الموسوعة العقدية

 الْمَبحَثُ الثَّالِثُ والعِشرونَ: تَقارُبُ الأسواقِ

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: ((يُوشِكُ أن لا تقومَ الساعةُ حتى يُقبَضَ العِلمُ، وتظهَرَ الفِتَنُ، ويَكثُرَ الكَذِبُ، ويتقارَبَ الزَّمانُ، وتتقارَبَ الأسواقُ )) [2126] أخرجه مُطَولًا أحمد (10724)، وابن حبان (6718) واللَّفظُ له. صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الموارد)) (1577)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6718)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/330): رجاله رجال الصَّحيح غير سعيد بن سمعان، وهو ثقة. والحديث أخرجه البخاري (1036)، ومسلم (157) بنحوه. .
وقد عَلَّقَ على مَسألةِ تَقارُبِ الأسواقِ مُحَمَّدُ بن عَبدِ الرَّحمَنِ بن قاسِمٍ قائِلًا: (الظَّاهِرُ -والله أعلَمُ- أنَّ ذلك إشارةٌ إلى ما وُجِدَ في زَمانِنا مِنَ الْمَراكِبِ الأرَضِيَّةِ والجَوِّيَّةِ، والآلاتِ الكَهرَبائيَّةِ الَّتي قَرَّبَتِ البَعيدَ) [2127] يُنظر: هامش ((فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ)) بتعليق وتحقيق ابن القاسم (1/ 31). .
وقال حُمُودٌ التُّوَيجريُّ: (أمَّا تَقارُبُ الأسواقِ فقَد جاءَ تَفسيرُه في حَديثٍ ضَعيفٍ بأنَّه كسادُها وقِلَّةُ رباحِها [2128] أخرجه السمرقندي في ((تنبيه الغافلين)) (925) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. وأخرجه ابن أبي الدنيا في ((العزلة والانفراد)) (198) من حديث مكحول مرسلًا. ، والظَّاهِرُ -والله أعلَمُ- أنَّ ذلك إشارةٌ إلى ما وقَعَ في زَمانِنا من تَقارُبِ أهلِ الأرضِ بسَبَبِ الْمَراكِبِ الجَوِّيَّةِ والأرَضِيَّةِ، والآلاتِ الكَهرَبائيَّةِ الَّتي تَنقُلُ الأصَواتَ؛ كالإذاعاتِ والتِّلفوناتِ، والَّتي تَنقُلُ الكِتابةَ؛ كالفاكسِ والتِّلِكس، وغَيرِها مِنَ الآلاتِ الحَديثةِ الَّتي صارَت أسواقُ الأرضِ مُتَقارِبةً بسَبَبِها، فلا يَكونُ تَغييرٌ في الأسعارِ في قُطرٍ مِنَ الأقطارِ إلَّا ويَعلَمُ به التُّجارُ أو غالِبُهم في جَميعِ أرجاءِ الأرضِ، فيَزيدونَ في السِّعرِ إن زادَ، ويَنقُصونَ إن نَقَصَ، ويَذهَبُ التَّاجِرُ في السَّيَّاراتِ إلى أسواقِ الْمَدائِنِ الَّتي تَبعُدُ عَنه مَسيرةَ أيَّامٍ، فيَقضي حاجَتَه مِنها، ثُمَّ يَرجِعُ في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ، ويَذهَبُ في الطَّائِراتِ إلى أسواقِ الْمُدُنِ الَّتي تَبعُدُ عَنه مَسيرةَ شَهرٍ فأكثَرَ، فيَقضي حاجَتَه مِنها، ويَرجِعُ في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ؛ فقَد تَقارَبَتِ الأسواقُ من ثَلاثةِ أوجُهٍ:
الأوَّلُ: سُرعةُ العِلمِ بما يَكونُ فيها من زيادةِ السِّعرِ ونُقصانِه.
والثَّاني: سُرعةُ السَّيرِ من سوقٍ إلى سوقٍ، ولَو كانت بَعيدةً عَنها.
والثَّالِثُ: مُقارَبةُ بَعضِها بَعضًا في الأسعارِ، واقتِداءُ بَعضِ أهلِها ببَعضٍ في الزِّيادةِ والنُّقصانِ. والله أعلَمُ) [2129] يُنظر: ((إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة)) (2/ 195). .
ورُبَّما يَشمَلُ ذلك أيضًا -والله أعلَمُ- تَقارُبَ الْمَتاجِرِ من بَعضِها، مِثلَ الْمُجَمَّعاتِ التِّجاريَّةِ فالمَحَلَّاتِ كثيرةٌ ومتجاورةٌ.
وإذا كان الْمُرادُ بالحَديثِ تَقارُبَ الأسواقِ مِنَ النَّاسِ، ففي وقتِنا الآنَ توجَدُ في الأحياءِ السَّكَنيَّةِ وغَيرِها شَوارِعُ تِجاريَّةٌ ومَحَلَّاتٌ تَحتَ الْمَنازِلِ ومحَلَّاتٌ أخرى بجانِبِها، ولا يَكادُ يَخلو مَوضِعٌ الآنَ من مَتاجِرَ مُمتَدَّةٍ على جانِبَيِ الطَّريقِ، وهيَ كثيرةٌ ومُتَلاصِقةٌ بحَيثُ أنَّ كُلَّ شَيءٍ صارَ مُتَوَفِّرًا وفي مُتَناوِلِ اليَدِ.
وظَهَرَت أيضًا الأسواقُ والمَتاجِرُ الإلِكتُرونيَّةُ عَبرَ الإِنتِرنِت، وأصبَحَ الطَّلَبُ على الشِّراءِ مِنها مُتَزايِدًا بصورةٍ كبيرةٍ جِدًّا، فالإنسانُ الآنَ يَختارُ وهو في بَيتِه أصنافَ السِّلَعِ الَّتي يُريدُها، ثُمَّ تَأتيه إلى بابِ مَنزِلِه وفي زمنٍ قصيرٍ.

انظر أيضا: