موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الخَامِسُ: بَلاغَةُ المُطابَقةِ


إنَّما تَكمُنُ أهمِّيَّةُ المُطابقةِ في بَلاغتِها، وفي أدائِها الدَّورَ المَنوطَ بها في الجُملةِ، وإلَّا فمُجرَّدُ الإتْيانِ بالضِّدَّينِ أمرٌ سهْلٌ ولا طائلَ مِن وَرائِه، وإنَّما جَمالُ المُطابَقةِ أنْ تُرشَّحَ بنَوعٍ مِنَ البَديعِ يُشارِكُها في البَهْجةِ والرَّونقِ، كقَولِه تعالى: تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران: 27] ؛ ففي تلك المُطابقاتِ، ثمَّ العطْفِ بقولِه: وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ دلالةٌ على أنَّ مَن قدَر على تلك الأفْعالِ العَظيمةِ قدَر على أن يَرزُقَ بغيرِ حِسابٍ مَن شاء مِن عِبادِه. وهذه مُبالَغةُ التَّكْميلِ المَشحونَةُ بقُدرةِ اللهِ. فهُنا اجْتَمعت المُطابَقةُ الحَقيقيَّةُ ومُبالَغةُ التَّكميلِ.
ومثلُها قولُ امْرِئِ القيْسِ: الطويل
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ معًا
كجُلمودِ صَخرٍ حطَّه السَّيلُ مِن عَلِ
فالمُطابَقةُ في الإقْبالِ والإدْبارِ، ولكنَّه لمَّا قال «معًا» زادَها تَكميلًا؛ فإنَّ المُرادَ بها قُرْبُ الحَركةِ وسُرعتُها في حالتَيِ الإقْبالِ والإدْبارِ، وحالةِ الكرِّ والفرِّ، فلو ترَك المُطابَقةَ مُجرَّدةً مِن هذا التَّكميلِ ما حصَلتْ لها هذه البَهجةُ ولا هذا الوقْعُ الحَسَنُ في النَّفسِ [376] ينظر: ((علم البديع)) لعبد العزيز عتيق (ص: 82). .

انظر أيضا: