موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الرَّابعُ: طِبَاقُ التَّدبيجِ


وهو أنْ يَذكُرَ في معنًى ما مِن المعاني -كالمدحِ وغيرِه- ألْوانًا بقَصدِ الكنايةِ أو التَّوريةِ.
فمِن تَدْبيجِ الكنايةِ قولُ أبي تَمَّامٍ في الرِّثاءِ: الطويل
تَرَدَّى ثِيابَ الموتِ حُمرًا فما أتى
لها اللَّيلُ إلا وهْيَ مِن سُنْدسٍ خُضرِ
حيث ذَكَر أنَّ الفقيدَ ارْتَدى ثِيابَ الموتِ الحمراءَ، وإنَّما احمَرَّت بدِماءِ القَتْلى الَّذين صَرَعَهم في مَعارِكِه، ثمَّ أخبَرَ أنَّها قدْ استَحالَت عليه خَضراءَ؛ أي لُبْس مِن سُندُسِ الجنَّةِ. واحمرارُ الثِّيابِ كِنايةٌ عن القتلِ، واخضرارُها كِنايةٌ عن دُخولِ الجنَّةِ.
ومنه أيضًا قولُ ابنُ حيوسَ: الخفيف
إنْ تُرِد عِلمَ حالِهم عن يَقينٍ
فالْقَهُم يومَ نائلٍ أو نِزالِ
تَلْقَ بِيضَ الوجوهِ سُودَ مَثارِ النــَّــــــــــ
ـــــــــــــــــــــقْعِ خُضْرَ الأكنافِ حُمْرَ النِّصالِ
فالبيتُ الثَّاني مُمتلِئٌ بالكناياتِ التي أتى فيها بالألوانِ لبيانِ المفارَقةِ؛ فهمْ كِرامٌ بِيضُ الوجوهِ، تَلْقاهم في الحربِ سُودًا مِن أثَرِ الغُبارِ، وأجْنابَهم خَضْراءَ نَظرًا لسَوادِ دُروعِهم؛ فإنَّ العرَبَ تُسمِّي الضاربَ إلى الأسودِ أخضَرَ، ووَصَفَ النِّصالَ بالحُمرةِ كِنايةً عن كَثرةِ القتلِ بها.
ومِن تَدْبيجِ التَّوريةِ: قولُ الحريريِّ: "قدِ ازْورَّ المحبوبُ الأصفرُ، واغبَرَّ العيشُ الأخضرُ، وأسودَّ يَومي الأبيضُ، وأبيَضَّ فودي الأسودُ، حتى رُئِي لي العدوُّ الأزرقُ، فيا حَبَّذا الموتُ الأحمرُ"؛ ففي قولهِ: "المحبوبُ الأصفرُ" تَوريةٌ تَتضمَّنُ معنًى قريبًا، وهو أنَّ مَحبوبًا لونُه أصفرُ، ومعنًى بعيدًا، وهو الذَّهبُ، وهو المرادُ، وبَقيَّةُ العباراتِ كِناياتٌ [375] ينظر: ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (2/ 373)، ((حاشية الدسوقي على مختصر المعاني)) (4/ 14). .

انظر أيضا: