الموسوعة العقدية

المَبحثُ الرَّابعُ: الصَّومُ

الرُّكنُ الرَّابعُ من أركانِ الإسلامِ: الصِّيامُ. قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ * فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 183-185] .
 قال ابنُ جَريرٍ: (يعني اللهُ تعالى ذِكْرُه بقَولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] يا أيُّها الذين آمنوا باللهِ ورَسولِه، وصَدَّقوا بهما وأقَرُّوا. ويعني بقَولِه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ [البقرة: 183] فَرَض عليكم الصِّيامَ) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مخاطِبًا للمُؤمِنين من هذه الأمَّةِ وآمِرًا لهم بالصِّيامِ، وهو: الإمساكُ عن الطَّعامِ والشَّرابِ والوِقاعِ بنِيَّةٍ خالصةٍ للهِ عزَّ وجَلَّ؛ لِما فيه من زكاةِ النَّفْسِ وطَهارتِها وتنقيَتِها من الأخلاطِ الرَّديئةِ والأخلاقِ الرَّذيلةِ؛ وذَكَر أنَّه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قَبْلَهم، فلهم فيه أُسوةٌ، وليجتَهِدْ هؤلاء في أداءِ هذا الفَرْضِ أكمَلَ مِمَّا فعله أولئك) .
وقال الشَّوكاني: (لا خِلافَ بين المُسلِمين أجمعين أنَّ صَومَ رمَضانَ فريضةٌ افتَرَضَها اللهُ سُبحانَه على هذه الأمَّةِ) .
 وقال ابنُ باز: (حُكمُ من تَرَك صَومَ رَمَضانَ وهو مُكَلَّفٌ من الرِّجالِ والنِّساءِ: أنَّه قد عصى اللهَ ورَسولَه وأتى كبيرةً مِن كبائِرِ الذُّنوبِ، وعليه التَّوبةُ إلى اللهِ من ذلك، وعليه القَضاءُ لكُلِّ ما ترك مع إطعامِ مسكينٍ عن كلِّ يومٍ إن كان قادرًا على الإطعامِ، وإن كان فقيرًا لا يستطيعُ الإطعامَ كفاه القضاءُ والتَّوبةُ؛ لأنَّ صومَ رَمَضانَ فَرضٌ عَظيمٌ قد كتبه اللهُ على المُسلِمين المكلَّفين، وأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أحَدُ أركانِ الإسلامِ الخمسةِ.
والواجِبُ تعزيرُه على ذلك وتأديبُه بما يردَعُه إذا رُفِع أمرُه إلى وليِّ الأمرِ... هذا إذا كان لا يجحَدُ وُجوبَ صيامِ رمضانَ، أمَّا إن جحد وجوبَ صَومِ رمَضانَ فإنَّه يكون في ذلك كافِرًا مكَذِّبًا للهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يُستتابُ من جهةِ وَلِيِّ الأمرِ بواسطةِ المحاكَمِ الشَّرعيَّةِ، فإن تاب وإلَّا وجب قَتْلُه؛ لأجْلِ الرِّدَّةِ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من بَدَّل دِينَه فاقتُلوه )) .
 ويرى بعضُ العُلَماءِ كُفْرَ من ترك ركنًا من أركانِ الإسلامِ كالِّصيامِ، ولكِنَّ المشهورَ عند أهلِ العِلمِ والفُتْيا أنَّه لا يكفُرُ تارِكُ الصِّيامُ.
قال محمَّدُ بنُ نَصٍر المروزيُّ: (قد اتَّفَق أهلُ الفتوى وعُلَماءُ أهلِ الأمصارِ على أنَّ من أفطَرَ في رمضانَ متعمِّدًا أنَّه لا يَكفُرُ بذلك، واختلفوا فيما يجِبُ عليه عند ذلك... فإنْ أفطَرَ رمضانَ كُلَّه متعمِّدًا، فمنهم من أوجب عليه لكُلِّ يومٍ كفَّارةً مع القضاءِ... ولم يقُلْ أحدٌ من العُلَماءِ أنَّه قد كَفَر) .
وقال الذهبيُّ: (عند المُؤمِنينَ مُقَرَّرٌ أنَّ من ترك صومَ رمَضانَ بلا مَرَضٍ ولا غَرَضٍ أنَّه شَرٌّ مِن الزَّاني، والمكَّاسِ، ومُدمِنِ الخَمرِ، بل يَشُكُّون في إسلامِه، ويظنُّون به الزَّندَقةَ والانحلالَ) .
وعد الهيتمي: من الكبائِرِ تَرْكُ صَومِ يومٍ مِن أيَّامِ رمَضانَ، والإفطارُ فيه بجِماعٍ أو غيرِه بغيرِ عُذرٍ مِن نحو مَرَضٍ أو سَفَرٍ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (3/ 152)
  2. (2) يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 497)
  3. (3) يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (1/ 207)
  4. (4) أخرجه البخاري (3017) من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
  5. (5) يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/332).
  6. (6) يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/1016).
  7. (7) يُنظر: ((الكبائر)) (ص: 157).
  8. (8) يُنظر: ((الزواجر)) (1/ 323).