الموسوعة العقدية

الْمَطْلَبُ الثَّالِثُ: أرضُ الْمَحْشَرِ في آخِرِ الزَّمانِ

قال اللهُ تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ.
قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قال الحَسَنُ: مَعنى أوَّلِ الحَشْرِ: هو أنَّ الشَّامَ أرضُ الحَشْرِ والمَنشَرِ، وكان رَسولُ الله أجلاهم إلى الشَّامِ، فإجلاؤُه إيَّاهم كان هو الحَشْرَ الأوَّلَ، والحَشْرُ الثَّاني يَومَ القيامةِ، وهو قَولُ عِكرِمةَ أيضًا) [2957] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 395). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (سَيَّرَهم رَسولُ الله وأجلاهم مِنَ الْمَدينةِ، فكان مِنهم طائِفةٌ ذَهَبوا إلى أذرعاتٍ من أعالي الشَّامِ، وهيَ أرضُ الْمَحْشَرِ والمَنشَرِ، ومِنهم طائِفةٌ ذَهَبوا إلى خَيبَرَ) [2958] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 57). .
وعَن حَكيمِ بن مُعاويةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((هاهُنا تُحشَرونَ، هاهُنا تُحشَرونَ، هاهُنا تُحشَرونَ -ثَلاثًا- رُكبانًا، ومُشاةً، وعلى وُجوهِكم))، قال ابنُ أبي بكيرٍ: فأشارَ بيَدِه إلى الشَّامِ، فقال: ((إلى هاهُنا تُحشَرونَ)) [2959] أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (11431)، وأحمد (20011). حسَّنه الوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (1129)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20011). .
وأرضُ الشَّامِ هيَ أرضُ الأمنِ والإيمانِ حينَ تَقَعُ الفِتَنُ في آخِرِ الزَّمانِ.
عَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ الله عَنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بَينا أنا نائِمٌ إذ رَأيتُ عَمودَ الكِتابِ احتُمِلَ من تَحتِ رَأسي، فظَنَنتُ أنَّه مَذهوبٌ به، فأتبَعْتُه بَصَري، فعُمِدَ به إلى الشَّامِ، ألَا وإنَّ الإيمانَ حينَ تَقَعُ الفِتَنُ بالشَّامِ )) [2960] أخرجه أحمد (21781) واللَّفظُ له، والبزار (4111)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (10/60) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه الوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (1056)، وصحَّح إسنادَه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (6/447)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (12/420)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21781). وقال البزار: لا نعلم له إسنادًا أحسن من هذا الإسناد.     .
وعَن عَبدِ الله بنِ حَوالةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سَيَصيرُ الأمرُ إلى أن تَكونوا جُنودًا مُجَنَّدةً، جُندٌ بالشَّامِ، وجُندٌ باليَمنِ، وجُندٌ بالعِراقِ))، قال ابنُ حَوالةَ: خِرْ لي يا رَسولَ اللهِ إن أدرَكْتُ ذلك، فقال: ((عليكَ بالشَّامِ؛ فإنَّها خِيرةُ اللهِ مِن أرضِه، يَجتَبي إليها خَيرَتَه من عِبادِه؛ فأمَّا إنْ أبيتُم فَعَلَيكم بيَمَنِكم، واسْقُوا من غُدُرِكم؛ فإنَّ الله تَوَكَّلَ لي بالشَّامِ وأهلِه )) [2961] أخرجه أبو داود (2483) واللَّفظُ له، وأحمد (22489). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2483)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2483)، وحسَّنه الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (657)، وقال ابن رجب في ((فضائل الشام)) (3/181): له طرقٌ كثيرةٌ. .
وقَد دَعا رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للشَّامِ بالبَرَكةِ؛ فعنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللهُمَّ بارِكْ لَنا في شَامِنا، اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في يَمَنِنا )) [2962] أخرجه البخاري (7094). .
ونُزولُ عيسى عليه السَّلامُ في آخِرِ الزَّمانِ يَكونُ بالشَّامِ، وبِه يَكونُ اجتِماعُ الْمُؤمِنينَ لقِتالِ الدَّجَّالِ [2963] يُنظر: ((أشراط الساعة)) للوابل (ص: 425). .
قال ابنُ رَجَب: (في الصَّحيحينِ عَن أبي هُرَيرةَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((يُحشَرُ النَّاسُ على ثَلاثِ طَرائِقَ، راغِبينَ راهِبينَ، واثنانِ على بَعيرٍ، وثَلاثة على بَعيرٍ، وأربَعة على بَعيرٍ، وعَشَرةٌ على بَعيرٍ، وتَحشُرُ بَقِيَّتَهم النَّارُ، تَقيلُ مَعَهم حَيثُ قالوا، تَبِيت مَعَهم حَيثُ باتوا، وتُصبِحُ مَعَهم حَيثُ أصبَحوا، وتُمسي مَعَهم حَيثُ أمسوا ))  [2964]أخرجه البخاري (6522) واللَّفظُ له، ومسلم (2861). . فهَذِه الثَّلاثُ الْمَذكورةُ في هذا الحَديثِ؛ أحَدُها: مَن يُحشَرُ راغِبًا، وهو مَن يُهاجِرُ إلى الشَّامِ طَوعًا.
والثَّاني: مَن يُحشَرُ رَهْبةً وخَوفًا على نَفسِه؛ لظُهورِ الفِتَنِ في أرضِه.
والثَّالِثُ: من تَحشُرُه النَّارُ قَسْرًا، وهو شَرُّ الثَّلاثةِ) [2965] يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (3/ 238). .

انظر أيضا: