موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: مُجَرَّدُ الثُّلاثيِّ


مُجَرَّدُ الثُّلاثيِّ باعتبارِ ماضيه ثلاثةُ أبوابٍ؛ لأنَّ أوَّلَ حَرفٍ منه (فاءَ الفِعلِ) مفتوحٌ أبدًا؛ إذ لا يمكِنُ أن يكونَ ساكِنًا؛ لأنَّه لا يُبتدَأُ بساكنٍ في العَرَبيَّةِ، ويَمتنِعُ فيه الضَّمُّ والكَسْرُ؛ حتى لا يجتَمِعَ ثِقلانِ؛ ثِقْلُ الفِعلِ، وثِقْلُ الضَّمِّ أو الكَسْرِ، فاختاروا الفَتحةَ لخفَّتِها، أمَّا آخِرُه فهو مفتوحٌ أبدًا للبناءِ، فما بقيَ إلَّا وسَطُه (عَينُ الفِعْلِ)، ولا يمكِنُ أن يكونَ ساكِنًا؛ لأنَّ آخِرَه عُرْضةٌ للتَّسكينِ عند الإسنادِ للضَّمائِرِ المُتحَرِّكةِ، فلم يكُنْ إلَّا أن يكونَ مُحَرَّكًا، والحَرَكاتُ ثَلاثٌ، وتَبَعًا لها تكونُ الأوزانُ التي يأتي عليها مُجَرَّدُ الثُّلاثيِّ ثَلاثةً، وهي: (فَعُلَ)، (فَعَلَ)، (فَعِلَ) .
وباعتبارِ الماضي مع المُضارِعِ له سِتَّةُ أبوابٍ؛ لأنَّ عَيْنَ المُضارِعِ إمَّا مَضمومةٌ أو مفتوحةٌ أو مكسورةٌ، فيَلزَمُ من ذلك أن يكونَ تِسعةَ أبوابٍ، لكِنَّه يَمتَنِعُ كَسرُ العَينِ في الماضي مع ضَمِّها في المُضارِع، وضمُّ العَينِ في الماضي مع كَسْرِها أو فَتْحِها في المُضارِعِ، فتكونُ أبوابُ الثُّلاثيِّ سِتَّةً .
أبوابُ المُجَرَّدِ الثُّلاثيِّ باعتبارِ الماضي:
بابُ (فَعَلَ):
يأتي منه المُتَعَدِّي واللَّازِمُ بكَثرةٍ، وثبت مجيءُ المُتَعَدِّي واللازمِ منه في فِعلٍ واحدٍ، مِثْلُ: سار الدَّابةَ فسارتْ، أي: سيَّرَها فسارَت.
معانيه:
غَلَبةُ المقابِلِ، مِثْلُ: شاعَرَني فشَعَرْتُه، أي: قابَلَ شِعْرَه بشِعْري، فكنتُ أشعَرَ منه.
ينوبُ عن (فَعُل) في المضاعَفِ، مِثْلُ: جلَلْتُ وعفَفْتُ، والأصلُ فيها (فَعُل)، بدليلِ مَجيِء الوَصْفِ منها على (فَعِيل): جَليلٌ، وعفيفٌ.
ينوبُ عن (فَعُل) في يائيِّ العَينِ، مِثْلُ: طاب يَطِيبُ، ولان يَلِينُ.
يُصاغُ باطِّرادٍ مِن أسماءِ الأعيانِ للدَّلالةِ على إصابتِها، مِثْلُ: ركَبَه ورجَلَه، أي: أصابه في رُكْبَتِه، وفي رِجْلِه، وإنالتِها، مِثْلُ: لَحَمَهُ، أي: أطعَمَه لحمًا، أو لعَمَلٍ بها، مِثْلُ: عانَه، أي: أصابه بالعَينِ.
قد يُصاغُ لعَمَلِ أسماءِ الأعيانِ، مِثْلُ: جَدَر الجِدارَ، وبَأَرَ البِئرَ، أي: عَمِلَ الجِدارَ والبِئْرَ، أو لعَمَلٍ لها، مِثْلُ: سَبَعَهُ السَّبُعُ، ونَمَلَهُ النَّمْلُ، أو لأخْذٍ منها، مِثْلُ: ثَلَث المالَ، أي: أخَذَ ثُلُثَه.
الجَمعُ، مِثْلُ: حَشَرَ، والتَّفريقُ، مِثْلُ: قَسَمَ.
الإعطاءُ، مِثْلُ: مَنَحَ، والمنعُ، مِثْلُ: عَضَلَ.
الامتِناعُ، مِثْلُ: لجَأَ.
الإيذاءُ، مِثْلُ: لَسَعَ ولَكَم.
الغَلَبةُ، مِثْلُ: قهَر وقَمَعَ.
الدَّفعُ، مِثْلُ: دَرَأ.
التحويلُ، مِثْلُ: قَلَب، ونَقَل.
التحَوُّلُ، مِثْلُ: رَحَل وذَهَب.
الاستِقرارُ، مِثْلُ: سَكَن وقَطَن.
السَّيْرُ، مِثْلُ: دبَّ ودَرَج.
السَّترُ، مِثْلُ: حَجَب.
التجريدُ، مِثْلُ: سَلَخ، وحَلَق.
الرَّميُ، مِثْلُ: رَجَم وطَرَح.
الإصلاحُ، مِثْلُ: طَحَن وطَبَخَ.
التصويتُ، مِثْلُ: بكى ونَهَقَ ونَطَق .
وقد استُعمِلَ (فَعَلَ) في معانٍ لا حصْرَ لها؛ لأنَّه أخفُّ الأبنِيَةِ؛ قال الرَّضِيُّ: (اعلَمْ أنَّ بابَ (فَعَلَ) لخفَّتِه لم يختَصَّ بمعنًى من المعاني، بل استُعمِلَ في جميعِها؛ لأنَّ اللَّفظَ إذا خفَّ كَثُر استِعمالُه، واتَّسَع التصَرُّفُ فيهـ) .
بابُ (فَعُل):
1- لا يأتي (فَعُل) إلَّا في أفعالِ الغرائِزِ والطَّبائِعِ، مِثْلُ: صَلُب، قَرُب، لَزُبَ الطِّينُ، وفَصُح الرَّجُلُ، وفَرُتَ الماءُ، وقَبُح، وصَغُر، وكَبُر.
يأتي (فعُل) أيضًا للمَعاني التي أصبَحَت طِباعًا في صاحِبِها، مِثْلُ: فَقُه، أي: صار الفِقهُ طَبعًا له ، ومن ثَمَّ فلك أن تُحَوِّلَ كلَّ فعلٍ ثلاثيٍّ إلى هذا البابِ للدَّلالةِ على أنَّه صار كغَريزةٍ في صاحِبِه؛ فنحن نقولُ لِمَن فَهِم مسألةً في الفِقْهِ: فَقِه محمَّدٌ المسألةَ، فإذا تمكَّن محمَّدٌ مِن عِلمِ الفِقْهِ، قُلْنا: فَقُه محمَّدٌ، أي: صار فَقيهًا، فكأنَّ الفِقهَ صار سَجِيَّةً وطبعًا فيه كالغريزةِ.
وربَّما استُعمِلَت أفعالُ هذا البابِ للتعَجُّبِ، فتَخرُجُ -مِن ثَمَّ- عن معانِيها، كقَولِنا: عَدُلَ محمَّدٌ، أي: ما أعدَلَه! فخرج الفِعلُ عن معناه إلى التعَجُّبِ مِن عَدْلِ محمَّدٍ، ومن ذلك قَولُ اللهِ تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف: 5] ، أي: ما أكبَرَها كَلِمةً !
2- يأتي أيضًا فيما أشبَهَ الطَّبعَ أو ما صار كالطَّبعِ، مِثْلُ: جَنُبَ جَنابةً، فهو معنَّى متجَدِّدٌ زائِلٌ .
3- لم يأتِ في اللُّغةِ فِعْلٌ على وَزْنِ (فعُل) وَسَطُه ياءٌ (يائيُّ العَينِ) إلَّا (هَيُؤَ يَهْيُؤ) بمعنى حُسْنِ الهيئةِ؛ حيث استَغْنَوا في اليائيِّ العَينِ بوَزنِ (فَعَل) عن وَزْن (فَعُل)، أمَّا إن كان وَسَطُه واوًا، فقد أتى منه (طال يَطُولُ) وأصل (طال): طَوُلَ بوَزْنِ (فَعُلَ).
4- لم يأتِ في اللُّغةِ فِعْلٌ على وَزْنِ (فَعُلَ) آخِرُه ياءٌ (يائيُّ اللَّامِ) إلَّا (نَهُوَ الرَّجُلُ)، أي: صارَ عاقلًا؛ مِنَ النُّهْيَةِ، فواوُ (نَهُوَ) منقَلِبةٌ عن ياءٍ، وجاء أيضًا (قَضُو) في التعَجُّبِ.
5- لم يأتِ على (فَعُلَ) فِعلٌ مُضعَّفٌ إلَّا ومعه وَزْنٌ آخَرُ، مِثْلُ:
(لَبُب) أي: صار ذا لُبٍّ، ولم يَذكُرْ سِيبَوَيهِ غيرَ ذلك الفِعْلِ ، وجاء من بابٍ آخَرَ، فقد جاء: لَبِبتَ، على وَزْنِ (فَعِلَ).
وجاء أيضًا (شَرُرَ)، والمشهورُ الكَسْرُ (شَرِرَ)، و(دَمُمَ)، أي: قَبُحَ، والمشهورُ الفَتْحُ (دَمَمَ) .
6- لم يُستعمَلْ بابُ (فَعُلَ) إلَّا لازمًا، ولم يأتِ مُتَعَدِّيًا إلَّا عن طريقِ التضمينِ، مِثْلُ قَولِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ: نُبِّئتُ أنَّ بُسرًا قد طلُعَ اليَمَنَ ، وقَولِ بَعْضِهم: أرَحُبَكم الدُّخولُ في طاعةِ الكَرْمانيِّ؟ ولم يأتِ غَيْرُهما.
7- لم يُستعمَلْ (فَعُلَ) ومُضارِعُه غَيرُ مَضمومِ العَينِ (يَفْعُلُ) إلَّا في تداخُلِ اللُّغاتِ؛ مِثلُ قَولِ بَعْضِ العَرَبِ: كُدْتَ ، وقياسُ مُضارِعِه تكُودُ، لكِنَّهم استَغْنَوا بمُضارِع (كِدْتَ) المكسورةِ الكافِ، وهو (تكادُ)، عن مُضارِعِ (كُدْتَ) مضمومةِ الكافِ .
بابُ (فَعِلَ):
1- الأصلُ في مُضارِع (فَعِل) الفَتحُ (يَفْعَل) سواءٌ أكان الفِعلُ لازمًا أم مُتَعَدِّيًا.
2- جاء الكَسْرُ وُجوبًا في مُضارِع الأفعالِ الآتيةِ:
وَثِق به، ووَجِد عليه (أي: حَزِن)، ووَرِث المالَ، ووَرِع عن الشُّبُهاتِ، ووَرِك (اضطَجَع)، ووَرِم الجُرحُ، ووَرِي المخُّ (اكتنز)، ووَعِق عليه (عَجِل)، ووَفِق أمْرُه (كان موافِقًا لمرادِهـ)، ووَقِه له (سَمِع)، ووَكِم (اغتمَّ)، ووَلِي الأمرَ، ووَمِق (أحبَّ)، ووَعِم.
3- وجاء الكَسْرُ والفَتحُ على سَبيلِ الجوازِ في مُضارِع الأفعالِ الآتيةِ:
نَعِمَ، وبَئِسَ، ويَئِسَ، ويَبِسَ الغُصْنُ، وحَسِبَ، ووَبِقَ (هَلَك)، ووَحِمَتِ الحُبلى، ووَحِرَ ووَغِرَ صَدْرُه (اغتاظ)، ووَلِغَ الكَلْبُ، ووَلِعَ، ووَلِهَ ووَهِلَ (اضطَرَب)، ووَزِعَ، ووَصِبَ، ووَرِعَ .
4- في (ضَلِلتَ) على لُغةِ بني تميمٍ، ووَرِيَ الزَّنْدُ، وفَضِل الشَّيءُ، قالوا في المُضارِعِ: تَضِلُّ، ويَرِي، ويَفْضِلُ، وقياسُ مُضارِعِها أن يكونَ مَفتوحًا (يَفْعَل).
5- بابُ (فَعِلَ) يأتي منه اللَّازِمُ والمُتَعَدِّي، لكِنَّ اللازِمَ يأتي منه أكثَرَ مِنَ المُتَعَدِّي؛ لذا كان الغالِبُ فيه أن يكونَ للأوصافِ الملازِمةِ للإنسانِ، مِثْلُ: شَنِبَ، وللأعراضِ، مِثْلُ: مَرِضَ، وللألوانِ، مِثْلُ: سَوِدَ، ولكِبَرِ الأعضاءِ، مِثْلُ: أَذِنَ.
6- تُسكَّن عينُ بابِ (فَعِلَ) في لُغةِ بني تميمٍ، يقولونُ في عَلِم: عَلْمَ .
أبوابُ المُجَرَّدِ الثُّلاثيِّ باعتبارِ الماضي مع المُضارِعِ:
البابُ الأوَّلُ: فَعَل يَفْعُل (باب: نَصَرَ)
بفَتحِ العَينِ في الماضي وضَمِّها في المُضارِع؛ كنَصَر يَنصُر، وقال يقُول، وغَزا يَغْزُو، ومَرَّ يَمُرُّ .
البابُ الثَّاني: فَعَل يَفعِل (باب: ضَرَب)
بفَتحِ العَينِ في الماضي وكَسْرِها في المُضارِع؛ كضَرَب يضْرِب، وبَاع يبِيع، وطَوى يَطْوِي، وأَوَى يأوِي، ووَقَى يقِي، وفرَّ يَفِرُّ، ووَأى يَئِي؛ بمعنى الوَعدِ.
البابُ الثَّالِثُ: فَعَل يَفْعَل (بابَ: فَتَح)
بفَتحِ العَينِ في الماضي والمُضارِعِ؛ كفَتَح يَفْتَحُ، ذَهَب يَذْهَب، وسَعى يَسعَى، ووَضَع يَضَع، ووَهَل يَوْهَل.
أبوابُ (فعَل) تُسمَّى دعائِمَ الأبوابِ، وهي من حيثُ الكَثْرةُ كما رتَّبْناها .
البابُ الرَّابِعُ: فَعِل يَفْعَل (بابُ: فَرِحَ)
بكَسْرِ العَينِ في الماضي وفَتْحِها في المُضارِعِ؛ كفَرِح يَفْرَح، وعَلِم يَعْلَم، ووَجِل يَوْجَل، وقَوِيَ يَقوَى، وعضَّ يعَضُّ، وسَئِم يَسْأَم، وخاف يَخاف، وصَدِئ يَصْدَأ.
البابُ الخامِسُ: فَعُل يَفْعُل (باب: شَرُف)
بضَمِّ العَينِ في الماضي والمُضارِع؛ كشرُف يَشرُف، وحَسُن يحسُن، ويَمُنَ يَيمُنُ، وجَرُؤ يَجْرُؤ.
البابُ السَّادِسُ: فَعِل يَفْعِل (بابُ: حسِب)
بكَسْر العَينِ في الماضي والمُضارِع؛ كحَسِب يَحْسِب، ونَعِم يَنْعِم .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((شرح الشافية)) للرضي الإستراباذي (1/ 67)، ((دروس التصريف)) لمحمد محيي الدين عبد الحميد (ص: 55).
  2. (2) يُنظر: ((شذا العرف في فن الصرف)) للحملاوي (ص: 61).
  3. (3) يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 591 – 593).
  4. (4) يُنظر: ((المغني في تصريف الأفعال)) لمحمد عبد الخالق عضيمة (ص: 113).
  5. (5) يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 585).
  6. (6) يُنظر: ((شذا العرف في فن الصرف)) للحملاوي (ص: 66).
  7. (7) يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 585).
  8. (8) يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 37).
  9. (9) يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 586).
  10. (10) يُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 325).
  11. (11) يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 40).
  12. (12) يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 585 – 587).
  13. (13) يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (1/ 154، 155)، ((شذا العرف)) للحملاوي (ص: 70، 71).
  14. (14) يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 589، 590).
  15. (15) يُنظر: ((شذا العرف في فن الصرف)) للحملاوي (ص: 62).
  16. (16) يُنظر: ((شذا العرف في فن الصرف)) للحملاوي (ص: 68).
  17. (17) يُنظر: ((شذ العرف)) للحملاوي (ص: 62 – 67).