الموسوعة العقدية

 الحُجْزَةُ وَالحَقْوُ

صفتانِ ذاتيَّتانِ ثابتتانِ بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:
1- حديثُ: ((إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ آخِذةٌ بحُجْزَةِ الرَّحمنِ، يَصِلُ مَن وصَلَها، ويقطَعُ مَن قطَعَها )) [1912] أخرجه أحمد (2953) واللفظ له، وابن أبي عاصم في ((السنَّة)) (538)، والطبراني (10/398) (10807) صححه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (2953)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1629)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/344). .
2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((خلَق اللهُ الخَلْقَ، فلمَّا فرَغَ منه، قامَتِ الرَّحِمُ فأخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحمنِ، فقال: مَهْ! قالت: هذا مَقامُ العائذِ بكَ مِن القطيعةِ... )) [1913] أخرجه البخاري (4830). .
والحَقْوُ والحُجْزةُ: موضِعُ عقدِ الإزارِ وشَدِّه.
قال أبو موسى المَدينيُّ: (وفي الحديثِ: ((إنَّ الرَّحِمَ أخَذَتْ بحُجْزَةِ الرَّحمنِ)) -ثمَّ ذكَر تفسيرينِ للحديثِ- ثمَّ قال: وإجراؤُه على ظاهِرِه أَوْلى) [1914] يُنظر: ((المجموع المغيث)) (1/405). .
وقال أبو يَعْلى: (اعلَمْ أنَّه غيرُ مُمتنِعٍ حَمْلُ هذا الخبَرِ على ظاهرِه، وأنَّ الحَقْوَ والحُجْزَةَ صفةُ ذاتٍ) [1915] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (1/420). .
وقال عبدُ اللهِ الغُنَيمانُ ناقلًا مِن (نقضِ التَّأسيسِ) لابنِ تيميَّةَ، ومِن (إبطالِ التَّأويلاتِ) لأبي يَعْلى الفرَّاءِ، ومُعلِّقًا:
(قال شيخُ الإسلامِ رحمه اللهُ في ردِّه على الرَّازيِّ في زعمِه أنَّ هذا الحديثَ: يعني: حديثَ أبي هُرَيرةَ المُتقدِّمَ يجبُ تأويلُه:
قال: فيُقالُ له: بل هذا مِن الأخبارِ الَّتي يُقرُّها مَن يُقِرُّ نظيرَه، والنِّزاعُ فيه كالنِّزاعِ في نظيرِه؛ فدَعْواكَ أنَّه لا بدَّ فيه مِن التَّأويلِ بلا حجَّةٍ تخُصُّه: لا تصِحُّ.
وقال: وهذا الحديثُ في الجملةِ مِن أحاديثِ الصِّفاتِ، الَّتي نصَّ الأئمَّةُ على أنَّه يُمَرُّ كما جاء، وردُّوا على مَن نفى مُوجِبَه، وما ذكَره الخطَّابيُّ وغيرُه أنَّ هذا الحديثَ ممَّا يُتأوَّلُ بالاتِّفاقِ، فهذا بحسَبِ عِلمِه؛ حيث لم يبلُغْه فيه عن أحَدٍ مِن العُلَماءِ أنَّه جعَله مِن أحاديثِ الصِّفاتِ الَّتي تُمَرُّ كما جاءَتْ.
قال ابنُ حامدٍ: وممَّا يجِبُ التَّصديقُ به: أنَّ للهِ حَقْوًا.
قال المَرْوذيُّ: قرَأْتُ على أبي عبدِ اللهِ كِتابًا، فَمَرَّ فيه ذِكرُ حديثِ أبي هُرَيرةَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ خلَق الرَّحِمَ، حتَّى إذا فرَغَ منها أخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحمنِ))، فرفَع المُحدَّثُ رأسَه، وقال: أخافُ أن تكونَ كفَرْتَ، قال أبو عبدِ اللهِ: هذا جَهْمِيٌّ.
وقال أبو طالبٍ: سمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يُسأَلُ عن حديثِ هشامِ بنِ عمَّارٍ، أنَّه قُرِئَ عليه حديثُ الرَّحِمِ: ((تَجيءُ يومَ القيامةِ فتَعَلَّقُ بالرَّحمنِ تعالى ...))، فقال: أخافُ أن تكونَ قد كفَرْتَ، فقال: هذا شاميٌّ، ما له ولهذا؟ قلتُ: فما تقولُ؟ قال: يمضي كُلُّ حديثٍ على ما جاء.
وقال القاضي أبو يَعْلى: اعلَمْ أنَّه غيرُ مُمتنِعٍ حملُ هذا الخبرِ على ظاهرِه، وأنَّ الحَقْوَ والحُجْزَةَ صفةُ ذاتٍ، لا على وجهِ الجارحةِ والبَعْضِ، وأنَّ الرَّحِمَ آخِذةٌ بها، لا على وَجهِ الاتِّصالِ والمُماسَّةِ، بل نُطلِقُ ذلك تسميةً كما أطلَقها الشَّرعُ، وقد ذكَر شيخُنا أبو عبدِ اللهِ رحمه اللهُ هذا الحديثَ في كِتابه، وأخَذَ بظاهرِه، وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ.
قلتُ [1916] القائلُ هو الغُنَيمان. : قَولُه: «لا على وَجهِ الجارحةِ والبَعضِ»، وقَولُه: «لا على وَجهِ الاتِّصالِ والمُماسَّةِ»: قولٌ غيرُ سديدٍ، وهو مِن أقوالِ أهلِ البِدَعِ الَّتي أفسَدَتْ عقولَ كثيرٍ مِن النَّاسِ، فمِثلُ هذا الكلامِ المُجمَلِ لا يجوزُ نَفْيُه مُطلَقًا، ولا إثباتُه مُطلَقًا؛ لأنَّه يحتمِلُ حقًّا وباطلًا، فلا بدَّ مِن التَّفصيلِ في ذلك، والإعراضُ عنه أَوْلى؛ لأنَّ كلامَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالٍ منه، وليس هو بحاجةٍ إليه؛ فهو واضحٌ، وليس ظاهرُ هذا الحديثِ أنَّ للهِ إزارًا ورداءً مِن جِنسِ الأُزُرِ والأَرْديَةِ الَّتي يلبَسُها النَّاسُ، ممَّا يُصنَعُ مِن الجُلودِ والكَتَّانِ والقُطنِ وغيرِه، بل هذا الحديثُ نصٌّ في نَفْيِ هذا المعنى الفاسدِ؛ فإنه لو قيل عن بعضِ العبادِ: إنَّ العظَمةَ إزارُه والكِبْرياءَ رداؤُه، لكان إخبارُه بذلك عنِ العظَمةِ والكِبْرياءِ اللَّذينِ ليسا مِن جِنسِ ما يُلْبَسُ مِن الثِّيابِ.
فإذا كان هذا المعنى الفاسدُ لا يَظهَرُ مِن وصْفِ المخلوقِ؛ لأنَّ تركيبَ اللَّفظِ يمنَعُ ذلك، وبَيَّن المعنى المُراد؛ فكيف يُدَّعى أنَّ هذا المعنى ظاهرُ اللَّفظِ في حقِّ اللهِ تعالى؛ فإنَّ كُلَّ مَن يفهَمُ الخطابَ ويعرِفُ اللُّغةَ، يعلَمُ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُخبِرْ عن ربِّه بلُبْسِ الأَكْسيَةِ والثِّيابِ، ولا أحَدَ ممَّن يفهَمُ الخطابَ يدَّعي في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خالدِ بنِ الوليدِ: ((إنَّه سيفُ اللهِ)) أنَّ خالدًا حديدٌ، ولا في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الفَرَسِ: ((إنَّا وجَدْناه بَحْرًا)) أنَّ ظاهرَه أنَّ الفَرَسَ ماءٌ كثيرٌ، ونحوُ ذلك) [1917] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/383-385). .

انظر أيضا: