الموسوعة العقدية

 المُؤْمِنُ

يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه المُؤمِنُ، وهو اسمٌ له ثابتٌ بالكِتابِ العَزيزِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
قولُه تعالى: السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23] .
قال ابنُ قُتَيبةَ: (مِن صِفاتِه المؤمِنُ، وأصلُ الإيمانِ: التَّصديقُ... فالعبدُ مؤمِنٌ، أي: مُصدِّقٌ محقِّقٌ، واللهُ مؤمِنٌ، أي: مُصدِّقٌ ما وعَدَه ومُحقِّقُه، أو قابلٌ إيمانَه.
وقد يكونُ المؤمِنُ من الأَمانِ، أي: لا يَأمَنُ إلَّا مَن أمَّنَه اللهُ... وهذه الصِّفةُ من صِفاتِ اللهِ جَلَّ وعَزَّ لا تَتصرَّفُ تصرُّفَ غيرِها، لا يُقالُ: أَمِنَ اللهُ، كما يُقالُ: تَقدَّسَ اللهُ، ولا يُقالُ: يُؤمِنُ اللهُ، كما يُقالُ: يتقَدَّسُ اللهُ... وإنَّما نَنتهي في صِفاتِه إلى حيثُ انتهى، فإنْ كان قد جاءَ مِن هذا شيءٌ عن الرَّسولِ صلَّى الله عليه وعلى آلِه أو عَنِ الأئمَّةِ، جازَ أنْ يُطلَقَ كما أُطلِقَ غيرُه) [2834] يُنظر: ((تفسير غريب القرآن)) (ص: 9). .
وقال الزَّجاجيُّ: (المؤمنُ في صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ على وَجهينِ:
أَحَدُهما: أنْ يكونَ مِن الأمانِ، أي: يُؤمِّنُ عِبادَه المؤمنينَ مِن بَأسِه وعَذابِه، فيَأمنونَ ذلِك، كما تقولُ: «آمَنَ فلانٌ فلانًا»، أي: أَعطاهُ أمانًا ليَسْكُنَ إليه ويأمنَ، فكذلك أيضًا يُقالُ: اللهُ المؤمِنُ، أي: يُؤَمِّنُ عِبادَه المؤمِنين، فلا يَأْمَنُ إلَّا مَنْ آمَنَه...
والوَجْهُ الآخَرُ: أنْ يكونَ المؤمنُ من الإيمانِ، وهو التَّصديقُ، فيكونُ ذلك على ضَربينِ؛ أحَدُهما: أنْ يُقالَ: اللهُ المؤمنُ، أي: مُصَدِّقٌ عِبادَه المؤمنين، أي: يُصدِّقُهم على إيمانِهم، فيكونُ تصديقُه إيَّاهم قَبولَ صدقِهِم وإيمانِهم، وإثابتَهم عليه. والآخَرُ: أن يُقالَ: اللهُ المؤمِنُ، أي: مُصدِّقٌ ما وَعَدَهُ عِبادَه، كما يُقالُ: صَدَقَ فُلانٌ في قَولِه وصَدَّقَ: إذا كَرَّرَ وبالغَ، يكونُ بمنْزلةِ ضَرَبَ وضَرَّبَ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ مُصدِّقٌ ما وعَدَ به عبادَهُ ومُحقِّقُه.
فهذه ثلاثةُ أوجهٍ في المؤمِن، سائغٌ إضافتُها إلى اللهِ.
ولا يُصرَّفُ فِعلُ هذه الصِّفةِ مِن صِفاتِه عزَّ وجلَّ، فلا يُقالُ: آمَنَ اللهُ، كما يُقال: تَقدَّسَ اللهُ، وتَبارَكَ اللهُ، ولا يُقال: اللهُ يُؤمنُ، كما يُقالُ: اللهُ يَحلُم ويَغفِرُ، ولم يُستعمَلْ ذلك، كما قِيل: تَبارَكَ اللهُ، ولم يقُل: هو مُتبارَكٌ، وإنَّما تُستعمَلُ صِفاتُه على ما استعملَتْها الأُمَّةُ وأَطلقَتْها) [2835] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص:  221- 223). .
وقال الأزهريُّ: (المؤمِنُ: من أسماءِ اللهِ تعالى، الذي وَحَّد نَفْسَه بقَولِه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة: 163] ، وبقَولِه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 18] .
وقيل: المؤمِنُ في صِفةِ اللهِ: الذي آمَنَ الخَلْقَ مِن ظُلْمِه.
وقيل: المؤمِنُ: الذي آمَنَ أولياءَه عَذابَه.
قال ابنُ الأعرابيِّ: وقيل: المؤمِنُ: الذي يَصْدُقُ عِبادَه ما وَعَدَهم.
وكُلُّ هذه الصِّفاتِ للهِ تعالى؛ لأنَّه صَدَقَ بقَولِه ما دعا إليه عِبادَه مِن توحيدٍ، ولأنَّه آمَنَ الخَلْقَ مِن ظُلْمِه، وما وعَدَنا مِنَ البَعْثِ، والجَنَّةِ لِمن آمَنَ به، والنَّارِ لِمن كَفَر به؛ فإنَّه مُصَدِّقٌ وَعْدَه لا شَريكَ له) [2836] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (15/ 370). .
وقال الخطَّابيُّ: (المؤمِنُ: أصلُ الإيمانِ في اللُّغةِ: التَّصديقُ؛ فالمؤمِنُ: المصَدِّقُ، وقد يحتَمِلُ ذلك وُجوهًا:
أحَدُها: أنَّه يَصدُقُ عِبادَه وَعْدَه، ويَفي بما ضَمِنَه لهم مِن رِزقٍ في الدُّنيا، وثوابٍ على أعمالِهم الحَسَنةِ في الآخِرةِ.
والوَجهُ الآخَرُ: أنَّه يُصَدِّقُ ظُنونَ عِبادِه المؤمنينَ، ولا يُخَيِّبُ آمالَهم، كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يحكيه عن رَبِّه جَلَّ وعَزَّ: ((أنا عندَ ظَنِّ عبدِي بي فلْيَظُنَّ عَبْدِي بي ما شاء )).
وقيل: بل المؤمِنُ الموحِّدُ نَفْسَه بقَولِه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا ُهَو وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [آل عمران: 18] .
وقيل: بل المؤمِنُ: الذي آمَنَ عِبادَه المؤمِنينَ في القيامةِ مِن عَذابِه. وقيل: هو الذي آمَنَ خَلْقَه مِن ظُلمِه) [2837] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 45). .
وقال الحليميُّ: (المؤمِنُ: ومعناه المصَدِّقُ؛ لأنَّه إذا وَعَد صَدَقَ وَعْدَه، ويحتَمِلُ المؤمِنُ عِبادَه بما عَرَّفَهم مِن عَدْلِه ورَحمتِه مِن أن يَظلِمَهم ويجورَ عليهم) [2838] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 202). .

انظر أيضا: