الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّالثُ: مِن شُروطِ لا إلهَ إلَّا اللهُ: القَبولُ

قال اللهُ تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين [الصَّافات: 35-37] .
بيَّن اللهُ تعالى أنَّ المُشرِكينَ إنَّما وقَعوا في عَذابِ الآخِرةِ؛ لأنَّهم كانوا إذا قِيلَ لهم في الدُّنيا: قُولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يتكبَّرونَ عن قَولِ ذلك، ولا يَستَجيبونَ لِمَن دعاهم إليه، ويَقولونَ: أنقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ونَترُكُ عِبادةَ آلهتِنا؛ اتِّباعًا لِقَولِ شاعرٍ مَجنونٍ؟! وليس الأمرُ كما يَزعُمونَه مِن أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شاعِرٌ مَجنونٌ، وإنَّما هو نَبيٌّ جاء بالقُرآنِ مِن عندِ اللهِ، وفيه الأمرُ بتوحيدِ اللهِ، وقد صَدَّقَ المُرسَلينَ الذين كانوا قَبلَه، وأخبَروا بمَجيئِه؛ فكانت بعثتُه تَصديقًا لهم، وشَهِدَ هو بنُبوَّتِهم، وأخبَرَ بمِثلِ ما أَخبَروا به مِنَ التَّوحيد وغَيرِه مِن الحَقِّ [703] يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 62). .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وإنَّ هؤلاء المُشْرِكين باللهِ، الذين وَصَف صِفَتَهم في هذه الآياتِ، كانوا في الدُّنيا إذا قيل لهم: قُولُوا: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ يقولُ: يتعَظَّمونَ عن قِيلِ ذلك ويتكَبَّرونَ) [704] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 528). .
وقال السَّمعانيُّ: (استَكبَروا عن الإقرارِ بالوَحْدانيَّةِ) [705] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (2/ 179). .
وقال البَغَويُّ: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ يتكَبَّرونَ عن كَلِمةِ التَّوحيدِ ويَمتَنِعونَ منها) [706] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 30). .
وقال الشِّنقيطيُّ: (المعنى: كذلك نَفعَلُ بالمجرِمينَ لأجْلِ أنَّهم كانوا في داِر الدُّنيا إذا قيلَ لهم: لا إلهَ إلَّا اللهُ يَستَكبِرونَ، أي: يتكَبَّرونَ عن قَبولِها، ولا يَرضَونَ أن يكونوا أتباعًا للرُّسُلِ) [707] يُنظر: ((أضواء البيان)) (6/ 312). .
وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَثَلُ ما بعَثَني اللهُ به من الهُدى والعِلْمِ كمَثَلِ الغَيثِ الكثيرِ أصابَ أرضًا؛ فكان منها نَقِيَّةٌ قَبِلَت الماءَ فأنبَتَت الكلَأَ والعُشبَ الكثيرَ، وكانت منها أجادِبُ أمسكَت الماءَ، فنَفَع اللهُ بها النَّاسَ، فشَرِبوا وسَقَوا وزَرَعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى إنَّما هي قِيعانٌ، لا تُمسِكُ ماءً، ولا تُنبِتُ كَلأً، فذلك مَثَلُ مَن فَقُهَ في دينِ اللهِ، ونفَعَه ما بعَثَني اللهُ به، فعَلِمَ وعَلَّم، ومَثَلُ مَن لم يَرفَعْ بذلك رأسًا، ولم يَقبَلْ هُدى اللهِ الذي أُرسِلْتُ به )) [708] أخرجه البخاري (79)، ومسلم (2282). .
في هَذا الحَديثِ بيانٌ لفَضْلِ مَن قَبِلَ هُدَى اللهِ تعالَى، فعلِمَ وعَمِلَ وعلَّمَ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَبَّهه بخَيرِ أجزاءِ الأرضِ وأشرفِها وأزكاها، وهي الأرضُ النَّقيَّةُ، وفيه: ذمُّ الإعراضِ عن العِلمِ والعَمَلِ، وعَدمِ قَبولِه [709] يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 63). .

انظر أيضا: