الموسوعة العقدية

الفرعُ الثالثُ: فَضْلُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها

فَضائِلُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ومناقِبُها كثيرةٌ وجليلةٌ؛ ومن ذلك:
من مَناقِبِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها إنزالُ اللهِ تعالى في كتابِه آياتِ تَبْرِئتِها ممَّا رماها به أصحابُ الإفكِ.
 قال ابنُ جُزَيٍّ: (برَّأ عائشةَ مِنَ الإفكِ بإنزالِ القُرآنِ في شأنِها، ولقد تضمَّنَت هذه الآياتُ الغايةَ القصوى في الاعتناءِ بها، والكرامةِ لها، والتشديدِ على من قَذَفَها) [2283] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/62). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (من خصائصِها أنَّ اللهَ سُبحانَه برَّأها ممَّا رماها به أهلُ الإفْكِ، وأنزل في عُذْرِها وبراءتِها وَحْيًا يُتلى في محاريبِ المُسلِمين وصَلَواتِهم إلى يَومِ القيامةِ) [2284] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/405). .
 وقال أيضًا: (أخبر سُبحانَه أنَّ ما قيل فيها من الإفكِ كان خيرًا لها، ولم يكُنْ بذلك الذي قيل فيها شَرٌّ لها، ولا عَيبٌ لها، ولا خافِضٌ من شأنِها، بل رفعَها اللهُ بذلك، وأعلى قَدْرَها وعظَّم شَأنَها، وأصار لها ذِكْرًا بالطِّيبِ والبراءةِ بين أهلِ الأرضِ والسَّماءِ، فيا لها مِن مَنقَبةٍ ما أجَلَّها! وتأمَّلْ هذا التشريفَ والإكرامَ النَّاشِئَ عن فَرطِ تواضُعِها واستصغارِها لنَفْسِها؛ حيث قالت: «ولَشَأني في نفسي كان أحقَرَ مِن أن يتكَلَّم اللهُ فيَّ بوَحيٍ يُتلى! ولكِنْ كُنتُ أرجو أن يرى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رُؤيا يُبَرِّئُني اللهُ بها» [2285] أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770) مطولًا باختلافٍ يسيرٍ مِن حَديثِ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. ، فهذه صِدِّيقةُ الأُمَّةِ، وأمُّ المُؤمِنينَ، وحِبُّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهي تعلَمُ أنَّها بريئةٌ مَظلومةٌ، وأنَّ قاذِفِيها ظالِمون مُفتَرون عليها، قد بلغ أذاهم إلى أبَوَيها، وإلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا كان احتِقارَها لنَفْسِها وتصغيرَها لشأنِها) [2286] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 405). .
2- من مَناقِبِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها الشَّهادةُ لها بالإحصانِ والإيمانِ.
قال اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 23] .
 قال الزَّمخشريُّ: (لو فَليتَ القرآنَ كُلَّه، وفتَّشْتَ عمَّا أَوعَدَ به من العُصاةِ، لم تَرَ اللهَ تعالى قد غلَّظ في شيءٍ تغليظَه في إفكِ عائِشةَ رِضوانُ اللهِ عليها، ولا أنزل من الآياتِ القوارعِ المشحونةِ بالوعيدِ الشَّديدِ والعتابِ البَليغِ والزَّجرِ العَنيفِ، واستعظامِ ما رُكِبَ من ذلك، واستِفظاعِ ما أُقدِمَ عليه- ما أنزَلَ فيه على طُرُقٍ مُختَلِفةٍ، وأساليبَ مُفْتنَّةٍ، كُلُّ واحدٍ منها كافٍ في بابِه، ولو لم يُنزِلْ إلَّا هذه الثَّلاثَ لكفى بها؛ حيث جَعَل القذَفَةَ مَلعونينَ في الدَّارَينِ جَميعًا، وتوعَّدَهم بالعذابِ العظيمِ في الآخِرةِ، وبأنَّ ألسِنَتَهم وأيديَهم وأرجُلَهم تشهَدُ عليهم بما أَفَكوا وبَهَتوا، وأنَّه يُوَفِّيهم جزاءَهم الحَقَّ الواجِبَ الذي هم أهلُه، حتى يَعلَموا عند ذلك أنَّ اللهَ هو الحقُّ المُبِينُ، فأوجز في ذلك وأشبَعَ، وفصَّل وأجمَلَ، وأكَّد وكَرَّر، وجاء بما لم يَقَعْ في وعيدِ المُشرِكين عَبَدةِ الأوثانِ إلَّا ما هو دونَه في الفَظاعةِ، وما ذاك إلَّا لأمرٍ... ولقد برَّأ اللهُ تعالى أربعةً بأربعةٍ: برَّأ يوسُفَ بلِسانِ الشَّاهِدِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وبرَّأ موسى من قولِ اليَهودِ فيه بالحَجَرِ الذي ذهَبَ بثَوبِه، وبرَّأ مريمَ بإنطاقِ وَلَدِها حين نادى من حِجْرِها: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وبرَّأ عائِشةَ بهذه الآياتِ العِظامِ في كتابِه المُعجِزِ المتلُوِّ على وَجْهِ الدَّهرِ مِثلَ هذه التبرئةِ بهذه المبالغاتِ؛ فانظُرْ كم بينها وبين تبرئةِ أُولئك! وما ذاك إلَّا لإظهارِ عُلُوِّ منزلةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والتنبيهِ على إنافةِ محَلِّ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، وخِيرةِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، وحُجَّةِ اللهِ على العالمَينَ، ومن أراد أن يتحقَّقَ عَظَمةَ شَأنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتقدُّمَ قَدَمِه، وإحرازَه لقَصَبِ السَّبقِ دون كُلِّ سابقٍ، فليتلَقَّ ذلك من آياتِ الإفكِ، وليتأمَّلْ كيف غَضِبَ اللهُ في حُرمَتِه، وكيف بالَغَ في نفيِ التُّهمةِ عن حجابِه، فإنْ قُلْتَ: إن كانت عائِشةُ هي المرادةَ، فكيف قيل: المُحْصَناتُ؟ قُلتُ: فيه وَجهانِ؛ أحَدُهما: أن يرادَ بالمُحصَناتِ أزواجَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأن يُخصَّصْنَ بأنَّ مَن قَذَفَهنَّ فهذا الوعيدُ لاحِقٌ به... والثَّاني: أنَّها أمُّ المُؤمِنينَ، فجُمِعَت إرادةً لها ولبناتِها مِن نِساءِ الأمَّةِ الموصوفاتِ بالإحصانِ والغَفلةِ والإيمانِ) [2287] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/ 223).
3- تكَرُّرُ رُؤيةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لها في المنامِ بأنَّها زَوجَتُه، وذلك قَبْلَ زواجِه بها
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُريتُكِ في المنامِ ثلاثَ لَيالٍ، جاءني بِكِ المَلَكُ في سَرَقةٍ مِن حَريرٍ، فيقولُ: هذه امرَأتُكَ، فأكشِفُ عن وَجْهِكِ فإذا أنتِ هيَ! فأقولُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللهِ يُمْضِهِ )) [2288] رواه البخاري (3895)، ومسلم (2438) واللَّفظُ له. .
 قال ابنُ العَربيِّ: (الرُّؤيا على قِسمَينِ: اسمٌ، وكُنيةٌ. فالاسمُ: أن تخرُجَ بصورتِها. والكُنيةُ: أن تخرُجَ بتأويلِها. ولذلك قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها حينَ بنى بها: "رأيتُكِ في المنامِ في سَرَقةِ حَريرٍ، فقال ليَ المَلَكُ: هذه زَوجُكَ، فكشَفْتُ عنكِ فإذا هي أنتِ، فقُلْتُ: إن يكُنْ هذا من عِندِ اللهِ يُمْضِه". فتأمَّلْ ظاهِرَ هذا، كيف يقولُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فقال ليَ المَلَكُ: هذه زَوْجُكَ)) ثُمَّ يقولُ رَسولُ اللهِ: ((إن يكُنْ مِن عِندِ اللهِ يُمْضِهِ)) والجاهِلُ يَظُنُّ أنَّ هذا شَكٌّ في التصديقِ للرُّؤيا، والمعنى: إن يَكُ هذا من عندِ اللهِ بظاهِرِه يُنفِذْه ويُمْضِه، وإنْ يكُ تأويلًا أو كُنيةً بسَمِيَّتِها أو شَبيهَتِها أو جارَتِها، أو أخْتِها أو قَريبَتِها، فسيظهَرُ أيضًا) [2289] يُنظر: ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (5/ 392). .
 وقال السُّيوطيُّ: (سَرَقةٌ: بفَتحِ السِّينِ المُهمَلةِ والرَّاءِ، وهي الشُّقَّةُ البَيضاءُ مِنَ الحريرِ.
((إن يَكُ من عندِ اللهِ يُمْضِه)) قال القاضي: إن كانت هذه الرُّؤيا قَبْلَ النبُوَّةِ فمعناه: إن كانت رُؤْيا حَقٍّ. وإن كانت بَعْدَها فلها ثلاثةُ معانٍ:
أحدُها: المرادُ: إن تكُنِ الرُّؤيا على وَجْهِها وظاهِرِها لا تحتاجُ إلى تعبيرٍ وصَرفٍ عن ظاهِرِها.
الثَّاني: أنَّ المرادَ: إن كانت هذه الزَّوجةُ في الدُّنيا أم في الجَنَّةِ.
والثَّالِثُ: أنَّه لم يَشُكَّ ولكِنْ أخبر على التحقيقِ، وأتى بصورةِ الشَّكِّ كما قال: أنت أمْ أمُّ سالمٍ، وهو من البديعِ عندَ أهلِ البلاغةِ، وسَمَّاه بعضُهم مَزْجَ الشَّكِّ باليَقينِ) [2290] يُنظر: ((شرح السيوطي على مسلم)) (5/ 403). .
4- من مَناقِبِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها كانت أحَبَّ أزواجِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه.
عن عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَثَه على جَيشِ ذاتِ السَّلاسِلِ قال: فأتيتُه فقُلْتُ: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إليك؟ قال: ((عائِشةُ)). فقُلْتُ: مِنَ الرِّجالِ؟ فقال: ((أبوها)) [2291] رواه البخاري (3662) واللَّفظُ له، ومسلم (2384). .
قال الذَّهبيُّ: (هذا خبرٌ ثابِتٌ على رغمِ أُنُوفِ الرَّوافِضِ، وما كان عليه السَّلامُ لِيُحِبَّ إلَّا طيِّبًا، وقد قال: ((لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلًا من هذه الأمَّةِ لاتخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكِنْ أُخُوَّةُ الإسلامِ أفضَلُ )) [2292] رواه البخاري (3657) مختصَرًا من حديث عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما. ، فأحبَّ أفضَلَ رَجُلٍ مِن أمَّتِه، وأفضَلَ امرأةٍ مِن أمَّتِه، فمن أبغَضَ حبيبَيْ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو حَرِيٌّ أن يكونَ بَغيضًا إلى اللهِ ورَسولِه، وحُبُّه عليه السَّلامُ لعائِشةَ كان أمرًا مُستفيضًا) [2293] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) (2/142). .
5- من مَناقِبِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها نزولُ الوَحيِ على النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في لحافِها دونَ غَيرِها مِن نِسائِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ قال: كان النَّاسُ يتحَرَّونَ بهَداياهم يومَ عائِشةَ، قالت عائِشةُ: فاجتمع صواحِبِي إلى أمِّ سَلَمةَ، فقُلْنَ: يا أمَّ سَلَمةَ، واللهِ إنَّ النَّاسَ يتحَرَّون بهداياهم يومَ عائشةَ، وإنَّا نريدُ الخَيرَ كما تريدُه عائشةَ، فمُرِي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يأمُرَ النَّاسَ أن يُهْدُوا إليه حيث كان أو حيث ما دار، قالت: فذكَرَت ذلك أمُّ سَلَمةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: فأعرَضَ عنِّي، فلمَّا عاد إليَّ ذكَرْتُ له ذاك، فأعرَضَ عني، فلما كان في الثَّالثةِ ذكَرْتُ له فقال: ((يا أمَّ سَلَمةَ، لا تُؤذِيني في عائشةَ؛ فإنَّه واللهِ ما نزل عليَّ الوَحْيُ في لحافِ امرأةٍ منكُنَّ غَيرِها!)) [2294] رواه البخاري (3775) واللَّفظُ له، ومسلم (2441) مختصرًا. .
قال الذَّهبيُّ: (هذا الجوابُ منه دالٌّ على أنَّ فَضْلَ عائشةَ على سائِرِ أمَّهاتِ المُؤمِنينَ بأمرٍ إلهيٍّ وراءَ حُبِّه لها، وأنَّ ذلك الأمرَ مِن أسبابِ حُبِّه لها) [2295] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) (2/143). .
 وقال ابنُ حَجَرٍ: (في هذا الحديثِ مَنقَبةٌ عَظيمةٌ لعائِشةَ، وقد استُدِلَّ به على فَضْلِ عائشةَ على خَديجةَ، وليس ذلك بلازمٍ؛ لأمرينِ: أحَدُهما: احتمالُ ألَّا يكوَن أراد إدخالَ خديجةَ في هذا، وأنَّ المرادَ بقَولِه: ((منكُنَّ)) المُخاطَبةُ -وهي أمُّ سَلَمةَ- ومَن أرسَلَها، أو من كان موجودًا حينئذٍ من النِّساءِ، والثَّاني: على تقديرِ إرادةِ الدُّخولِ فلا يلزَمُ مِن ثُبوتِ خُصوصيَّةِ شَيءٍ من الفَضائِل ثبوتُ الفَضْلِ المُطلَقِ) [2296] يُنظر: ((فتح الباري)) (7/ 108). .
6- من مَناقِبِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ أرسل إليها سلامَه مع النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا: ((يا عائِشُ، هذا جِبريلُ يُقرِئُكِ السَّلامَ! فقُلْتُ: وعليه السَّلامُ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، تَرَى ما لا أَرَى! )) [2297] رواه البخاري (3768) واللَّفظُ له، ومسلم (2447). .
قال النَّوويُّ: (فيه فضيلةٌ ظاهِرةٌ لعائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها) [2298] يُنظر: ((شرح مسلم)) (15/211). .
7- من مَناقِبِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان حريصًا على أن يُمَرَّضَ في بَيْتِها قُبَيلِ وَفاتِه.
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: إن كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليتفَقَّدُ يقولُ: ((أين أنا اليَومَ؟ أين أنا غدًا؟)) استِبطاءً ليومِ عائِشةَ، قالت: (فلمَّا كان يومي قبَضَه اللهُ بين سَحْرِي ونَحْرِي) [2299] رواه البخاري (1389)، ومسلم (2443) واللَّفظُ له. .
وعنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يسألُ في مَرَضِه الذي مات فيه يقولُ: ((أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ يريدُ يومَ عائِشةَ حتى مات عِندَها. قالت عائِشةُ: فمات في اليومِ الذي كان يدورُ عَلَيَّ فيه في بَيتي، فقَبَضَه اللهُ وإنَّ رأسَه لَبَينَ نَحْرِي وسَحْرِي، وخالَطَ رِيقُه رِيقي! دَخَل عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرٍ ومَعَه سِواكٌ يستَنُّ به، فنَظَر إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلْتُ له: أعطِنِي هذا السِّواكَ يا عَبْدَ الرَّحمنِ، فأعطانِيه فقَضَمْتُه، ثُمَّ مضَغْتُه، فأعطَيْتُه رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستَنَّ به وهو مُستَنِدٌ إلى صَدْرِي )) [2300] رواه البخاري (4450) واللَّفظُ له، ومسلم (2443) مختصرًا. . وفي روايةٍ أُخرى: ((فجَمَع اللهُ بين رِيقي ورِيقِه في آخِرِ يومٍ مِنَ الدُّنيا، وأوَّلِ يَومٍ مِنَ الآخِرةِ!)) [2301] رواها البخاري (4451). .
 قال عِياضٌ: (قَولُه: ((أين أنا اليومَ، أين أنا غدًا؟)) استبطاءً ليَومِ عائِشةَ: هذا لمحبَّتِه فيها، وحِرْصِه على أن يكونَ عِندَها، حتى استأذَنَ أزواجَه في تمريضِه عندها؛ ليكونَ عن طِيبِ أنفُسِهنَّ، فيَبلُغَ غَرَضَه مع تطييبِه أنفُسَهنَّ، مع التزامِه ما التَزَمه من العَدْلِ بينَهنَّ. وقولُها: «قَبَضَه اللهُ بين سَحْرِى ونَحْرِي» بفَتحِ السِّينِ، السَّحْرُ: الرِّئةُ وما تعلَّق بها) [2302] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (7/ 451). .
8- من مَناقِبِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها إخبارُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّها من أصحابِ الجنَّةِ.
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، مَن أزواجُكَ في الجنَّةِ؟ قال: أمَا إنَّكِ مِنهُنَّ! قالت: فخُيِّلَ إليَّ أنَّ ذاك أنَّه لم يتزوَّجْ بِكرًا غَيْرِي )) [2303] أخرجه ابن حبان (7096) واللَّفظُ له، والطبراني (23/39) (99)، والحاكم (6743). صَحَّحه ابن حبان، وصَحَّح إسنادَه الحاكم، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7096)، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3/133): على شرط مسلم. .
9- عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((فَضْلُ عائِشةَ على النِّساءِ كفَضْلِ الثَّريدِ على سائِرِ الطَّعامِ )) [2304] رواه البخاري (5419)، ومسلم (2446). .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: معناه: أنَّ الثريدَ مِن كُلِّ طعامٍ أفضَلُ مِنَ المَرَقِ؛ فثَريدُ اللَّحمِ أفضَلُ من مَرَقِه بلا ثريدٍ، وثريدُ ما لا لَحْمَ فيه أفضَلُ مِن مَرَقِه، والمرادُ بالفَضيلةِ: نَفْعُه، والشِّبَعُ منه، وسُهولةُ مَساغِه، والالتذاذُ به، وتيسُّر تناوُلِه، وتمكُّنُ الإنسانِ مِن أخْذِ كِفايتِه منه بسُرعةٍ، وغيرِ ذلك، فهو أفضَلُ مِنَ المَرَقِ كُلِّه، ومن سائِرِ الأطعِمةِ، وفَضْلُ عائشةَ على النِّساءِ زائِدٌ كزيادةِ فَضْلِ الثَّريدِ على غَيرِه مِنَ الأطعِمةِ، وليس في هذا تصريحٌ بتَفضيلِها على مريمَ وآسِيَةَ؛ لاحتِمالِ أنَّ المرادَ تَفضيلُها على نِساءِ هذه الأُمَّةِ) [2305] يُنظر: ((شرح مسلم)) (15/ 199). .

انظر أيضا: