الموسوعة العقدية

المَطلَبُ السَّادِسُ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: قَطْعُ الطَّمَعِ عن إدراكِ حقيقةِ الكيفيَّةِ

ينبغي على المسلم أن يقطع أمله في إدراك حقيقة كيفية صفات الله عز وجل وألا يشغل باله بذلك فإنه لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله سبحانه [1303] يُنظر: ((منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات)) للشنقيطي (ص: 44). .
قال اللهُ تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] .
عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ قال: سُئِلَ ربيعةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ عن قَولِه: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] : كيف استوى؟ قال: (الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ مَعقولٍ، ومِنَ اللهِ الرِّسالةُ، وعلى الرَّسولِ البَلاغُ، وعلينا التَّصديقُ) [1304] أخرجه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (665). .
وعن يحيى بنِ يحيى قال: كُنَّا عند مالِكِ بنِ أنَسٍ، فجاء رجُلٌ فقال: يا أبا عبدِ اللهِ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] فكيف استوى؟ قال: فأطرَقَ مالِكٌ برأسَه حتى علاه الرُّحَضاءُ، ثمَّ قال: (الاستِواءُ غيرُ مجهولٍ، والكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ، وما أراك إلَّا مُبتَدِعًا، فأمَرَ به أن يُخرَجَ) [1305] أخرجه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (867). .
وعن محمَّدِ بنِ الحسَنِ الشَّيباني قال: (نؤمِنُ بما جاء من عندِ اللهِ تعالى، ولا نشتَغِلُ بكيفيَّتِه على ما أراد اللهُ تعالى، وبما جاء مِن عندِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما أراد به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [1306])) يُنظر: ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص: 128). .
وعن العَبَّاسِ بنِ محمَّدٍ الدُّوريِّ قال: سَمِعتُ أبا عُبَيدٍ القاسِمَ بنَ سَلامٍ، وذكَرَ البابَ الذي يُروى فيه حديثُ الرُّؤيةِ والكُرسيِّ ومَوضِعِ القدَمينِ، وضَحِكِ رَبِّنا مِن قُنوطِ عِبادِه وقُرْبِ غِيَرِه، وأين كان رَبُّنا قبل أن يَخلُقَ السَّماءَ، وأنَّ جَهنَّمَ لا تمتلِئُ حتى يضَعَ رَبُّك عزَّ وجَلَّ قَدَمَه فيها، فتقولُ: قَطْ قَطْ، وأشباهُ هذه الأحاديثِ، فقال: (هذه الأحاديثُ صِحَاحٌ، حمَلَها أصحابُ الحَديثِ والفُقَهاءُ بعضُهم عن بعضٍ، وهي عندنا حَقٌّ لا نَشُكُّ فيها، ولكِنْ إذا قيل: كيف وَضَعَ قَدَمَه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قُلْنا: لا يُفَسَّرُ هذا، ولا سَمِعْنا أحَدًا يُفَسِّرُه) [1307] أخرجه الدارقطني في ((الصفات)) (57). .
وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (من صفةِ المؤمِنِ من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: إرجاءُ ما غاب عنه من الأمورِ إلى اللهِ، كما جاءت الأحاديثُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أهلَ الجنَّةِ يَرَونَ رَبَّهم)) [1308])) أخرجه البخاري (554)، ومسلم (633) من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه بلفظ: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته..)) فيُصَدِّقُها، ولا يضرِبُ لها الأمثالَ، هذا ما اجتمع عليه العُلَماءُ في الآفاقِ) [1309])) يُنظر: ((مناقب الإمام أحمد)) لابن الجوزي (ص: 209). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (العَقلُ قد يَئِسَ مِن تعَرُّفِ كُنْهِ الصِّفةِ وكَيفيَّتِها؛ فإنَّه لا يَعلَمُ كيف اللهُ إلَّا اللهُ، وهذا معنى قَولِ السَّلَفِ: بلا كَيفٍ، أي: بلا كَيفٍ يَعقِلُه البَشَرُ، فإنَّ مَن لا تَعلَمُ حَقيقةَ ذاتِه وماهيَّتِه، كيف تَعرِفُ كيفيَّةَ نُعوتِه وصِفاتِه؟ ولا يَقدَحُ ذلك في الإيمانِ بها، ومَعرفةِ مَعانيها، فالكيفيَّةُ وراءَ ذلك، كما أنَّا نَعرِفُ معانيَ ما أخبَرَ اللهُ به من حقائِقِ ما في اليَومِ الآخِرِ، ولا نعرِفُ حقيقةَ كيفيَّتِه، مع قُربِ ما بين المخلوقِ والمخلوقِ، فعَجْزُنا عن معرفةِ كيفيَّةِ الخالِقِ وصِفاتِه أعظَمُ وأعظَمُ! فكيف يَطمَعُ العَقلُ المخلوقُ المحصورُ المحدودُ في مَعرفةِ كيفيَّةِ مَن له الكَمالُ كُلُّه، والجَمالُ كُلُّه، والعِلْمُ كُلُّه، والقُدرةُ كُلُّها، والعَظَمةُ كُلُّها، والكِبرياءُ كُلُّها؟!) [1310] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/ 335). .

انظر أيضا: