الموسوعة العقدية

المَطْلَب الرَّابعُ: سَجْرُ النَّارِ وتَسَعُّرُها

قال الله تعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [التكوير: 12] .
قال ابنُ مَنظُورٍ: (السَّجْرُ إيقادُكَ في التَّنُّورِ... إنَّ جَهَنَّم تُسجَرُ وتُفتَحُ أبوابُها، أي: تُوقَدُ) .
وقال الجَوهَريُّ: (استَعَرَتِ النَّارُ وتَسَعَّرت، أي: تَوقَّدَت) .
وعَن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّه أتاني اللَّيلةَ آتيانِ -فذَكَرَ رُؤيا طَويلةً وفيها-: قال: فأَتَينا على رَجُلٍ كَرِيهِ المَرآةِ، كَأَكْرَهِ ما أنتَ راءٍ رَجُلًا مَرآةً، وإذا عِندَه نارٌ يَحُشُّها ويَسعى حَولَها، قال: قُلتُ لَهما: ما هذا؟ قالا لي: انطَلِقِ انطَلِقِ)) وفي آخِرِ الحَديثِ أنَّ المَلَكينِ قالا لَه: ((أمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرآةِ الَّذي عِندَ النَّارِ يَحُشُّها ويَسعى حَولَها فإنَّه مالِكٌ خازِنُ جَهَنَّمَ)) .
قال ابنُ رَجَبٍ: (قَولُه: كَريهُ المَرآةِ، أيِ: المَنظَرِ، وقَولُه: يَحُشُّها، أي: يُوقِدُها) .
وجَهَنَّمُ تُسجَرُ كُلَّ يَومٍ نِصفَ النَّهارِ
عَن عَمرِو بنِ عَبَسةَ رَضِيَ اللهُ عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صَلِّ صَلاةَ الصُّبحِ ثُمَّ أقصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ حَتَّى تَرتَفِعَ؛ فإنَّها تَطلُعُ حينَ تَطلُعُ بينَ قَرنَي شيطانٍ، وحينَئِذٍ يَسجُدُ لَها الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فإنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ مَحضُورةٌ حَتَّى يَستَقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ، ثُمَّ أقصِرْ عَنِ الصَّلاةِ؛ فإنَّه حينَئِذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ، فإذا أقبَلَ الفَيءُ فصَلِّ )) .
قال النَّوويُّ: (مَعنى ((تُسجَرُ جَهَنَّم)): تُوقَدَ عليها إيقادًا بَليغًا) .
وقال المظهَريُّ: ( ((تُسجَرُ)) أي: تُحمَى ويُبالَغُ في حَرِّها) .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا اشتَدَّ الحَرُّ فأبرِدُوا بالصَّلاةِ؛ فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيحِ جَهَنَّمَ )) .
قال الخَطابي: (إنَّ الشَّمسَ إنَّما تَطلُعُ حينَ قُوَّةِ الشَّيطانِ أيْ وقتَ يَقْوى فيه أمرُ الشَّيطانِ، وهو أنَّ عَبَدةَ الشَّمسِ يَرصُدُونَ بصَلاتِهم وقتَ بُزُوغِها، فإذا بَزَغَت سَجَدُوا لَها، وذَلِكَ مِن تَسويلِ الشَّيطانِ لَهم؛ فنُهي عَنِ الصَّلاةِ في ذَلِكَ الوقتِ لِتَكُونَ صَلاةَ مَن عَبَدَ اللهَ في غيرِ وقتِ صَلاةِ مَن عَبَدَ الشَّيطانَ. واللهُ أعلَمُ) .
وقال أيضًا: (تَسجيرُ جَهَنَّم وكَونُ الشَّمسِ بينَ قَرنَيِ الشَّيطانِ وما أشبَه ذَلِكَ مِنَ الأشياءِ الَّتي تُذكَرُ على سَبيلِ التَّعليلِ لِتَحريمِ شيءٍ أو لِنَهيٍ عَن شيءٍ أُمُورٌ لا تُدرَكُ مَعانيها مِن طَريقِ الحِسِّ والعِيَانِ، وإنَّما يَجِبُ عَلينا الإيمانُ بها والتَّصديقُ بمَخبُوآتِها والِانتِهاءُ إلى أحكامِها الَّتي عُلِّقَت بها) .
وقال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيحِ جَهَنَّم))... أي: سُطُوعِ حَرِّها وانتِشارِه وغَليانِها) .
وقال ابنُ المُلقنِ: (الَّذي يَقتَضيه مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ وظاهرُ الحَديثِ: أنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فيحِ جَهَنَّم حَقيقةٌ لا استِعارةَ وتَشبيهًا وتَقريبًا؛ فإنَّها مَخلُوقةٌ مَوجُودةٌ، وقَدِ اشتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّها) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((لسان العرب)) (3/ 1942).
  2. (2) يُنظر: ((الصحاح)) (2/ 685).
  3. (3) أخرجه مطولًا البخاري (7047) واللَّفظُ له، ومسلم (2275).
  4. (4)  يُنظر: ((التخويف من النار)) (ص: 99).
  5. (5) أخرجه مسلم (832) مطولًا.
  6. (6) يُنظر: ((شرح مسلم)) (6/ 117).
  7. (7) يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (2/ 211).
  8. (8) أخرجه البخاري (536)، ومسلم (615).
  9. (9) يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 726).
  10. (10) يُنظر: ((معالم السنن)) (1/ 276).
  11. (11) يُنظر: ((شرح مسلم)) (5/ 118).
  12. (12) يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (6/ 146).