الموسوعة العقدية

المَطْلَب التَّاسِعُ: رِيحُ الجَنَّةُ

عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صِنفانِ مِن أهلِ النَّارِ لَم أرَهما، قَومٌ مَعَهم سياطٌ كَأذنابِ البَقَرِ يَضرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مُميلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهنَّ كَأسْنِمةِ البُخْتِ المائِلةِ، لا يَدخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنُ رِيحَها، وإنَّ ريحَها ليُوجَدُ مِن مَسيرةِ كَذا وكَذا )) [4651] أخرجه مسلم (2128). .
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن قَتلَ مُعاهَدًا لَم يَرَحْ رائِحةَ الجَنَّةِ، وإنَّ ريحَها تُوجَدُ مِن مَسيرةِ أربَعينَ عامًا )) [4652] أخرجه البخاري (3166). .
قال المُناويُّ: ( ((مَن قَتلَ مُعاهَدًا)) أي: مَن لَه عَهدٌ مِنَّا بنَحوِ أمانٍ، قال ابنُ الأثيرِ: وأكثَرُ ما يُطلَقُ في الحَديثِ على أهلِ الذِّمَّةِ، وقَد يُطلَقُ على غيرِهم مِنَ الكُفَّارِ إذا صُولَحِوا على تَركِ الحَرب ((لَم يَرَحْ)) بفَتحِ أوَّليه على الأشهرِ، وقَد تُضَمُّ الياءُ وتُفتَحُ الرَّاءُ وتُكْسَرُ ((رائِحةَ الجَنَّةِ)) أي: لَم يَشمَّها حينَ شَمَّها مَن لَم يَرتَكِب كَبيرةً، لا أنَّه لا يَجِدُها أصلًا كَما يُفيدُه أخبارٌ أُخَرُ؛ جَمعًا بينَه وبينَ ما تَعاضَدَ مِنَ الدَّلائِلِ النَّقليَّةِ والعَقليَّةِ على أنَّ صاحِبَ الكَبيرةِ إذا كانَ مُوحِّدًا مَحكُومًا بإسلامِه لا يُخلَّدُ في النَّارِ ولا يُحرَمُ مِنَ الجَنَّةِ ((وإنَّ ريحَها)) الواوُ للحالِ ((ليُوجَدُ)) في رِوايةٍ يُوجَدُ بلا لامٍ ((مِن مَسيرةِ أربَعينَ عامًا)) [4653] يُنظر: ((فيض القدير)) (6/193). ويُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/2261). .
قال ابنُ القيِّمِ: (هذه الألفاظُ لا تَعارُضَ بينَها بوجهٍ، وقَد أُخرِجا في الصَّحيحينِ عَن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: ((لَم يَشهَد عَمِّي مَعَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَدرًا قال: فشَقَّ عليه، قال: أولُ مَشهَدٍ شَهِدَه رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غِبْتُ عَنه! فإنْ أراني اللهُ مَشهَدًا فيما بَعدُ مَعَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليرينَّ اللهُ ما أصنَعُ، قال: فهابَ أنْ يَقُولَ غيرَها. قال: فشَهدَ مَعَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ أحُدٍ، قال: فاستَقبَلَ سَعدَ بنَ مُعاذٍ فقال لَه أينَ؟ فقال: واهًا لِريحِ الجَنَّةِ أجِدُه دُونَ أحُدٍ! قال: فقاتَلَهم حَتَّى قُتِلَ، قال: فوُجِدَ في جَسدِه بضعٌ وثَمانُونَ مِن بينِ ضَربةٍ وطَعنةٍ ورَميةٍ، فقالت أختُه عَمَّتي الرُّبَيِّعُ بنتُ النَّضْرِ: فما عَرَفْتُ أخي إلَّا ببَنانِه، ونَزَلَت هذه الآيةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] قال: فكانوا يَرَون أنَّها نزلت فيه وفي أصحابِه)) [4654] أخرجه البخاري (2805)، ومسلم (1903) باختلاف يسير. .
وريحُ الجَنَّةِ نَوعانِ: ريحٌ يُوجَدُ في الدُّنيا تَشَمَّه الأرواحُ أحيانًا لا يُدرِكُه العِبادُ، وريحٌ يُدرَكُ بحاسةِ الشَّمِّ لِلأبَدانِ كَما تُشَمُّ رَوائِحُ الأزهارِ، وغيرُها، وهذا يَشتَرِكُ أهلُ الجَنةِ في إدراكِه في الآخِرةِ مِن قُربٍ وبُعدٍ، وأمَّا في الدُّنيا فقَد يُدرِكُه مَن شاءَ اللهُ مِن أنبيائِه ورُسُلِه، وهذا الَّذي وَجَدَه أنسُ بنُ النَّضْرِ رَضِيَ اللهُ عَنه يَجُوزُ أن يَكُونَ مِن هذا، وأن يَكُونَ مِنَ الأوَّلِ، واللهُ أعلَمُ) [4655] يُنظر: ((حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح)) (ص: 160). .

انظر أيضا: