الموسوعة العقدية

المَبحثُ الثَّالثُ: الزَّكاةُ

من أعظَمِ أركانِ الإسلامِ الزكاةُ، وهي قرينةُ الصَّلاةِ في كتابِ اللهِ؛ قال اللهُ تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43] ، وقال سُبحانَه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة: 11] .
ومن منَعَها إنكارًا لوُجوبِها فهو كافِرٌ بالإجماعِ، وإن كان مُقِرًّا بوُجوبِها وكانوا جماعًة ولهم شَوكةٌ، قاتَلَهم الإمامُ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزكاةَ، فإذا فَعَلوا عَصَموا مني دماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحسابُهم على اللهِ )) [536] أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22) واللفظ له. .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: لَمَّا تُوفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه وكَفَر من كَفَر مِنَ العَرَبِ، فقال عُمَرُ: كيف تقاتِلُ النَّاسَ وقد قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتى يشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمن قالها فقد عصم مني نَفْسَه ومالَه إلَّا بحَقِّه وحِسابُه على اللهِ عزَّ وجَلَّ ))؟ فقال: واللهِ لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصَّلاةِ والزكاةِ، فإنَّ الزكاةَ حَقُّ المالِ، ولو منعوني عَناقًا كانوا يؤدُّونَها إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها، قال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ اللهَ قد شَرَح صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ؛ فعَلِمْتُ أنَّه الحَقُّ [537] أخرجه البخاري (1399، 1400، 1456، 1457) مفرقاً، ومسلم (20) واللَّفظُ له. .
وأمَّا إن كان الممتَنِعُ عن أداءِ الزكاةِ فَردًا من الأفرادِ، فأجمعوا على أنَّها تؤخَذُ منه قَهرًا، واختلفوا هل يَكفُرُ أم لا؟ على قولينِ.
أرجَحُهما: أنَّه لا يَكفُرُ إذا كان تركُه لها بخلًا لا جحودًا؛ فقد جاء النَّصُّ الصَّحيحُ الصَّريحُ بعَدَمِ كُفرِه، وأنَّ اللهَ يُعَذِّبُه يومَ القيامةِ، ثم يُرى سبيلَه إلى الجنَّةِ أو النَّارِ.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما من صاحِبِ كَنزٍ لا يؤدِّي زكاتَه إلَّا أُحمِيَ عليه في نارِ جَهنَّمَ، فيُجعَلُ صفائِحَ، فيُكوى بها جَنْباه وجَبينُه حتى يحكُمَ اللهُ بين عبادِه، في يومٍ كان مِقدارُه خمسين ألفَ سَنةٍ، ثم يُرى سَبيلَه؛ إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ، وما من صاحِبِ إبلٍ لا يؤدِّي زكاتَها إلَّا بُطِحَ لها بقاعٍ قَرقَرٍ، كأوفَرِ ما كانت، تستَنُّ عليه، كلَّما مضى عليه أُخراها رُدَّت عليه أُولاها، حتى يحكُمَ اللهُ بين عبادِه، في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألفَ سنةٍ، ثمَّ يُرى سَبيلَه إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ، وما من صاحِبِ غَنَمٍ لا يؤدِّي زكاتَها إلَّا بُطِحَ لها بقاعٍ قَرقرٍ، كأوفَرِ ما كانت، فتَطَؤُه بأظلافِها وتنطَحُه بقُرونِها، ليس فيها عَقصاءُ ولا جَلحاءُ، كُلَّما مضى عليه أُخراها رُدَّت عليه أولاها، حتى يحكُمَ اللهُ بين عبادِه في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألفَ سَنةٍ ممَّا تعُدُّون، ثمَّ يُرى سَبيلَه إمَّا إلى الجنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ )) [538] أخرجه البخاري (4565) مختصرًا بنحوه، ومسلم (987) واللَّفظُ له. .
قال المروزيُّ: (فدَلَّ ما ذكَرْنا أنَّ مانِعَ الزكاةِ ليس بكافِرٍ ولا مُشرِكٍ؛ إذ أطمَعَه دخولَ الجنَّةِ؛ لقَولِ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48] ) [539] يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/1015). .
وقد نقل الهيتمي الإجماعَ على أنَّ مَنْعَ الزكاةِ من الكبائِرِ [540] يُنظر: ((الزواجر)) (1/ 287). .

انظر أيضا: