الموسوعة العقدية

 السَّيِّدُ

يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه السَّيِّدُ، وهو اسمٌ ثابتٌ له بِالسُّنَّة الصَّحِيحَةِ.
الدَّليلُ:
حديثُ عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: انطلقتُ في وفدِ بني عامرٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقلنا: أنتَ سيِّدُنا. فقال: ((السَّيِّدُ اللهُ تبارك وتعالى ... فقال: «قُولُوا بقَوْلِكم، أو بَعْضِ قَوْلِكم، ولا يَسْتَجْرِينَّكُمُ الشَّيطانُ )) [2316] أخرجه أبو داود (4806) واللفظ له، وأحمد (16307) صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4806)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (578)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4806)، وجوَّده الشَّوكانيُّ في ((الفتح الرباني)) (5646). .
قال الخَطَّابي: (قَولُه: ((السَّيِّدُ اللهُ )) يريدُ أنَّ السُّؤدُدَ حقيقةً لله عَزَّ وجَلَّ، وأنَّ الخَلْقَ كُلَّهم عبيدٌ له، وإنَّما مَنَعهم -فيما نرى- أن يدعوه سيدًا مع قَولِه: ((أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ )) [2317] أخرجه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، وقَولِه لبني قُرَيظةَ: ((قُوموا إلى سَيِّدكم -يُريدُ سَعدَ بنَ مُعاذٍ )) [2318] أخرجه البخاري (3034)، ومسلم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ؛ مِن أجْلِ أنَّهم قومٌ حَديثٌ عَهْدُهم بالإسلامِ، وكانوا يَحسَبونَ أنَّ السِّيادةَ بالنبُوَّةِ كهيَ بأسبابِ الدُّنيا، وكان لهم رُؤَساءُ يُعَظِّمونهم ويَنقادون لأمْرِهم ويُسَمُّونَهم السَّاداتِ، فعَلَّمَهم الثَّناءَ عليه وأرشَدَهم إلى الأدَبِ في ذلك، فقال: ((قُولوا بقَولِكم)). يريدُ: قولوا بقَولِ أهلِ دينِكم ومِلَّتِكم، وادْعُوني نبيًّا ورسولًا كما سَمَّاني اللهُ عَزَّ وجَلَّ في كِتابِه، فقال «يا أيُّها النبيُّ، يا أيُّها الرَّسولُ» ولا تُسَمُّوني سَيِّدًا كما تُسَمُّونَ رُؤساءَكم وعُظَماءَكم، ولا تجعلوني مِثْلَهم؛ فإنِّي لستُ كأحَدِهم؛ إذ كانوا يَسُودونَكم بأسبابِ الدُّنيا، وأنا أَسُودكم بالنبُوَّةِ والرِّسالةِ؛ فسَمُّوني نبيًّا ورسولًا) [2319] يُنظر: ((معالم السنن)) (4/ 112). .
وقال الحليميُّ: (السَّيِّدُ: هو اسمٌ لم يأتِ به الكِتابُ، ولكِنَّه مأثورٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه رُوِيَ عنه أنَّه قال لوفدِ بني عامرٍ: ((لا تقولوا السَّيِّدَ؛ فإنَّ اللهَ هو السَّيِّدُ)). ومعناه: المحتاجُ إليه بالإطلاقِ؛ فإنَّ سَيِّدَ النَّاسِ إنَّما هو رأُسهم الذي إليه يَرجِعونَ وبأمْرِه يَعمَلونَ، وعن رأيِه يَصدُرونَ، ومِن قُوَّتِه يَستَمِدُّونَ) [2320] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 192). .
قال ابنُ القَيِّم:
(وهوَ الإلهُ السَّيِّدُ الصَّمدُ الذي             صَمَدَتْ إليهِ الخَلْقُ بالإذْعَانِ
الكَامِلُ الأوْصَافِ منْ كُلِّ الوُجُو            ـهِ كَمَالُهُ ما فيهِ مِنْ نُقْصَانِ) [2321] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (3/725). .
ومِن معاني الصَّمَدِ- كما سيأتي في بابِه-: السَّيِّدُ الذي كَمَلَ في سُؤدُدِه.
قال ابنُ القيِّمِ: (أمَّا وصْفُ الربِّ تعالى بأنَّه السَّيِّدُ فذلك وصفٌ لربِّه على الإطلاقِ؛ فإنَّ سَيَّدَ الخلقِ هو مالكُ أمْرِهم الذي إليه يَرجِعون، وبأمْره يَعملون، وعن قولِه يَصْدُرون، فإذا كانتِ الملائكةُ والإنسُ والجنُّ خلقًا له سُبحانَه وتعالى، ومِلكًا له ليس لهم غِنًى عنه طَرْفَةَ عينٍ، وكلُّ رغباتِهم إليه، وكُلُّ حوائجِهم إليه- كان هو سُبحانَه وتعالى السَّيِّدَ على الحقيقةِ) [2322] يُنظر: ((تحفة المودود)) (ص: 80). .
وقال: (السَّيِّدُ إذا أُطْلِقَ عليه تعالى فهو بمعنى: المالِك، والمولَى، والرَّبِّ، لا بالمعنَى الذي يُطلَقُ على المخلوقِ، واللهُ سُبحانَه وتعالى أعلمُ) [2323] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (3 /730). .
وقال المناويُّ: (السَّيِّدُ حقيقةً هو اللهُ لا غيرُه، أي: هو الذي يحِقُّ له السِّيادةُ المُطلَقةُ، فحقيقةُ السُّؤدُدِ ليست إلَّا له؛ إذ الخَلْقُ كُلُّهم عَبيدُه... وقال الرَّاغِبُ: سَيِّدُ الشَّيءِ: هو الذي يَملِكُ سَوادَه، أي: شَخْصَه جميعَه، وقال الدَّماميني: السَّيِّدُ عند أهلِ اللُّغةِ: مَن أهلٌ للسُّؤدُدِ، وهو التقديمُ، يقالُ: ساد قومَه: إذا تقَدَّمهم، وهذا قاله لَمَّا خوطِبَ بما يخاطَبُ به رُؤساءُ القبائِلِ من قَولِهم: أنت سَيِّدُنا ومولانا، فذكَرَه؛ إذ كان حَقَّه أن يخاطَبَ بالرَّسولِ أو النَّبيِّ؛ فإنَّها مَنزِلةٌ ليس وراءَها مَنزِلةٌ لأحَدٍ مِنَ البشَرِ، فقال: ((السَّيِّدُ اللهُ )) حوَّل الأمرَ فيه إلى الحقيقةِ، أي: الذي يملِكُ النَّواصيَ ويتولَّى أمْرَهم ويَسُوسُهم إنَّما هو اللهُ، ولا يُناقِضُه: ((أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ ))؛ لأنَّه إخبارٌ عمَّا أُعطِيَ مِن الشَّرَفِ على النَّوعِ الإنسانيِّ، واستعمالُ السَّيِّدِ في غيرِ اللهِ شائِعٌ ذائِعٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ. قال النوويُّ: والمنهيُّ عنه استعمالُه على جهةِ التعاظُمِ لا التعريفِ، واستدَلَّ بعضُهم بهذا الخَبَرِ أنَّ السَّيِّدَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى) [2324] يُنظر: ((فيض القدير)) (4/ 152). .
وممَّن أَثبَتَ اسمَ (السَّيِّد) للهِ عزَّ وجلَّ: ابنُ مَنْدَه [2325] يُنظر: ((التوحيد)) (2/132). ، والبيهقيُّ [2326] يُنظر: ((الأسماء والصفات)) (1/66). ، وابنُ حزمٍ [2327] يُنظر: ((المحلى)) (6/282). ، وأبو القاسِمِ الأصبهانيُّ [2328] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (1/167). ، وابنُ العربيِّ [2329] يُنظر: ((الأمد الأقصى)) (1/449). ، وابنُ القيِّمِ [2330] كما تقدَّم ذكره. ، وابنُ عُثَيمين [2331] يُنظر: ((القواعِد المُثْلَى)) (ص: 19). .

انظر أيضا: