
كأنَّ السَّحابَ الغُرَّ غَيَّبْنَ تحتَها
حَبيبًا فما تَرْقَا [441] الفعل (تَرْقَا)، أصلُه (ترقأ)، أي: تَجِف؛ سُهِّلَت الهمزةُ للوَزنِ العروضيِّ. لهنَّ مَدامِعُ
علَّل الشَّاعرُ نُزولَ المطَرِ مِنَ السَّحابِ مُنْهمرًا بأنَّ تلك الرُّبى قد غيَّبتْ حَبيبًا للسَّحابِ تحتَها، فهِي تَبكي عليه ولا تَتوقَّفُ. فلولا الشَّكُّ الَّذي في "كأنَّ" لَكانتْ داخِلةً في القِسْمِ الأوَّلِ مِن حُسْنِ التَّعليلِ، وهُو الوصْفُ الثَّابِتُ غيرُ ظاهِرِ العلَّةِ.
ومنه قولُ المُتَنبِّي: الكامل
رحَل العَزاءُ برِحلتي فكأنَّني
أتْبَعتُه الأنْفاسَ للتَّشييعِ
علَّةُ تَصاعُدِ الأنْفاسِ وإخْراجِ الزَّفيرِ هي إظْهارُ الأسى والتَّحسُّرِ، لكنَّ الشَّاعرَ هنا جعَل علَّةَ ذلك شيئًا آخَرَ، وهُو أنَّه لمَّا رحَل عنه العَزاءُ بارْتِحالِه عنِ الحَبيبةِ، فكأنَّه لمَّا كان الصَّدرُ مَحلَّ الصَّبرِ، وكانتِ الأنْفاسُ تَتصعَّدُ منه أيضًا؛ صار العَزاءُ وتَنفُّسُ الصُّعَداءِ كأنَّهما نَزيلانِ في مَكانٍ واحِدٍ، فلمَّا رحَل ذلك رحَل هذا وَراءَه يُشيِّعُه قضاءً لحقِّ الصُّحبةِ [442] ينظر: ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (7/ 116)، ((بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في‎ علوم البلاغة)) لعبد المتعال الصعيدي (4/ 621). .

انظر أيضا: