موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: اشْتِقاقُ اسمِ التَّفْضيلِ


1- أنْ يكونَ مُشْتَقًّا مِنَ الفِعلِ:
وشذَّ بناؤُه مِنِ اسمِ عَيْنٍ، كقولِهم: هو أحْنَكُ البَعِيرَين، ومِنْ وَصْفٍ لا فِعلَ له، مِثْلُ: قولِهم: هو أقْمَنُ مِنه، أيْ: أَحَقُّ بِه، وليس في اللُّغةِ فِعلُ: (قَمِنَ)، ومِثْلُ ما جاء في أمْثالِ العَربِ: هذا أَلَصُّ مِنْ شِظاظٍ [1130] (هُوَ لِصٌّ من بني ضَبَّةَ مرَّ بِامْرَأَةٍ ترعى بازلًا، وتقولُ: أعوذُ بِاللَّهِ من شَرِّ شِظاظٍ، وَكَانَ هُوَ على بَكْرٍ، فَنزل، وَقَالَ: أتخافينَ على بَعيرِك من شِظاظٍ؟ قَالَت: ما آمَنُهُ عليه، فَجعل يَشغَلُها حتَّى تغافَلَت عَن بَعِيرها، فَاسْتَوَى عليه، وَرفع عقيرتَه، يَقُول [الرَّجَز]: رُبَّ عَجُوزٍ مِن أنَاسٍ شَهْبَرَهْ علَّمْتُها الإنقاضَ بَعْدَ القَرْقَرَهْ) يُنظر: ((المستقصى في أمثال العرب)) للزمخشري (1/ 167). .
2- أنْ يكونَ الفِعلُ ثُلاثيًّا:
فلا يُصاغُ مِن غيرِ الثُّلاثيِّ، وفي بِنائِه مِنَ الفِعلِ المَاضي على وَزْنِ "أفْعَل" مَذاهِبُ ثَلاثةٌ:
الأوَّلُ: المَنْعُ مُطْلقًا، وهو قوْلُ الجُمْهورِ، وشَذَّ -مِن ثَمَّ على قولِهم- قَولُ العَربِ: هو أعْطاهُم للمَالِ، وأَوْلاهم للمَعْروفِ، وهُو أفْلَسُ مِنِ ابنِ المُذلَّقِ [1131] رجلٌ مشهورٌ بالإفلاسِ، لم يكُنْ يجِدُ ما يُبَيِّتُه ليلةً، وأبواه وأجدادُه يُعرَفون بالإفلاسِ أيضًا؛ قال الشَّاعِرُ: فإنَّك إذ ترجو تمِيمًا ونَفْعَها... كراجي النَّدى والعُرْفَ عِندَ المُذلَّقِ يُنظر: ((مجمع الأمثال)) للميداني (2/ 83). مِنَ الأفْعالِ (أعْطَى وأوْلَى وأفْلَس) وهِيَ أفْعالٌ رُباعيَّةٌ، وقَولُ العَربِ أيضًا: (هو أفْقَرُ مِن غيرِه)؛ لأنَّه مِن فِعلٍ خُماسِيٍّ، وهو (افْتَقَر).
الثَّاني: الجَوازُ مُطلَقًا، وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيهِ؛ فاسمُ التَّفْضيلِ عِندَه يأتي قِياسًا مِن "أفْعَل"، ويُؤيِّدُه كَثْرةُ السَّماعِ [1132] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 73). .
الثَّالِثُ: يَجوزُ إنْ كانتِ الهَمْزةُ لِغيرِ نَقْلِ الفِعلِ اللَّازمِ إلى المُتعدِّي.
وذَهَب الأخْفَشُ والمُبَرِّدُ [1133] رأي المُبَرِّد في: ((المقتضب)) للمبرد (4/ 178). إلى جَوازِ الإتْيانِ بأفْعَلِ التَّفْضيلِ مِن جَميعِ ما زاد عنِ الثُّلاثيِّ، وجَعلوه قِياسًا، والجُمْهورُ على خِلافِ ما قالوه [1134] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 769، 770)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 93). .
3- أنْ يكونَ الفِعلُ مُثبَتًا غيرَ مَنفيٍّ:
وذلك حتَّى لا يَلتبِسَ الفِعلُ المُثبَتُ بالفِعلِ المَنفيِّ.
4- أنْ يكونَ الفِعلُ مُتصرِّفًا:
فلا يأتي اسمُ التَّفْضيلِ مِنَ الأفْعالِ الجَامِدةِ، مِثْلُ: عَسَى ولَيْس ونِعْم وبِئْس.
5- أنُ يكونَ الفِعلُ تامًّا غيرَ ناقِصٍ:
فلا يأتي اسمُ التَّفْضيلِ مِن كان وأخَواتِها، وكاد وأخَواتِها؛ لأنَّها تدُلُّ على الزَّمانِ فحسْبُ دُونَ الحَدَثِ، وأفْعَلُ التَّفْضيلِ مَوضوعٌ في الحَدَثِ أصْلًا.
6- أنْ يكونَ الوَصفُ مِنه قابِلًا للتَّفاوُتِ والتَّفاضُلِ:
فلا يُؤْخَذُ مِن (مات، أو غَرَبتِ الشَّمسُ أو طَلَعتِ الشَّمسُ).
7- أنْ يكونَ الفِعلُ مَبنيًّا للمَعْلومِ:
فلا يأتي اسمُ التَّفْضيلِ مِنَ الفِعلِ المَبْنيِّ للمَجْهولِ؛ حتَّى لا يَلتبِسَ بالفِعلِ المَبْنيِّ للمَعْلومِ، وقد أجازَ ابنُ مالِكٍ أنْ يكونَ قِياسًا إذا أُمِن اللَّبسُ، مِثْلُ: لا أظْلَمَ مِن قَتيلِ كَربَلاءَ [1135] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 166، 167). .
ومِنَ الشَّاذِّ:
هذا أزْهَى مِنْ دِيكٍ [1136] أزهى من دِيكٍ، والدِّيكُ معروفٌ، وجَمْعُه دِيَكةٌ ودُيوكٌ، وهو موصوفٌ بالزَّهوِ والتبخْتُرِ. ينظر: ((زهر الأكم في الأمثال والحكم)) لنور الدين اليوسي (3/ 146). ؛ لأنَّه مِنَ الفِعلِ (زُهِي)، وأَجازَه البعضُ؛ لأنَّه يُقالُ: زَها بالبِناءِ للمَعْلومِ.
هذا أخْصَرُ مِن ذلك؛ لأنَّه مَأخوذٌ مِنَ الفِعلِ (اخْتُصر) الخُماسِيِّ المَبْنيِّ للمَجْهولِ.
وأَشْغَلُ مِنْ ذاتِ النِّحْيَينِ [1137] النِّحْيُ: زِقُّ السَّمنِ، وذاتُ النِّحْيَينِ: امرأةٌ من بني تَيمِ اللهِ بنِ ثَعلبة، كانت خرَجَت في الجاهليَّةِ تَبيعُ السَّمنَ فأتاها خوَّات بن جُبَير الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قبل إسلامِه، فساومها، فحلَّت نِحْيًا مملوءًا، فنظر إليه ثُمَّ قال: أمسْكِيه حتَّى أنظُرَ إلى الآخَرِ، ثُمَّ حلَّ نِحيًا آخَرَ، فقال: أمسِكِيه، فلمَّا شَغَل يديها معًا وقع عليها، حتَّى قضى أرَبَه منها فهَرَب. ينظر: ((زهر الأكم في الأمثال والحكم)) لنور الدين اليوسي (3/ 232، 233). ؛ لأنَّه مِنَ الفِعلِ (شُغِل).
أصْوَبُ؛ لأنَّه مِنْ أُصِيبَ بِمَكْروهٍ، وأشْهَرُ وأعْرَفُ وأنْكَرُ وأرْجَى وأخْوَفُ، كلُّها مِن أفْعالٍ مَبْنيَّةٍ للمَجْهولِ.
8- أنْ يكونَ الوَصْفُ مِنه غيرَ دالٍّ على لَونٍ أو عَيبٍ أو حِلْيةٍ:
ألَّا يكونَ الوَصْفُ مِنه على (أفْعَلَ) الَّذي مُؤَنَّثُه (فَعْلاء)؛ كأحْمَر حَمْراء، وأعْوَر عَوْراء، وأَدْعَج دَعْجاء؛ لأنَّ هذه الأوْصافَ أوْصافٌ مُسْتقرِّةٌ لا مَجالَ للزِّيادةِ والنُّقْصانِ فيها:
فأمَّا اللَّونُ:
فالبَصْرِيُّونَ على المَنعِ في جميعِ الألْوانِ، والكُوفِيُّونَ يُجيزونَ ذلك في الأبْيضِ والأسْودِ، مُحتجِّينَ بِما سُمِع: أسْودُ مِنْ حَلَكِ الغُرابِ، وأبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وقولِ المُتنبِّي مِنَ البَسيط:
ابْعَدْ بَعِدْتَ بَياضًا لا بَياضَ لَهُ
لأَنْتَ أَسْودُ في عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ [1138] يُنظر: ((خزانة الأدب)) للبغدادي (3/ 198).
وكلُّ ذلك عِندَ البَصْرِيِّينَ شاذٌّ [1139] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 768، 769). .
وأمَّا العُيوبُ:
فالظَّاهِرةُ مِنها، مِثْلُ: أعْوَر وأصَمَّ وأعْمَى، لا يأتي مِنها اسمُ تَفضيلٍ.
أمَّا العُيوبُ الباطِنةُ فقد ذَكَر الرَّضيُّ أنَّه يأتي مِنها اسمُ التَّفْضيلِ، مِثْلُ: فُلانٌ أبْلَدُ مِنْ فُلانٍ، وأحْمَقُ وأرْعَنُ وأهْوَجُ وأخْرَقُ [1140] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 765 – 770)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/ 2319)، ((المساعد)) لابن عقيل (1/ 166). .
صِياغةُ اسمِ التَّفْضيلِ مِنَ الفِعلِ غيرِ المُستوفي الشُّروطِ:
فإذا لم يَسْتوفِ فِعلٌ الشُّروطَ فإنَّنا نأتي بِفِعلٍ على وَزْنِ "أفْعَل" مُلائمًا، مِثْلُ: أشَدَّ وأحَقَّ وأَوْلى وأكْبَر، وبعدَه المَصدَرُ مِن هذا الفِعلِ غيرِ المُستوفي الشُّروطِ مَنْصوبًا؛ تقولُ: هو أشَدُّ دَحْرَجَةً، وأصَحُّ تَعْليمًا، وأكْثَرُ اقْترابًا، ولا يأتي مِنَ الأفْعالِ الجامِدةِ؛ لأنَّه لا مَصدَرَ لها [1141] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/ 2320). .

انظر أيضا: